عندما خرج الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرا إلى المدينة، ظل قلبه صلى الله عليه وسلم متعلقا بمكة، التى ولد فيها وعاش صباه بين ربوعها، وشهدت أيام شبابه ونزول الوحي، فقال صلى الله عليه وسلم وهو يودعها «والله إنك لأحب بلاد الله إلى الله وأحب بلاد الله إلى نفسى ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت»، وبعد أن استقرت الدولة الإسلامية فى المدينةالمنورة، ودخل الناس فى دين الله أفواجا، أكرم الله المسلمين بفتح مكة، يوم العشرين من رمضان فى العام الثامن الهجري. ويعد فتح مكةالمكرمة حدثا عظيما من الوقائع الفاصلة فى تاريخ الإسلام التى أعز الله فيها دينه وأذل أعداءه، فبهذا الفتح خسر الكفر أهم معاقله وحماته فى بلاد العرب، وبعده دخل الناس فى دين الله أفواجا وأصبحت مكة قلعة منيعة لدين التوحيد والهداية. كما يعد من أعظم أنواع الفتوحات فى الدولة الإسلامية التى حققتها الجيوش الإسلامية بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويطلق على فتح مكة الفتح الأعظم، حيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم تمكن بعد فتح مكة من إعلاء كلمة الله عز وجل ونشر الدين الإسلامي، وقد تمت تسمية سورة النصر بهذا الاسم لأنها تدل على الفتح والنصر العظيم الذى حققته الجيوش الإسلامية على جيوش أعداء الله عز وجل. ويقول الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن الله عز وجل شاء أن يجعل فى عهد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فتحين عظيمين، فكان البدء ببدر، وكان الختم بفتح مكة، فأما الأول فكان لانطلاق الدعوة الإسلامية من المحلية بالمدينة، إلى العالمية بأنحاء الجزيرة العربية ودول وشعوب مجاورة، لذلك فقد سميت بدر فى القرآن الكريم بيوم الفرقان، وأما فتح مكة فكان إيذانا بانتهاء الولاية الوثنية الشركية على البيت الحرام ومكةالمكرمة، وارتفع أذان بلال رضى الله عنه بشهادة التوحيد على ظهر الكعبة، لذلك جعل الله ذلك فتحا مبينا، فهو فتح الفتوح وأم البطولات، وكان فتح مكة نصرا للدعوة الإسلامية، وتطهير البيت الحرام من الأصنام والأوثان، وأيضا إبعاد المشركين عن البيت الحرام . وفى سياق متصل يشير الدكتور عبد المقصود باشا، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة الأزهر، إلى أن النبى الكريم صلى الله عليه وسلم أراد أن يفتح مكة دون إراقة دماء، ونرى أن صلح الحديبية كان تمهيدا لهذا الفتح المبين، وعندما نقضت قريش عهدها مع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، تحرك جيش المسلمين نحو مكة، وكان ما يقرب من عشرة آلاف شخص، وقد أمر الرسول الكريم بتقسيم الجيش على مداخل مكة، فأمر الزبير بن العوام أن يدخل بقواته من ناحية، وأمر سعد بن عبادة بأن يدخل بقواته من ناحية ثانية، وكذلك أمر خالد بن الوليد أن يدخل بقواته من ناحية ثالثة، وقبل دخول مكة علم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، أن سعد بن عبادة يقول: اليوم يوم الملحمة، فقام الرسول بخلع سعد بن عبادة عن قيادة الميمنة، وأعطى القيادة لقيس بن سعد بن عبادة. وقد دخل المسلمون مكة دون مقاومة، ودون إراقة دماء، وطاف الرسول صلى الله عليه وسلم حول الكعبة، وقال صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فى جموع الناس يا معشر قريش ما ترون أنى فاعل بكم، قالوا: خيرا أخ كريم وابن أخ كريم قال اذهبوا فأنتم الطلقاء، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم رحيما بأهل مكة، فقال لهم من دخل المسجد فهو آمن ومن دخل داره فهو آمنس، فقاله له العباس بن عبد المطلب: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر، فاجعل له شيئا، فقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ومن دخل دار أبى سفيان فهو آمن، وقد كان يوم فتح مكة، هو يوم الفتح المبين، لأنها خرجت من أجواء ومظاهر الشرك والوثنية، إلى التوحيد وعبادة الله الواحد الأحد، وتم تحطيم الأصنام، وارتفع صوت بلال بالأذان من فوق الكعبة.