لم تكن مصر أول دولة فى العالم تتخذ قرارا بحجب أو مراقبة وسائل إعلامية، بل سبقتها فى هذا المجال دول أخرى عديدة، غالبا لدواعى الأمن القومي. وجاء قرار مصر الأخير بحجب 21 موقعا إلكترونيا تخصصت فى بث المحتوى الداعم للإرهاب والتطرف بمثابة بداية، وإجراء تأخر كثيرا، فى سبيل الحفاظ على الأمن القومى المصرى من هجمات المنصات الإعلامية الدعائية التى تتخذ من السياسة غطاء لها، وهى فى كل الأحوال تخدم مصالح وأهداف الجماعات الإرهابية والتنظيمات المتطرفة. ومن بين المواقع التى حجبتها مصر أخيرا، وكالة الأنباء القطرية، و «الجزيرة نت»، وصحيفة الوطن القطرية، وصحيفة «العرب» القطرية، فى حين قامت كل من السعودية والإمارات والبحرين أيضا بحجب مواقع قطرية فى ضوء الأزمة الأخيرة التى سببتها تصريحات الشيخ تميم بن حمد آل ثانى أمير دولة قطر. وعلى الرغم من أن بعض وسائل الإعلام الغربية وبعض المنظمات التى تخصصت فى الدفاع عن الجماعات الإرهابية ستبدأ خلال الساعات المقبلة، أو بدأت بالفعل، حملة بهدف الحديث عن أهمية شبكات التواصل الاجتماعي، وعلاقة ذلك بحرية التعبير، والحق فى تداول المعلومات، فإن القرار الذى اتخذته مصر يأتى تطبيقا لكافة القرارات الدولية التى تحث على عدم توفير منصات الدعاية للتنظيمات المتطرفة والإرهابية لوقف انتشار ظاهرة تجنيد مقاتلين لهذه الجماعات أو إيجاد المبررات والدوافع لجرائمها، أو ربطها بالسياسة. كما أن قيام الدول بحجب مواقع إلكترونية أو وسائل إعلامية يعد حقا أصيلا تكفله لها القوانين الدولية والوطنية، حيث تعتبر رقابة الدولة على شبكات التواصل الاجتماعى حقا مشروعا قانونيا، وفيما يلى عرض لتجارب بعض الدول مع موضوع الحظر والرقابة على الإنترنت للأسباب المختلفة : ففى الاتحاد الأوروبي، كانت مراقبة مواقع الإنترنت من أول الإجراءات التى اتخذها الاتحاد الأوروبى لمكافحة الإرهاب وتعزيز الرقابة الوثيقة فى الحدود الخارجية ورصد مواقع الإنترنت التى تروج للعنف المنظم. واعترف الاتحاد الأوروبى أنه بعد هجمات باريس الإرهابية الأخيرة، أصبحت هناك ضرورة ملحة لاتخاذ قرارات ملموسة لحماية حدود الاتحاد الأوروبى وتعزيز الإجراءات الأمنية من خلال تنشيط إجراءات مراقبة الإنترنت، فتم حجب مواقع تستخدم فى تجنيد الشبان فى أوروبا عبر الإنترنت للقتال فى صفوف الجماعات الإرهابية فى سوريا. وفى فرنسا، أصدرت الحكومة الفرنسية فى مارس 2015 مرسوما يسمح بإزالة المواقع من محركات البحث من دون أى رقابة قضائية، ويستهدف المرسوم المواقع التى توزع محتوى إساءة معاملة الأطفال، فضلا عن المواقع التى تحرض على الإرهاب أو تؤيده، ولا يأتى هذا إلا بعد شهر من صدور مرسوم آخر يسمح بالإعاقة الإدارية لمواقع النت، ويسمح المرسوم بحجب المواقع التى تحرض على الإرهاب، وكذلك المواقع التى تؤيد الإرهاب، ويشمل المرسوم أيضا جميع البلاغات التى تعرض أعمالا إرهابية أو مرتكبيها أو تسعى إلى تبرير هذه الأعمال. وفى بريطانيا، التى تعرضت قبل أيام لهجوم إرهابى كبير فى مانشستر، تجرى السلطات أعمال تجسس بطريقة «رسمية»، حيث عرضت بالفعل عدة قوانين للمراقبة والتجسس، وتمت الموافقة على بعضها لتكون المراقبة رسمية، وبدأ الأمر رسميا عام 2009 بمراقبة الاتصالات ورسائل البريد الإلكترونى من وكالة المخابرات البريطانية، واستخدمت فى بداية التجسس برنامجا سريا أنفقت عليه مليار دولار يتكون من آلاف الصناديق السوداء التى تخزن جميع أنشطة مستخدمى الإنترنت! أما فى ألمانيا، فقد حجبت السلطات موقعا يمينيا متطرفا، بحسب تعبيرها، لنشره محتوى عنصريا يتضمن كراهية الأجانب ومعادة السامية ومعاداة الإسلام، وفى الولاياتالمتحدة، تستخدم الحكومة برنامجا سريا يدعى «إكس كى سكور» X Key Score، وهو من تطوير المخابرات الأمريكية، وهو ما كشف عنه إدوارد سنودن الموظف السابق فى وكالة الأمن القومى الأمريكية، وهو برنامج يمكن المخابرات من معرفة كل ما يقوم به المستخدم عبر الإنترنت، مع تحليل قوى للرسائل ومواقع التواصل، وحتى التصفح، وهذا التطبيق موزع على خوادم «سيرفرز» red Hat، وأيضا يستخدم خادم الإنترنت «أباتش» Apache، ويحفظ البيانات التى يجمعها فى قاعدة بيانات MySQL.