نستطيع أن نقول وباطمئنان: إن الدولة المصرية تسير وبقوة إلى ترسيخ وسيادة دولة القانون، وإن زمن البلطجة أو الصعاليك الجدد قد ولي، أو إنه آخذ فى الاندثار على أقل تقدير وفى طريقه للتلاشى وبلا رجعة إن شاء الله. وإذا أردنا أن نقضى على جميع ظواهر البلطجة فلا بد ومن باب المعادل الموضوعى أن نعمل جميعًا على ترسيخ سيادة الدولة الوطنية وسيادة القانون، وأن نقف جميعًا صفًّا واحدًا خلف قواتنا المسلحة الباسلة، وخلف شرطتنا الوطنية، وخلف السادة المحافظين واللجان المختصة بتنفيذ إزالة التعديات،وأن ندرك أن تنفيذ إزالة هذه التعديات واجب شرعى ووطني، وأن حرمة المال العام أشد من حرمة المال الخاص، ذلك أن المال الخاص تتعلق به ذمة شخص أو مجموعة، أما المال العام فتتعلق به ذمة المجتمع بأسره، ذلك أن هذا المال إنما هو مال جميع المواطنين، جيلاً بعد جيل، فكل شيء إنما يشتريه الإنسان مرة واحدة، إلا الوطن فإن كل جيل إنما يدفع فى ثمن الحفاظ عليه والعمل على ريادته وتقدمه ضريبته، وبمقدار ما يقدم كل جيل من ضريبة وتضحيات يكون إعلاء شأن هذا الوطن، والحفاظ على كل ذرة من ترابه وثراه الندي. ومن ثمة نؤكد على أمرين هامين، أولهما ما أكدنا عليه مرارًا من أهمية وضرورة سيادة الدولة، وإعلاء دولة القانون والدستور، فهو لواء واحد تنضوى تحته وفى ظله سائر الألوية، أما أن تحمل أى جهة أو جماعة لواء فهذا خطر داهم لا يستقر معه بناء الدول، وعليه يجب الضرب بقوة وبيد من حديد على أيدى جميع الخارجين على القانون ودولة القانون. الأمر الآخر:هو التحذير من سوء عاقبة الاعتداء على المال العام وبيان أنه سحت ونار تحرق كل من تسول له نفسه الاعتداء عليه، حيث يقول الحق سبحانه:”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا “، ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم: “كُلُّ لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ”، وقوله: “وَإِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِى مَالِ اللهِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”. نريد لسيادة القانون أن تعم فى القضاء على الفوضى ،فشتان بين الدولة والفوضي، بل كل منهما نقيضان تامان، فالدولة تعنى النظام، والفوضى تعنى اللادولة، وبمقدار حدوث الفوضى ينقض كيان الدولة. وإذا كانت الدولة تعمل شأنها وبقوة فى إزالة التعديات فإن الأمر الأهم هو ما بعد إزالة هذه التعديات من قيام كل جهة بواجبها فى الحفاظ على أملاك الدولة المستردة, والعمل على حسن استثمارها، مع سن التشريعات اللازمة لتجريم الاعتداء على المال العام وتغليظ عقوبة هذا الاعتداء حتى يكون ثمة رادع قوى لكل من تسول له نفسه الاعتداء على المال العام, وكذلك من يسهل الاعتداء عليه بأى صورة من الصور أو يتواطأ مع المعتدين عليه بأى شكل من الأشكال. وإلى جانب القانون ودولة القانون فهناك جانب هام لا يمكن لعاقل أن يغفل عنه, وهو القانون الإلهى فى سوء عاقبة المعتدين. وإذا كان من أهم ما نستفيده من حكم الصيام حسن المراقبة لله عز وجل, وتحقيق التقوى التى أرادها كحكمة من حكم هذا الشهر الكريم وغاية من غاياته فعلينا أن نحقق ذلك فى كل جوانب حياتنا لا فى مجرد الامتناع عن شهوتى البطن والفرج من الفجر إلى المغرب, تحقيقًا لقول الحق سبحانه:”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”, وحذرًا مما حذرنا منه فى قوله: “وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِى رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء”. لمزيد من مقالات د. محمد مختار جمعة