لعل ما يدفع الباحث إلى الاهتمام بمقوله "تجديد الخطاب الديني " ليس من واقع اللهاث وراء تصدره للخطاب السياسي و قد سبقت اليه أبواق إعلامية متنوعة الوسائط مطبوعة و شفهية و مرئية و لكن الدافع هو حالة الالتباس التي تنبعث من العلاقة بين الخطاب السياسي والخطابات الأخرى الموازية التي تجعل تناول الخطاب الاعلامى لمعطيات الخطاب السياسي والتي تجسدت في «تجديد الخطاب الديني» بمنزلة الدق على الطبول دون ترو أو حتى محاولة الفهم لمعنى "تجديد الخطاب الديني" فنجد أن تعاطى الخطاب الإعلامى بأشكاله المتنوعة مع تجديد الخطاب الديني جاء بشكل مخل ومتأرجح بين حالتين من الاستقطاب دون محاولة للفهم أو الهضم فكانت الإساءة لمقولة تجديد الخطاب الدينى فنجد أن البعض غالى في تصوره الإعلامى للتجديد باعتباره العصف بثوابت الديانة مما يشعل نار الفتن النائمة وكأن تجديد الخطاب وفقا للتصور الإعلامى جهلا هو خلق حالة من التطابق بين الأديان نافيا ان ذلك يتنافى مع بديهيات ان الله سبحانه و تعالى ورسله جميعهم عليهم السلام يستكملون رسالة السماء بمرام إلهية هي التوحيد و الإيمان بالرسل ومكارم الأخلاق، وهناك من تجاوز ذلك الى تفاصيل العقائد وربما نجد من يتجاوز ذلك قريبا,الى الفرائض و العبادات مما يلغى التباينات بين تلك الاديان وكأننا بشأن نسخ دين جديد , و هو ما لا يقبله العقل و لا المنطق و لا الإيمان وخطورة ذلك هى وصم المختلف بالكافر و هذا هو بيت القصيد،رغم أن لفظ "كافر" لغة لا تعنى سوى الإنكار إلا أن الإعلام استغل جيدا ما تحويه اللفظة المفعمة لاشعوريا لأحكام العاطفة و القيمة السلبية في الوعي الشعبي . وأسس بذلك لفكره أن اختلاف المعتقد والفكر الذى هو فضيلة، وحق إنسانى أصبح كفرا بما تحمله اللفظة من احكام مسبقة، رغم ان اختلاف العقائد في الديانات الكبرى اختلاف طبيعي و إلا ما كانت هناك ديانات مختلفة و أن إنكار المؤمن للثابت فى اى دين آخر لا يشينه بل يتفق مع حقه و حقوق الآخر في الإيمان . و من هنا كانت احدى معالجات الخطاب الإعلامى على سبيل المثال لا الحصرالتي نجحت في اصطياد احد شيوخ الأزهر وأشعلت نارا للفتنة كانت مصر فى غنى عنها . وهوما لايتفق يقينا مع أطروحة تجديد الخطاب الدينى، التى أتصور ان هدفها الأساسى هو الاجتهاد، ومحاولة فهم صحيح الدين لمستجدات الفكرو الواقع الذى نعيشه بما يحويه من تطور علمى وتقنى أصبح يشكل جزءا أصيلا من سلوكنا اليومى، ويفتح آفاقا جديدة للاجتهاد تتجاوز الفقه التقليدى القارئ للظواهرالتاريخية، الى فقه يناقش قضايانا الفكرية والحياتية المعاشة. مثل هذه المعالجات ترسخ حالة الاستقطاب الفكرى فى المجتمع ،ونفى وسحل الآخر والتى تمثل بدورها البيئة الحاضنة لإعلام الهدم إن جاز التعبير بما يحمله من رؤى تجارية واحادية التوجه تقوم على تغذية الصراع لجذب المتلقى و الموارد الاعلانية، فلاتثرى نقاشا محدد الأطار بالإنسانى والوطنى ولكنها تحدث ضجيجا، لجلب المزيد من الموارد المالية، وتكرس حالة الاحتقان المذهبى والاجتماعى, مما يهدد الاستقرار الاجتماعى و يضرب بمصالح الوطن عرض الحائط، ليصبح الإعلام بهذا الاداء أزمة حقيقية للوطن بدلا من ان يكون قاطرة للتنوير والتسامح و قبول الآخر. المؤلم ان الإعلام البديل او وسائل التواصل الاجتماعي جاء خطابها أكثر نضجا ووعيا من منظومة الإعلام إذ ظهرت مقولات فى الديانتين الاسلام والمسيحية لاتنكر ايمانها بالله وبرسله عليهم الصلاة والسلام الا أنها تبرزالكثير من تباينات الديانتين دونما الوقوع فى فخ نفى وتجريس الآخر، فى ممارسة جاءت أكثر نضجا وايجابية من ممارسة الإعلام النظامى ان جاز التعبير، وتكشف عن أصالة وعمق وثراء الثقافة المصرية التى تعلى قيم التسامح وقبول الآخر، وتكشف مدى وهن اداء الإعلام النظامى وانفصاله عن الرأى العام، وروح الثقافة المصرية. مما يكشف عن ان الازمة اكبر من تجديد الخطاب الديني الى ضرورة احداث ثورة ثقافيه يكون الاعلام بوسائطه المتعددة قاطرتها الأساسية تحترم حقوق الانسان وتعلى قيم الحق في الاختلاف و قبول الآخر في مقابل ثقافة نفى الاخر ويحرر "الدين" من اختزاله فى مجرد طقوس تأدية الصلوات وارتياد المساجد والكنائس والمعابد الى قيم روحية وأنسانية تحترم الحق فى الحياة وحرية المعتقد وحرية الفكر. وتترجم ذلك الى سلوك انسانى راق، يختلف دون قتل أو اقصاء و هو لب اى رسالة سماوية سواء فى القرآن او الإنجيل و يدفع ذلك بقوة إعلام يعلى من قيم المهنية للوصول إلى القواعد الجماهيرية الواسعة بالخطاب الذي يعنى و يغلب مسئولياته الوطنية والاجتماعية على حسابات الفرقعة الاعلامية لاجتذاب قراء و مشاهدين و اموال إعلانات و هو ما يتطلب جهدا من الوجوه المستنيرة فى الجماعة الاعلاميه فى مقابل جهد حكومى يؤمن برشد النخبة الاعلامية و قدرتها على ادارة العمل الاعلامى وفقا للمنطلقات الانسانية والوطنية. لمزيد من مقالات د. ياسر الأنصارى