البيان الذي صدر في الأسبوع الثاني من شهر مايو عن نسب إهدار مياه الشرب في المحافظات المختلفة دق ناقوس الخطر عن حالة الاستهتار وقلة الاعتناء التي يعشها البعض والتي ينبغي التوقف عندها كثيرا ورفع وإيقاظ الوعي العام بأهمية المياه وأن نقطة المياه حياة وأن كل نقطة مياه تفرق معانا. لا أحد في مصر يشعر بكم النقص الكبير في المياه العذبة الذي نعاني منه طالما نظروا إلى نهر النيل ووجدوا به المياه عند منسوبها الذي تعودوا عليه فيقولون أين نقص المياه والنهر مملوء بالمياه!. هؤلاء لا يعرفون أن مافي النهر هو ماء مقنن يصرف من خزان مياه مصر عند السد العالي طبقا لاحتياجات جميع قطاعات الدولة من استهلاك منزلي ومحليات وزراعي وصناعي، وأن مصر تعيش شحا مائيا بالغا وأن البعض لا يستوعب أن نقص المياه هو سبب استيرادنا لنحو 60% من غذائنا وهو في الحقيقة استيراد للمياه على صورة سلع غذائية، أشار تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن متوسط نسبة الفاقد في مياه الشرب على مستوى الجمهورية بلغ 33% أي نحو ثلث مياه الشرب يهدر بسبب قلة الاعتناء والإهمال الجسيم الذي هو جريمة كاملة. أما في التفاصيل فهناك محافظات تجاوزت فيها نسبة الفقد في مياه الشرب 55% أي نصف إنتاجنا من مياه الشرب ثم نشتكي من انقطاع المياه وهي التي إذا جاءت أهدرناها بصنبور مفتوح أو سيفون تالف أو حنفية مفتوحة لتهدر موردا ثمينا ليس له بديل، وكانت النسب المنخفضة من الإهدار في المحافظات قليلة السكان حيث عدد البشر الذين يتعاملون مع المياه قليلون. إهدار مياه الشرب له العديد من الأضرار المباشرة على الشعب المصري ومعيشته أولها أنه يحول المياه النافعة إلى مياه ضارة لأنها ستصبح »مياه مجاري« إذا ما ألقيت في الترع والمصارف تلوثها وإذا وصلت إلى الزراعات تلوثها وتدمر صحتنا، بينما هي في الأصل لخير الإنسان ونفعه وشربه وطعامه بل حياته. ثاني الأضرار هو التداعيات الاقتصادية لإهدار المياه حيث يتكلف تنقية المتر المكعب من مياه النيل وتحويله إلى مياه شرب نحو 3.5 جنيه بأسعار ماقبل تعويم الجنيه المصري ومضاعفة أسعار الدولار وبالتالي يكون ماتم خسارته عبر إهدار 3.3 مليار متر مكعب من مياه الشرب يساوي 11.5 مليار جنيه مصري وهي ثمن تنقية المياه فقط وما أضيف إليها من كلور وشبّة ومواد قاتلة للميكروبات وليس ثمن المياه نفسها. الضرر الثالث لإهدار المياه هو حساب العائد منها لو استخدمناها في الأنشطة الاقتصادية، فأقل عائد للمتر المكعب يكون في قطاع الزراعة للالتزام الدولي بتوفير الغذاء الرخيص ومبدأ الحق في الطعام، ويكون العائد من استخدامه في الزراعة نحو عشرة جنيهات للمتر المكعب وبالتالي فإذا لم تهدر هذه المليارات الثلاثة السابقة بالإهمال الجسيم فإنها كانت تعود على الشعب المصري وخزانته العامة بنحو 33 مليار جنيه سنويا وغذاء يوفر علينا استيراده، بخلاف الأحد عشر مليارا السابقة التي استخدمت في تنقية مياه النيل وتحويلها إلى مياه شرب. وإذا ماتم استخدامها في قطاع الصناعة ذات العائد العالي من الزراعة والذي يبلغ 50 جنيها للمتر المكعب من المياه فإننا نكون قد أهدرنا 165 مليارا من الجنيهات يمكن أن تعود على الشعب المصري وتدعم اقتصاده بدلا من تحويل هذه المياه الغالية النافعة إلى مياه ضارة للمجاري تستلزم تنقية ومحطات للمجاري ومحطات للمعالجة وطلمبات رفع لضخها إلى نهاية طريقها في البحر المتوسط، تتكلف مليارات كثيرة أخرى. هناك أيضا أن هذه المليارات المهدرة من المياه المنقاه بحجم 3.3 مليار متر مكعب سنويا كان يمكن استثمارها في زراعة نحو 700 ألف فدان من أراضينا الزراعية والمستصلحة وتذهب خيراتها وعائداتها للفلاح المصري بدلا من ذهاب أموالنا للفلاح الأجنبي الذي نستورد منه احتياجاتنا من الغذاء فتزيد رقعتنا الزراعية وتقل فجوتنا الغذائية. أما إهدار المياه في قطاع الزراعة المستهلك الأكبر للمياه فحدث ولا حرج والفقد فيها يكفينا لإحداث نهضة شاملة في جميع القطاعات. فمن خلال شبكات نقل المياه المفتوحة في قطاع الزراعة عبر شبكات الترع التي تقارب 3500 كيلومتر وجميعها غير مبطنة ولا مظللة فيكون الفقد بالرشح العميق من خلال قيعان الترع وجوانبها بالإضافة إلى التبخير من سطحها المقابل لأشعة الشمس والرياح كبير للغاية. وطبقا للمواصفات والتقديرات العالمية للفقد الطبيعي من المياه في الترع المكشوفة غير المبطنة فإن هذه الترع تفقد مابين 25 و35% من حجم المياه التي تضخ فيها، أما مايفقد داخل الحقول نفسها نتيجة للري فيتراوح مابين 10 و15% فقط وبالتالي فإن أي تطوير للري وتوفير للفاقد من المياه في قطاع الزراعة ينبغي أن يبدأ من خارج الحقول أولا وليس من داخل الحقول. لمزيد من مقالات د. نادر نور الدين