زينب هاشم ما نشاهده على شاشة التليفزيون من إعلانات التبرع لمستشفيات ومعاهد وجمعيات خيرية، أصبح كثيرا بدرجة غير متوقعة، وفى كل عام يزيد عددها يجعلنا نتساءل: ما هذا الكم الهائل من المرضى فى تلك المستشفيات؟ وما هذا الكم من الإعلان عنها والتى تضع المشاهد تحت تأثير ضغط نفسى وإحساس كبير بالمسئولية تجاهها؟ وبعدها يختتم الإعلان عن كل مستشفى بجملة "اتبرع على حساب رقم....." حتى تاه المشاهدون بين أرقام الحسابات من كثرتها، وجميعها يستغل شهر رمضان لجمع أكبر قدر من التبرعات فى شهر رمضان.. ولسنا ضد انتهاز الشهر الكريم لجمع التبرعات، ولكننا ضد أن يتحول التليفزيون إلى منبر كبير للتسول فى هذا الشهر، كما يجب أن يكون هناك رقم موحد لجمع هذه التبرعات، وجهة واحدة تتولى الإشراف على تلك المشروعات وتصدر بيانًا بما يتم من إنجاز فى هذا المجال الخيرى. تحت تأثير هذه الإعلانات، يمسك المواطن البسيط بورقة وقلم وقد كتب عليها رقم حساب مستشفى أو جمعية أو معهد، وبعد أن يحسب ما تبقى معه من أموال لا تكفيه لآخر الشهر، يقوم فى صباح اليوم التالى ممسكا بالورقة المدون عليها رقم الحساب، متجها - ربما - لأول مرة فى حياته إلى البنك، ليتبرع بما يستطيع، فى هذا الشهر الكريم الذى يوجب عليه أن يتصدق ويخرج آخر جنيه فى جيبه لوجه الله طالبا الرحمة والمغفرة ومساعدة المرضى.. إنها إعلانات "السطو على جيوب المواطنين بمشاهد المرضى والفقراء" كما يطلق عليها المحامى سمير صبرى الذى أقام دعوى قضائية تطالب بوقف عرض هذه الإعلانات، التى يتفنن أغلبها فى إثارة العاطفة لدى المشاهدين بمشاهد المرض والبؤس والفقر، وبعضها يأتى بشكل لائق وحقيقى ومحترم يراعى النواحى النفسية والإنسانية للمريض، ويراعى كل القواعد والأصول الفنية للإعلان الهادف الذى يأتى بثماره لصالح المريض وتحقيق الهدف من التبرع دون أن يسىء له. لكن للأسف هناك إعلانات تحمل إساءة بالغة للمقصود التبرع لهم أو للمريض ويروج لمصر فى الخارج بشكل سيئ، حيث تظهر المجتمع المصرى أنه فى أشد الحاجة إلى الطعام والمأكل والملبس.
ثقافة التسول وماذا عن المبالغ الطائلة التى يتم إنفاقها على تلك الإعلانات وقد يمكن استخدامها فى أعمال الخير بدلا من أن توجهها إلى حملة إعلانية ضخمة؟ سؤال يطرح المحامى سمير صبرى، مضيفا، أن هذه الإعلانات تعتبر وسيلة تنشر فى المجتمع ثقافة التسول والإعانة والاعتماد على الغير، خصوصا أن عمل الخير لا يجب أن يرتبط بالألم، وغير مقبول إنسانيا استخدام الأطفال والمرضى فى إعلانات الحصول على التبرعات، لأن الأمر يمثل انتهاكاً لخصوصية وحرمات البشر، بما تحويه تلك الإعلانات من مشاهد قاسية جدا للمرضى والمحتاجين، خصوصا أن استخدام الأطفال تحديدا فى هذه الإعلانات يعتبر ضد حقوق الطفل المتعارف عليها، وفى حالة الحصول على موافقة أهل الأطفال المرضى فى ظهورهم بالإعلانات فهى تعتبر موافقة تحت قهر وضغط ويتم فيها استغلال حالة الطفل.
