في ظل حوادث الاعتداء والجرائم التي ترتكب باسم الدين تحت دعوي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وما قد تسببه تلك التصرفات الفردية من فوضي وبلبلة بالمجتمع وإساءة بالغة إلي الدين الإسلامي. حدد علماء الأزهر وأعضاء هيئة كبار العلماء عددا من الضوابط الشرعية والقانونية والفقهية لابد من مراعاتها. ولخصها الدكتور القصبي زلط عضو مجمع البحوث الإسلامية في القدرة التي تعني القوة البدنية, فإن كان الشخص ضعيفا لا يستطيع أن يزيل المنكر بيده أو علم من يريد تغيير المنكر أنه سيلحقه مكروه من وراء هذا التغيير سقط الوجوب, وألا يؤدي تغيير المنكر إلي منكر أشد منه, مثل قتله, أو قتل غيره بسببه, فإذا علم من يريد التغيير أن تغييره سيؤدي إلي ذلك سقط الوجوب, وعليه أن يغير بلسانه وإذا علم أن تغييره باللسان يؤدي إلي هذا انتقل إلي التغيير بالقلب, فمثلا إذا رأي أحد رجلا يسب رجلا آخر, وعلم أنه لو نهاه وأنكر عليه بلسانه, فإنه يعاند ويعتدي علي من يسبه بالضرب, فإنه في تلك الحالة يغير بقلبه. ويروي أن ابن تيمية مر هو وبعض أصحابه علي نفر من التتار يشربون الخمر, فأنكر عليهم أصحاب ابن تيمية شرب الخمر, ولكن ابن تيمية أنكر علي أصحابه قولهم فقال لهم: إنما حرم الله الخمر, لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة, وهؤلاء تصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية وأخذ الأموال, فدعوهم وخمرهم. وأوضح القصبي أن ثالث تلك الضوابط هو ألا يؤدي تغيير المنكر باليد إلي حدوث فتنة أو نشوب معركة, فإذا علم من يريد التغيير أن تغييره بيده سيؤدي إلي ذلك سقط الوجوب, فقد يحدث مثلا أن يأتي من يريد التغيير إلي مرتكب المنكر, ويحاول أن يغير منكره بيده فيمسك بملابسه ويتشاجر معه, وينضم إلي كل واحد فئة من الناس فيقتتل الفريقان ويشهران السلاح, ففي تلك الحالة يسقط الوجوب وفي هذين الشرطين..يقول القاضي عياض:( فإن غلب علي ظنه أن تغييره بيده يسبب منكرا أشد منه من قتله, أو قتل غيره بسببه كف يده, واقتصر علي القول باللسان والوعظ والتخويف, فإن خاف أن يسبب قوله مثل ذلك, غير بقلبه, وكان في سعة, وهذا هو المراد بالحديث, وإن وجد من يستعين به علي ذلك استعان, ما لم يؤد ذلك إلي إظهار سلاح وحرب, وليرفع ذلك إلي من له الأمر, يعني الحاكم, أو يقتصر علي تغيير المنكر بقلبه. وأشار القصبي إلي أن كثيرا من الفقهاء يمنعون تغيير المنكر بالسلاح والقتال أو حتي بالضرب عامة لأنه يؤدي إلي حدوث فتنة, سواء أكان ذلك بين أفراد أو جماعات..يقول ابن العربي:(.. فإن لم يقدر إلا بمقاتلة وسلاح فليتركه فذلك إنما هو إلي السلطان, لأن شهر السلاح بين الناس قد يكون مخرجا إلي الفتنة, وآيلا إلي الفساد أكثر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, إلا أن يقوي المنكر, مثل أن يري عدوا.. ويتحقق أنه لو تركه قتله.. فليخرج السلاح). وأكد القصبي أن تغيير المنكر باليد إذا كان سيؤدي إلي وقوع منكر أكبر, أو كان سيؤدي إلي حدوث فتنة ترك, وأن من يريد تغيير المنكر لا يحق له أن يستعمل القسوة, أو الضرب أو القتال فإن ذلك يؤدي إلي حدوث فتنة, سواء أكان ذلك بين أفراد أو جماعات, كما لا يحق له أن يستعين بغيره في إزالة المنكر, فذلك أيضا يؤدي إلي حدوث فتنة. ولذلك قرر العلماء مشروعية السكوت علي المنكر, مخافة ما هو أنكر منه وأعظم ارتكابا لأخف الضررين, واحتمالا لأهون الشرين. وفي هذا جاء الحديث الصحيح أن النبي قال لعائشة: لولا أن قومك حديثو عهد بشرك, لبنيت الكعبة علي قواعد إبراهيم أي لنقضها وأعاد بناءها من جديد, حتي يدخل فيها ما ترك منها, حين بنتها قريش, فقصرت بها النفقة, وفي قصة موسي مع بني إسرائيل, حين ذهب إلي موعده مع ربه, الذي بلغ أربعين ليلة, وفي هذه الغيبة فتنهم السامري بعجله الذهبي, حتي عبده القوم, ونصحهم أخوه هارون, فلم ينتصحوا, ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري. قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتي يرجع إلينا موسي وبعد رجوع موسي ورؤيته هذا المنكر البشع عبادة العجل اشتد علي أخيه قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا. ألا تتبعن أفعصيت أمري. قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي ومعني هذا: أن هارون سكت مؤقتا علي هذا المنكر الكبير, بل الأكبر, وقدم الحفاظ علي وحدة الجماعة في غيبة أخيه الأكبر, حتي يحضر, ويتفاهما معا كيف يواجهان الموقف الخطير بما يتطلبه من حزم وحكمة. وهنا يثور تساؤل: متي يجوز تغيير المنكر بالسلاح وقتل مرتكب المنكر؟ يجيب الدكتور محمد رأفت عثمان عضو مجمع البحوث الإسلامية قائلا: لا يجوز استعمال السلاح والقتال في تغيير المنكر باليد, إلا في حالات الدفاع عن النفس, أو العرض, أو المال, من قطاع الطرق واللصوص والمجرمين ومختطفي النساء وأشباههم, بشرط أن لا يمكن دفعهم عما شرعوا فيه من جريمة إلا باستعمال السلاح, فإذا أمكن دفعهم بغير استعمال السلاح كالاستغاثة بجمهور الناس, أو منعهم بالقوة البدنية بدون اللجوء إلي السلاح, فلا يجوز في هذه الحال استعمال السلاح كما يجب أن يلاحظ أن استعمال السلاح عند الضرورة الملجئة إلي هذا مشروع سواء أكان في الدفاع عن نفس المعتدي بما في نفسه أو عرضه أو ماله, أو كان الدفاع عن نفس غيره أو عرضه أو ماله, كما يجب إذا استدعي الأمر استعمال السلاح أن يكون استعماله بالقدر المعوق للمجرم عن ارتكاب جريمته, فإذا كانت إصابته في رجله أو يده كافية في زجره وجب ألا يزاد عن ذلك. وهذا مما هو داخل في نطاق تعاون الشعب مع رجال الأمن في العمل علي توفير الأمن للأنفس والأعراض والأموال لكل فرد من أفراد الدولة, وهو في الوقت نفسه إعانة للحاكم المسلم علي أداء ما هو مطلوب منه.