«أبتاون 6 أكتوبر»: استثماراتنا تتجاوز 14 مليار جنيه وخطة لطرح 1200 وحدة سكنية    ارتفاع مفاجئ تجاوز 1400 جنيه.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الثلاثاء 20-5-2025    ارتفاع أسعار النفط بعد تعثر المحادثات النووية بين أمريكا وإيران    حماس ترحب ببيان بريطانيا وفرنسا وكندا وتطالب بترجمته لخطوات عملية تردع الاحتلال    جماعة الحوثي: فرض "حظر بحري" على ميناء حيفا الإسرائيلي    «تغير مفاجئ» .. الأرصاد تحذر من طقس اليوم: درجة الحرارة تنخفض ل 14 ليلًا    سعر الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 20-5-2025 مع بداية التعاملات    ترامب يتساءل عن سبب عدم اكتشاف إصابة بايدن بالسرطان في وقت مبكر    بعد ترشيح ميدو.. الزمالك يصرف النظر عن ضم نجم الأهلي السابق    الدولار ب49.99 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء 20-5-2025    «أكبر خطيئة وتستلزم الاستغفار».. سعد الهلالي عن وصف القرآن ب الدستور    شديدة العدوى.. البرازيل تُحقق في 6 بؤر تفش محتملة لإنفلونزا الطيور    فوائد البردقوش لصحة الطفل وتقوية المناعة والجهاز الهضمي    منذ فجر الاثنين.. 126 شهيدا حصيلة القصف الإسرائيلي على غزة    رابط جدول امتحانات الشهادة الإعدادية 2025 ب المحافظات الحدودية    أثبت أني حي لكن لم يعاملوني مثل عبد الرحمن أبو زهرة، وقف معاش الكاتب الصحفي محمد العزبي    بينهم أم وأبنائها الستة.. استشهاد 12 فلسطيني في قصف إسرائيلي على غزة    ماذا تفعل المرأة في حال حدوث عذر شرعي أثناء أداء مناسك الحج؟    وزارة العمل تعلن توافر 5242 فُرص عمل في 8 محافظات    وزير الرياضة ومحافظ بورسعيد يجتمعان مع مجلس المصرى بعد استقالة كامل أبو على    "تيك توكر" شهيرة تتهم صانع محتوى بالاعتداء عليها فى الطالبية    إصابة طفلين واعتقال ثالث خلال اقتحام الاحتلال بيت لحم بالضفة الغربية    مدرب وادي دجلة السابق: الأهلي الأفضل في إفريقيا وشرف لي تدريب الزمالك    المحكمة العليا الأمريكية تؤيد قرار ترامب بشأن ترحيل 350 ألف مهاجر فنزويلي    5 أيام متواصلة.. موعد إجازة عيد الأضحى 2025 في مصر للموظفين والبنوك والمدارس    حريق مزرعة دواجن بالفيوم.. ونفوق 5000 كتكوت    محافظ كفرالشيخ: توريد 178 ألف طن من القمح وصرف مستحقات المزارعين بانتظام    مهرجان كان يعدل جدول أعماله بسبب دينزل واشنطن ويفاجئه بجائزة "السعفة الذهبية الفخرية" (فيديو)    التعليم تكشف عن سن التقديم لمرحلة رياض الأطفال والصف الأول الابتدائي    4 قرارات عاجلة من النيابة بشأن بلاغ سرقة فيلا نوال الدجوي    حبس شاب متهم بالشروع في قتل آخر بالعياط    عاجل| عرض خليجي خرافي لضم إمام عاشور.. وهكذا رد الأهلي    مشروعات عملاقة تنفذ على أرض أشمون.. تعرف عليها    تكريم طالبين بجامعة عين شمس لحصولهما على جائزة بمسابقة عمرانية    أحدها لم يحدث منذ 2004.. أرقام من خسارة ليفربول أمام برايتون    الإفتاء: لا يجوز ترك الصلاة تحت اي ظرف    فضل حج بيت الله الحرام وما هو الحج المبرور؟.. الأزهر للفتوى يوضح    صيام صلاح مرة أخرى.. ترتيب هدافي الدوري الإنجليزي الممتاز بعد خسارة ليفربول    أحمد دياب: إيقاف النشاط أمر غير وارد    محافظ القليوبية يتفقد أعمال تطوير مستشفى النيل ويشدد على سرعة الإنجاز (صور)    سيلان الأنف المزمن.. 