مسئولية الدولة لكن الدكتور أحمد عبد الله أستاذ الطب النفسى بجامعة الزقازيق، يرى أن هذه القضية مرتبطة بأننا كمجتمع بداخله كثير من الأمور المعلقة دائما والتى لا نطرقها ولا نتكلم فيها، ومنها نقاط كثيرة يكون لها تأثير كبير على المريض، ولا أحد يسأل على عاتق من تقع مسئولية مثل هذه المشاهد. ومن هنا تطرح القضية تساؤلات عدة أولها هل نحن نعيش بالفعل فى مجتمع تكافلى وهذه الإعلانات على سبيل التذكرة، وقد تساعد هذه الإعلانات فى حل مشكلة وأزمة المريض نفسه؟ أم أن هؤلاء المرضى وإن صح القول يصبحون مسئولية الدولة، وهى التى تتنصل من علاجهم ومسئوليتهم، فتمارس عليهم "عملية الشحاتة" لذلك من الوارد ألا نتحدث عن مثل هذه الإعلانات لأنها أحيانا تكون إعلانات تضامنية ويتم عرضها من باب التذكير على حسب الموضوع الذى يطرح، ونحن نتضامن مع المرضى لأن من حقهم على الدولة أن تعالجهم، وبالتالى فى هذه الحالة لا يمكن أن يندرج الإعلان تحت بند "الشحاتة".
أسلوب سييء بينما يرى الدكتور رفعت عبدالباسط أستاذ علم الاجتماع بجامعة حلوان أن هذه النوعية من الإعلانات تعمل بأسلوب سيىء، فنجد فى شهر رمضان، الأيتام هم الأكثر ظهورًا فى الإعلانات على الشاشات، ويتم صرف مبالغ كبيرة جدًا عليها لجمع التبرعات، فى حين أنه لو تم صرف هذه المبالغ على المرضى بدلا من تقديم الإعلانات لكانت أنفع وأفيد لهم، لكن المسئولين عن هذه الجهات يستغلون ضعف الشعب المصرى أمام الوازع الدينى والأخلاقى، فنجد الناس تقدم بكثرة على التبرع، وهذا شىء جميل، لكن لابد من الوقوف ضد الإعلانات التى توجه إساءة للمرضى، وخصوصا، التى لا تتفق مع ظروف المواطنين النفسية، وأن يتم فرض غرامة على مثل هذه الإعلانات وأن نكتفى بما يتم تقديمه من خلال البنوك والمعونات الأخرى.
حماية المستهلك وتعلق سعاد الديب رئيس جمعية حماية المستهلك علي هذه الظاهرة قائلة: هذه الإعلانات تعد كارثة حقيقية بكل المقاييس، وبها يتعرض هؤلاء المرضي للإهانة، مما يدل علي التدني الأخلاقي لكل المشاركين في هذه العملية الإعلانية المسيئة للمرضي والمرض، ولكل القنوات التي تشارك بها، وهي أيضا مخالفة لقانون حماية المستهلك بمادته رقم 67 لسنة 2006. وتضيف سعاد: نحن من جانبنا كجمعية حماية المستهلك سنطالب بأن يتم إضافة مادة للدستور تحذر مثل هذه الجهات والجمعيات بتقديم مثل هذه الإعلانات، لأنه ليس من المنطقي أن يكون هؤلاء المرضي عرضة للقهر النفسي بهذا الشكل، وأيًا كانت الأهداف والدوافع وإن كان المقصود بها في المقام الأول الإتجار بهموم وأعباء المرضي النفسية. أما الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز فيقول: بشكل عام تتزايد أعداد الإعلانات فى شهر رمضان لتصبح من أهم سلبيات التليفزيون في الشهر المبارك، ويدل ذلك علي تغليب الجانب الإقتصاد بهدف الربح، وهذا فيه استغلال لمشاعر المشاهدين . وهذه الجهات الإعلانية هدفها الربح وليس أكثر من ذلك.