وصلنا إلى المدينة الغامضة، أو هكذا بدت لى تحمل الكثير من الأسرار و الألغاز التى قررت أن أحاول فك شفرتها، خلال مدة الإقامة القصيرة فى المدينة الإفريقية الممتدة غربا على شاطىء الأطلنطي. فقد حملت أمتعتى و فضولى الصحفى فى رحلة سفر طويلة لغرب أفريقيا بدعوة من الكاتب محمد سلماوي، أمين عام اتحاد كتاب إفريقيا و آسيا وامريكا اللاتينية لتغطية فعاليات اللقاء السنوى بين دول القارات الثلاث والذى تقرر عقده هذه المرة فى داكار. وخلال أيام الرحلة ولقاء الأدباء و المثقفين القادمين من جهات ومسافات ودول مختلفة فى دعوة للحوار و السلام والتوافق بين الشعوب ومناقشة طرق مكافحة الارهاب والتطرف، والتى تزامنت مع احتفالات يوم افريقيا..بدأت فى اكتشاف المدينة التى تتمتع بسحر خاص و عدد من المعالم الأفريقية وأيضا الاستعمارية..وكذلك قدر لا بأس به من التناقضات. شواطئ دافئة ورمال ناعمة فى العاصمة السنغالية التى تحتل موقع جذاب كشبه جزيرة على حدود القارة الغربية، وتعتبر مركزا اقتصاديا و مدينة للمؤتمرات، مدينة تحمل من ملامح الفقر وعشوائية البناء الكثير لكنها أيضا فى أحيائها الراقية وفنادقها الفارهة و مناطق السفارات وتجمع الجاليات الأجنبية، تتمتع بطلة أوروبية فارهة على شاطئ المحيط. تستقبلك أسواقها الشعبية التقليدية وتجد أيضا غايتك فى متاجرها الفاخرة. شاهدنا جامع داكار الكبير «المغربي» الاهداء والمعمار..ومحطة السكة الحديد التى انشأها المستعمر..وأشجار الباوباو الشهيرة بعصيرها و ثمارها والتى تعد رمزا للبلاد.. زرنا بيت شاعرهم الشهير صاحب نوبل ، ورئيس السنغال سانجور. ومزار وتمثال النهضة الإفريقية الضخم الذى يرمز لاسرة مكونة من رجل وامرأة يحملان طفلا و يتطلعان الى المستقبل و الحرية. يحمل المزار فى داخله معرضا يبوح بأسرار و حكايات عن زعماء حركات التحرر فى العالم من غاندى و مانديلا و ناصر و بوتفليقة وكاسترووسنجور ونكروما. ومن مزار النهضة إلى جزيرة «جوريه»، أو بوابة الجحيم كما يطلقون عليها، حيث سجن الرقيق و سوقهم قبل نقلهم بلا عودة إلى الولاياتالمتحدة و دول الاستعمارو الاستعباد والاستنزاف. رحلة فى قلب التاريخ تعكس مدى معاناة الشعوب وتؤكد أنه لا سبيل لنيل الحرية والاستقلال الا بالنضال و الكفاح تحت راية قادة يعشقون أوطانهم ويؤمنون بقضاياها العادلة و يحاربون من أجل الحقوق العادلة لبنى أوطانهم. لتصبح اليوم جوريه مزارا و معلما سياحيا و تمثال النهضة ومتحف رواد حركات التحرر عنوانا للحرية ومستقبل أفضل فى دولة تفاخر بأنها منذ استقلالها عام 1960 لم يعتقل ولم يتم ملاحقة أى كاتب فيها بسبب كتاباته، وهو ما يسعى إليه اتحاد كتاب إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، كما قال سلماوى، باعتبار حرية الفكر و التعبير أهم أهدافه. وفى لقاء اعضائه بداكار تحت رعاية الرئيس السنغالى ماكى سال وبحضور وزير الثقافة مباجنك نداي، عكست المناقشات قضايا وهموم دول العالم الثالث فى مواجهة هيمنة الدول الكبري. وأكد اعلان داكار الختامى بيانا مشتركا للمثقفين يتبنى القضايا الانسانية العادلة ويؤكد على دورهم فى التصدى للارهاب و الكراهية فى العالم. و يدعو إلى نشر ثقافة السلام بما يحقق العدالة لشعوب العالم. كما أكد على احترام الخصوصيات الثقافية فى مواجهة دعاوى العولمة، وعلى حرية النشر واحترام المرأة وحفظ كرامتها. واتفق المجتمعون على التضامن مع اضراب الاسرى الفلسطينيين فى السجون الاسرائيلية فى معركة الحرية و الكرامة ومقاومة الاحتلال الصهيوني، و على التصدى للارهاب و التطرف فى العالم وما أوجده من حروب و الدعوة للتصدى للأيادى المحركة ومصادر تمويلها الخفية و المعلنة. وأدانوا فى لقائهم، عمليات التدمير التى تستهدف التراث الانسانى كما يحدث فى افغانستان، وباكستان، وسوريا و العراق ويستهدف تغيير الهوية الثقافية و الدينية. ولم يغفل البيان توجيه الشكر لمصر لتصديها حكومة و شعبا لخطر الجماعات المتطرفة. ووافق أعضاء الاتحاد على اقتراح فيتنام باحياء جائزة لوتس، على أن تمنح كل 3 سنوات لكاتب كبير من احدى القارات الثلاث، وكذلك على اقامة مهرجان شعر سنوى بناء على اقتراح مقدم من رئيس اتحاد السنغال. ليصل الاجتماع لنهايته على وعد بلقاء آخر فى يناير المقبل بالمغرب بعد أن زاد عدد أعضاء الاتحاد إلى 42 دولة وهم الجابون ومالى والكاميرون. ونعود نحن لنلتقى مع الشعب الفخور بالتحرر فى منطقة وصول الصيادين على شاطئ الأمل فى داكار. لتبدأ رحلة رسو المراكب وبيع حصيلة اليوم من الأسماك فى حلقة كبيرة يرتادها السكان من كل صوب. مظاهر حياة وسعى للرزق، وتعايش، يتمنى الجميع أن يستمر فى سلام وأمان ومستقبل افضل. ويكبر الحلم وينمو ليعبر عنه د. حلمى الحديدي، رئيس منظمة تضامن الشعوب الإفريقية والآسيوية فى المؤتمر قائلا إنه يتمنى تكوين «ولايات متحدة افريقية»، بلغة مشتركة ومزيد من الروابط بين شعوبها.