5 أسباب علمية وراء المشكلة المزعجة وحلول فعالة للتخفيف    رئيس شعبة مواد البناء: لولا تدخل الحكومة لارتفع سعر طن الأسمنت إلى 5000 جنيه    «ليست النسخة النهائية».. أول تعليق من «الأعلى للإعلام» على إعلان الأهلي (فيديو)    إغلاق 7 منشآت طبية مخالفة و7 محال تجارية فى حملة بقنا    منافس الزمالك في ربع نهائي كأس الكؤوس الأفريقية لليد    أستاذ علاقات دولية: الاتفاق بين الهند وباكستان محفوف بالمخاطر    ما مصير إعلان اتصالات بعد شكوى الزمالك؟.. رئيس المجلس الأعلى للإعلام يوضح    سامي شاهين أمينا للحماية الاجتماعية بالجبهة الوطنية - (تفاصيل)    شعبة المواد الغذائية تكشف 4 أسباب لعدم انخفاض أسعار اللحوم مقارنة بالسلع التموينية (خاص)    جامعة حلوان تنظم ندوة التداخل البيني لمواجهة تحديات الحياة الأسرية    وفد قبطي من الكنيسة الأرثوذكسية يلتقي بابا الڤاتيكان الجديد    عليك إعادة تقييم أسلوبك.. برج الجدي اليوم 20 مايو    تامر أمين ينتقد وزير الثقافة لإغلاق 120 وحدة ثقافية: «ده إحنا في عرض مكتبة متر وكتاب»    حدث بالفن | حقيقة إصابة عبدالرحمن أبو زهرة ب "الزهايمر" وموعد حفل زفاف مسلم    موعد نقل القناع الذهبي لتوت عنخ آمون إلى المتحف المصري الكبير    سرعة الانتهاء من الأعمال.. محافظ القليوبية يتفقد أعمال تطوير مستشفى النيل    وزير العمل: قريباً توقيع اتفاقية توظيف للعمالة المصرية في صربيا    خالد الجندي: الحجاب لم يُفرض إلا لحماية المرأة وتكريمها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رؤى نقدية
مبادئ أولية لتجديد الفكر الدينى (1)
نشر في الأهرام اليومي يوم 05 - 05 - 2017

أعتقد أننا فى وقت ملائم تماما لمعاودة النظر فى قضية تجديد الخطاب الدينى، ليس بوصفها قضية حيوية بالغة الأهمية فى وجودنا الروحى وتطلعنا إلى الأمن والأمان فى مجتمع يرى التنمية هى المنفذ الوحيد لمستقبله، أو يستقبل بابا روما معلنا تسامحه الدينى،
أو لأننا نعيش فى وطن لا مستقبل له إلا باستعادة شعارات ثورة 1919 التى علمته أن «الدين لله والوطن للجميع»، كما علمه تطلعه إلى المستقبل أنه لا حياة له بدون وحدة حقيقية تجمع بين كل المواطنين حول هدف وطنى واحد، تلتف حوله كل سواعد الأمة لتحقيق أحلامها المشروعة فى الحرية والعدالة والتقدم فى كل مجال من مجالات الحياة. وأعتقد أن بداية التجديد الفعلى للفكر الإسلامى هى نقطة الابتداء التى لن تتحقق إلا إذا اتفقنا على مجموعة من المبادئ الأولية التى يمكن أن تكون منطلقا لحركة التجديد فى الخطاب والفكر الدينى على السواء.
والبداية هى العقلانية التى ترتبط بالتنوير بوصفه استراتيچية لتحرر الإنسان وتحريره على السواء. أعنى لتحرر الإنسان من أى وصاية داخلية أو قيد يعوق عقله عن الاجتهاد، أو يفرض عليه وصاية لا معنى لها ولا مبرر إلا التسلط على هذا العقل، وإعاقة حركته الخلاقة فى أن يصنع عالمه على عينه، محققا كل ما يعده بتجسيد أحلامه فى الوجود. وقد حدثنا الإمام محمد عبده عن النظر العقلى لتحصيل الإيمان بوصفه المبدأ الأول من مبادئ الإسلام، وأضيف إلى ذلك أن النظر العقلى لتحصيل الإيمان بالله ليس مبدأ من مبادئ الإيمان فى الإسلام فحسب، وإنما هو مبدأ من مبادئ تحرير الفكر الإنسانى؛ فالعقل هو حجة الله على الإنسان، وهو المرجع الإلهى الذى يستند إليه العدل الإلهى فى إثابة المخلوق أو عقابه، أو كما يقول المعتزلة لا معنى للثواب أو العقاب إلا إذا كان هناك عقل حر يعرف بذاته وفى ذاته الحَسَنَ فيقبل عليه، أو القبيح فينصرف عنه. وهذا هو معنى التحسين والتقبيح العقليين اللذين جعلهما رفاعة الطهطاوى ميزانه فى قبول ما قَبِلَ ورفض ما رفض من الحضارة المتقدمة التى رآها فى فرنسا، والتى بناء عليها استحسن الدستور لأنه رأى فيه ميزانا للعدل، وقَبِلَ مبدأ سفور المرأة لأنه رأى فيه فرعا من فروع المبدأ الذى يؤكد أن الإيمان ما وقر فى القلب وصدقه العمل. وليس تقدير العقل قيمة غريبة فى تراثنا الدينى، فلن نجد فى القرآن الكريم مفردات أكثر دلالة على أهمية العقل من استخدام كلمات، مثل التدبر والتفكر والتمعن والنظر والتأمل وغيرها من الكلمات التى تؤكد أن العقل هو أسمى ما خلقه الله فى الإنسان، وأنه النور الذى يستضىء به الإنسان فى وجوده، أولا لكى يدرك الحضور الذى لا لبس فيه لخالق هذا الوجود، وثانيا لكى يدرك المبادئ والقيم التى جعلها هذا الخالق قواعد للنجاة فى هذا الكون أو طرائق لتحقيق السعادة فى الحياة أو ما بعد الحياة. ولم يكن شاعرنا الفيلسوف أبو العلاء المعرى بعيدا عن هذه المعانى حين كتب قائلا:
كذب الظنُّ لا إمام سوى
العقل مشيرا فى صبحه والمساء
فإذا ما أطعته جلب الرحمة عند المسير والإرساء
إنما هذه المذاهب أسباب لجذب الدنيا إلى الرؤساء
هذا المبدأ الأول يلزم عنه المبدأ الثانى الذى نراه واضحا كل الوضوح فى كتابات أفضل العقول الإسلامية، وأكثرها تأسيسا لحضور مبادئ الحضارة العربية الإسلامية فى صعودها الذى لا نزال نتباهى به، أو فى ازدهارها الذى بنت عليه عقول غربية مجتهدة النهضة الأوروبية التى تدين- فيما تدين- لإنجاز الفكر الإسلامى فى أزهى عصوره التى تجمع ما بين عقول الكندى والفارابى وابن سينا وابن رشد، إلى جانب عقول أمثال: الجاحظ والنظام وأبى حيان التوحيدى وابن باجة وغيرهم من العقول التى ينبغى أن نتأسى بها فى الاجتهاد والتطلع إلى المستقبل وتأسيس أفكار التقدم وليس التخلف، والإيمان بالابتداع وليس الاتباع. ولا أعنى بذلك مخالفة المنقول، كما يصرخ دائما دعاة التقليد والاكتفاء بالنقل، وإنما أعنى تحليق الإنسان بأعظم جناحيه اللذين يجمعان ما بين اتباع النص الواضح الصريح مع الاجتهاد الذى يفتح أبواب الحياة والوجود على المستقبل الواعد الذى لا تتوقف إمكاناته الخلاقة عن الحضور. وأعنى بذلك المبدأ الخاص بالتأويل، وهو المبدأ الذى لخصه الإمام محمد عبده بقوله: «تقديم العقل على ظاهر الشرع عند التعارض». وإذا كان العقل يعنى استنباط الأحكام، معتمدا على المبادئ الكلية الثابتة للإسلام، فإن هذا المبدأ يعنى البحث لما يبدو متناقضا مع هذه المبادئ عن تأويل يعود بها إلى الاتساق مع المبادئ الكلية، أو بعبارة أخرى: فإنه إذا كان الاحتكام إلى الأصول هو المبدأ الحاكم فإن النظر إلى الفروع فى ضوء هذه الأصول، ومن ثم تأويل ما يبدو مخالفا لها هو أمر لا يقل أهمية عن الإيمان بالنظر العقلى لتحصيل الإيمان، وهو مبدأ لا معنى له على الإطلاق بعيدا عن الاجتهاد الذى يرد الفروع إلى الأصول أو يرد الأحكام المتغيرة بتغير الزمان والمكان إلى المبادئ الثابتة التى لا تتغير بتغير الزمان والمكان. وهذا يعنى فتح أبواب الاجتهاد على مصراعيها دون حدود أو قيود، ما ظل المسلم مؤمنا بمبادئ الإسلام الأساسية. وللاجتهاد- فى هذا السياق- مكانة عظيمة فى الفكر الإسلامى، وهى مكانة لا يدانيها مكانة سوى تقدير العقل والإعلاء من شأنه، ولذلك فتح الإسلام أبواب الاجتهاد إلى أبعد درجة، وذلك بما يجعل لكل مجتهد نصيب، فإذا أصاب المجتهد فله أجران، وإذا لم يصب فله أجر واحد. الأمر الذى يعنى أن الاجتهاد هو القاعدة والأصل، وأن الخطأ الإنسانى مهما تعثر فيه العقل، فمسموح به ولا يصل بصاحبه مهما أسرف على نفسه فى الاجتهاد إلى درجة التكفير. ولذلك روى عن الإمام مالك قوله: «إذا ورد قول عن قائل يحتمل الكفر من تسعة وتسعين وجها، ويحتمل الإيمان من وجه واحد، حمل على الإيمان ولم يحمل على الكفر». وهذا قول يعلمنا ضرورة أن نتسامح مع من يختلفون عنا أو يصلون إلى تأويل يختلف عن تأويلنا، فالمجادلة بالتى هى أحسن ينبغى أن تكون هى الحكم بيننا وبينهم، وحسن الظن بالمختلف مبدأ لا يقل أهمية فى هذا السياق عن مبدأ قبول المختلف وعدم التسليم المطلق بصحة اجتهاد ما نصل إليه أو يصل إليه غيرنا، فما دمنا فى الدائرة البشرية، فالخطأ أمر وارد والنسبية صفة ملازمة. والنسبية تعنى عدم الصحة المطلقة، سواء فى اجتهاداتنا أو تأويلاتنا أو حتى استنباطنا للأحكام أو استنباط غيرنا. وهذا بالضبط ما دفع الإمام الشافعى إلى أن يقول:» رأيى صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب». وهذا كله لا يؤدى بنا إلا إلى معنى واحد يتلخص فى مبدأ واحد، حازم وجازم، وهو مبدأ البعد عن التكفير، فمن كفر مسلما فقد باء بها، لا لأنه على حق فى دعوة تكفيره، وإنما لأنه أساء الظن باجتهاد أخيه المسلم الذى ينبغى أن يتقبله برحابة صدر ونعترف باختلافه عنا، ولا نجادله إلا بالتى هى أحسن. وهذا هو معنى الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، أو الدعوة إلى المجادلة بالتى هى أحسن «إنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ». (سورة النحل/آية 125). وفى تقديرى أن هذا كله فرع عن الأصل الذى يدعو إلى الاجتهاد– وهو الوجه الآخر من التأويل أو سبيله، ويرجع هذا المبدأ إلى حديث صحيح رواه البخارى ومسلم وغيرهما من أئمة الحديث. ولا معنى لتكراره إلا لتأكيد حق الخطأ فى الإسلام ودفع المجتهد إلى أن يجتهد بلا حدود أو قيود يفرضه عليه كاره الاجتهاد والعقل على السواء. وإذا كان الاجتهاد فريضة على المسلم (قياسا على ما ذهب إليه العقاد من أن التفكير فريضة إسلامية)، فلا معنى لرفض الاجتهاد أو التفكير فى تكفير قائله مهما وصل إليه اجتهاده، اعتدالا أو إسرافا، والنتيجة الطبيعية لمثل هذا النوع من التفكير هى الرفض المطلق لتكفير أحد أو ادعاء الحكم عليه بالقرب من الإسلام أو البعد عن الإسلام، كما لو كان للإسلام نواب يحتكرون الكلام باسمه.
لكن هذا المبدأ من ناحية أخرى لا يمتد ليحكم العلاقة بين المسلم والمسلم، فى اختلاف المذاهب أو الشيع أو الفرق الإسلامية، فلا علاقة بين هذه الفرق إلا بالمجادلة بالتى هى أحسن، ولا سبيل أمامنا إلى الحكم على أى طائفة منها إلا بترك أمرها إلى الله عز وجل وقبول اختلافها عنا أو اختلافنا عنها مع الحرص على المجادلة بالتى هى أحسن وتأكيد حق وجودها أو اختلافها. فالإسلام الذى نعرفه والذى يرتبط بالمبادئ التى أتحدث عنها هو إسلام لا يعرف سوى المسلمين ولا يعترف بهذه الملصقات التى ألصقها بهم أنصارهم أو أعداؤهم. فلا شيعى ولا سنى ولا إباضى ولا أزارقى، فالجميع عند الله سواسية، ومن ثم ينبغى أن يكونوا عندنا مسلمين لهم الحق كله فى أن يعيشوا فى أمان، وأن نتقبل اختلافهم عنا ويتقبلوا بدورهم اختلافنا عنهم.
والحق أننى أتخيل أحيانا ما الذى كان يمكن أن تجنيه الحضارة الإسلامية لو رفعت مبدأ حق الاختلاف وقبوله على السواء! أما كان يمكنها بذلك أن تمتلك القدرة على الاستمرار والصعود فى التاريخ بلا توقف، ودون أن تنتشر فى داخلها جراثيم الضعف التى أنهكتها وأضعفتها وجعلتها فريسة سائغة لكل من أراد أن يهيمن عليها، أو يستولى على خيراتها، أو يتسلط عليها أو يغزو أراضيها. لكن المهم الآن هو أن نتعلم من أخطاء الماضى لكى نمضى فى طريق المستقبل الذى يستحيل أن نواصل السير فيه ما لم نرجع إلى الأصول السليمة والمبادئ الإسلامية التى كانت سر ازدهار الحضارة العربية، بأن نعيد لها اعتبارها ونبعثها من جديد، مؤسسين لإسلام مختلف، عقلانى، مؤسس لحق الاختلاف، ومن ثم يؤكد معنى التنوع الخلاق بين المسلمين، سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الجمع.
ومن المؤكد أن قبول الاختلاف والاعتراف به سوف يوفر للمسلم الوقت والدافع الذى يضعه أمام الكون مباشرة، باحثا ومتأملا ومفتشا عن الدلالات منطلقا من حيث انتهى الآخرون فى كل مجال من مجالات الحضارة، وهى مجالات لا تعنى «العلم» الذى انحدر عند المسلمين انحدارا لا حد له، وجعلهم يستبدلون به الخرافة والخزعبلات، ويعتمدون على غيرهم، بعد أن كانوا هم الذين يقدمون إلى غيرهم نتائج اختراعاتهم واكتشافاتهم. ولست فى حاجة إلى أن أُذكر بالحسن بن الهيثم أو جابر بن حيان أو المجسطى أو غيرهم من العلماء العرب الذين كانوا أساسا لنهضة العلم فى أوربا، وإنما أنا فى حاجة أكثر لأن أؤكد ضرورة إسهام الدولة فى أن يفرغ العقل المسلم لمواصلة فكره الخلاق الذى يدفعه إلى التأمل فى الخلق واكتشاف أسرار الكون، بكل ما يدفع إليه ذلك من إسهام فى المعارف العلمية والاكتشافات والإنجازات التى تتراكم ساعة بعد ساعة وليس يوما بعد يوم. وليس الأمر فى ذلك مقصورا على الكون فحسب، وإنما يجمع ما بين التأمل والاعتبار بسنن الله فى الخلق ما يشير إليه معنى الاعتبار من البحث عن العبرة بكل معانيها الدلالية، أقصد إلى المعانى التى تتصل بالفنون التى ترتقى بالوجدان الإنسانى وترفعه إلى المستوى الحضارى الرفيع الذى لا يمكن أن يكتمل الازدهار فيه بالعلم وحده إلا مع الازدهار فى الفن. فالعلم بكل فروعه كالفن بكل أنواعه، هما جناحا الإنسان اللذان يطير بهما محلقا فى آفاق لم يصل إليها من قبل. وهى آفاق لا تزال تنتظر الإنسان لاكتشافها، والانتفاع بخيراتها، والتمتع بجمال فنونها. (وللمقال بقية)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.