نلاحظ فى إعلانات شاشات الفضائيات فى شهر رمضان الكريم والخاصة بجمع التبرعات بما فيها من صدقات وزكاة من أجل إقامة المستشفيات ومشاريع أخرى غياب وإهدار العامل الإنسانى وكرامة وآدمية الأطفال والكبار على حد سواء فإعلانات علاج سرطان الأطفال مع عرض نماذج حية من المرضى هو بكل المقاييس إغتيال معنوى لفلذات أكبادنا وصورة كئيبة لاستدرار العطف وكأنها حالة من التسول على حساب الحالة النفسية لهؤلاء الذين ابتلاهم الله بهذا المرض ويحتاج الأمر إلى مراجعة المسئولين وتعديل شكل الإعلان ليكون فى صورة أكثر احتراما وأكثر واقعية دون ظهور حالات حقيقية وبلا إساءة لمشاعر المرضى وأسرهم، وأعتقد أن تعمد تصوير المرضى من الأطفال لن يزيد إيرادات الإعلان بقدر ما يعمق الشعور بالألم والحسرة بسبب إقتحام خصوصياتهم وإفشاء أسرار حالاتهم المرضية وكل ذلك يخالف قانون حقوق المرضى وأسرهم. وفى السياق نفسه نجد إعلانات تبرعات مالية لسيدات من كبار السن يعيشون تحت خط الفقر فى مشهد مُهين فيه إذلال لكرامتهم فى منازل هى أقرب إلى العشش المهجورة حيث المياه الملوثة والملابس الرثة المهلهلة وكل ألوان القاذورات والإهمال، فهل يليق ببنى الإنسان كل هذه الفضائح المعلنة والتى يتم بثها عبر الفضائيات إلى الدنيا كلها تحت مسمى جمع التبرعات والتسول من أجل لقمة العيش والحياة الكريمة. أننى لا أطالب فقط بوقف هذه الصورة الفجة للآدمية لجمع التبرعات ولكنى أطالب أيضا بترشيد هذه الإعلانات ووضعها تحت الدراسة النفسية والاجتماعية والإعلامية قبل عرضها على الشاشات الصغيرة. ومما يدعو إلى التساؤل أيضا، كيف يستقيم عرض مثل هذه الإعلانات التى تدل على الفقر والعوز والحاجة وسوء العيش فى أحلك الظروف مع نماذج دعائية أخرى على النقيض تماما تظهر فيها كل ألوان الفخامة والثراء فى منتجعات سياحية وفيلات وقصور فى تجمعات سكنية مغلقة (كومباوندات) أسعارها بالملايين.. إن هذا التناقض الذى يهل علينا كل عدة دقائق يدل على أن هناك شيئا من الانفصام وعدم التصديق لما نعيش فيه من تخبط وخروج عن مبدأ مراعاة مشاعر الناس وكرامتهم حفاظا على تماسك النسيج الاجتماعى واستقرار الوطن. د. يسرى عبد المحسن أستاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة