أسوأ استخلاص يمكن أن نسمعه الآن بعد عزل قطر عربيًا هو القول إن هناك مؤامرة عليها، والأسخف تصريح وزير الخارجية القطرى حول استقلالية بلاده وكونها لا تسمح بالتدخل فى شئونها. ردود أفعال الصدمة تؤشر على حالة من الإنكار دفعت للتفوه بأحاديث خارج الزمن أقل ما توصف به هو الفانتازيا، والمطلوب وفق الهوس القطرى والإخوانى أن ننحى الحقائق والوقائع جانبًا وننكر ما ارتكبته قطر فى الداخل العربى طوال سبع سنوات، مبدين التعاطف مع المسكينة التى تتعرض لمؤامرة ويتدخل العرب فى شؤونها! نحن على أعتاب سقوط الوهم، فالمؤامرة العريضة ضد مصر والدول الخليجية برعاية ودعم الإرهاب السنى والشيعى موثقة بشرائط الفيديو والمكالمات المسجلة، وليست مجرد رؤى محللين، وهناك ملف شامل بهذا الشأن متداول الآن داخل أروقة أجهزة الاستخبارات العربية والعديد من الدول الغربية. لست متأكدًا حتى بعد زوال الغمة الإرهابية بداعميها ووكلائها أن يستخلص من عاشوا فى الوهم القطرى الدرس الجوهري، فمن سعى للزعامة ركوبًا على ظهر الإسلاميين لا يدرك أنها لا تُستمد سوى من الإرادة الشعبية الجامعة. العظمة السياسية لها مقدمات ضاربة فى التاريخ ومؤهلات حضارية وثقافية وفكرية لا تمتلكها قطر، ووقف قطار الفوضى كان بفضل مصر، لا لشيء إلا أنها دولة عريقة وهكذا خلقت تمتلك مقومات العظمة ولا تدعيها أو تفتعلها. السؤال هنا للأغبياء من الأدوات والوكلاء لماذا لم تتحول حركاتهم «الإسلامية» إلى قوة رئيسية فى الحياة السياسية على الرغم من تمسحها بالدين بما يمتلكه من امتياز ثقافى كان يمكن أن يمنحها السطوة وسط جماهير عريضة منحازة ومتشوقة للرأسمال الديني؟ لأن هناك دولة صغيرة الدور والتأثير ظنت أنها باحتواء الموتورين وأعضاء الجماعات خلال عقود ضمن موجات نزوح متعاقبة آخرها بعد عزل الإخوان من السلطة، تصبح بذلك قد صنعت لنفسها قاعدة شعبية وغرست جذرًا دينيًا وثقافيًا، وما درت أن المكانة الدينية لمصر والسعودية اللتين تحاول منافستهما ذاتية وغير مكتسبة. ولأن الطرفين الإخوان وقطر- جعلا الدين مطية لبلوغ مصالح وأهداف أبعد ما تكون عن خدمة الدين وقضاياه، فوقعا معًا فى فخ توظيف التنظيمات التكفيرية والميليشيات المسلحة، وخصص لداعش والقاعدة منبراً إعلامياً دائماً وتم إمدادهما بكل ما يطلبانه من مال وسلاح، وصار الدين أداة لجماعات ودويلات مهووسة بالسيطرة والنفوذ يقودها هواة اعتادوا الإنصات للبعض من مستشارى السوء. الأيام المقبلة هى الأخطر فى تاريخ العرب بالنظر أولًا للانتصار للفهم المستنير الحقيقى والصادق المتجرد للدين، بعد أن تم تحويله على أيدى قطر وتركيا وإيران ووكلائهم إلى نقمة على العالمين فانعكس سير الأمة نحو كهوف ماضى الصراعات والانقسامات الطائفية والتشرذم والفتن. وتاليا بتوجيه بوصلة الأوضاع وموازين القوى فى اتجاهها الصحيح بعد أن تقاسمت إيرانوقطر وتركيا الأدوار على حساب الحضور العربى فى غفلة من التاريخ وصنعت ما يشبه توازن الرعب بين الجماعات التكفيرية الشيعية والسنية، وتخيلت أنفسها وقد صارت قوى عظمى لا يليق إلا أن تجلس مع القوتين العظميين نداً بند، متعالين على الدول العربية. ثمة من يرى أنها مواجهة عربية -عربية وهناك من يجادل زاعمًا كونها حرباً خاسرة أخرى يخوضها العرب يتحكم فى خيوطها ومصائرها الأجنبي، لكنها فى حقيقتها صراع حضارى مصيرى بين العروبة برغم وهنها الراهن والإسلام السياسى فى أبشع صوره ممثلًا فى داعش السنية التى تغذى وتفيد نفوذ وحضور دواعش الشيعة وميليشيات إيران التكفيرية، علاوة على القاعدة التى انتقلت من أفغانستان إلى سوريا والعراق ومصر وليبيا عبر الراعى القطري، وأخيرًا فى مواجهة حكم جماعة الإخوان «القطرية التركية» الذى ينتظر ريثما تتهاوى الدول العربية ليصعد. لا يزال البعض من الظرفاء يتحدث عن المقاومة التى تم جرها من مقاومة إسرائيل لمقاومة العرب فى زمن صار الانتهاز الدينى كالانتهاز المالي. ولا يقل هذا الطرح بؤسًا عمن يزعم النضال والصمود القطرىالإيرانى الممانع فى وجه الحلف الأمريكي، فالولايات المتحدة لاعب مصالح ليس مع أحد ولا ضد أحد هى فقط مع مصلحتها حسب طبيعة المراحل والمستجدات، وتلك هى لعبة السياسة عندما يطيش سهم الخصوم ويرتد إلى نحورهم. وإذا كانت قطر قد استفادت من «عقيدة أوباما» القائمة على اقتسام النفوذ الطائفى وشق الوطن العربى على أساس سنى شيعى لتصبح الهيمنة لإيران وتركيا وقطر، وهو ما رفضته مصر والسعودية، فقد حان وقت استفادة المقاومين لهذا المشروع التجزيئى التخريبى من عقيدة مايكل فلين مستشار الأمن القومى السابق، والتى يعتنقها ترامب وينسج على منوالها تغريداته. من يرغب فى استشراف سير الحرب المقبلة فليرجع لتصورات فلين فى كتابه «ميدان المعركة»، فمع تدمير الجيوش التكفيرية ونزع المصداقية عن أيديولوجياتها يلزم إظهار التحدى الحقيقى للأنظمة التى تدعم الأعداء من خلال إضعافهم فى أدنى تقدير والإطاحة بهم متى كان الأمر ممكنًا. صار الأمر ممكنًا، وأمريكا التى وظفت قطر والإخوان لحاجة جيو- استراتيجية آنية وأطلقت يد إيران تعبث فى كل مكان ودعمت الإسقاط والتغيير الفورى للأنظمة العربية، الآن تقول: علينا أن نواجه بشكل حاسم الدول أو التنظيمات أو الداعمين للإرهاب وأن نضغط من أجل إنهاء الدعم. لمزيد من مقالات هشام النجار;