كانت دور السينما الصيفية في الماضي تعرض ثلاثة أفلام في بروجرام واحد غالبا فيلم عربي مع فيلم أمريكي يغلب عليه طابع المغامرات والحركة والفيلم الثالث كاراتية صيني. وكانت بعض تلك السينمات الصيفية تعرض فيلمين عربي وأجنبي مع مباراة كرة قدم عالمية. وكان لي الحظ أن أشاهد مباريات قديمة للأهلي والزمالك مع فرق توتنهام الإنجليزي وريال مدريد الأسباني وسانتوس البرازيلي. وكان ذلك بالطبع قبل اختراع شاشات التليفزيون المسطحة العملاقة مما يضاعف من متعة المشاهدة في السينما. تذكرت تلك الأيام الخالية مع مشاهدة التجربة المميزة للدفعة الثالثة من مركز الابداع الفني حيث قررت شعبة الإخراج في تلك الدفعة تقديم أربعة عروض مسرحية مكثفة في إطار عرض واحد أشرف علي إعداده وتنفيذه الفنان المبدع عصام السيد واستطاع الموهوب ومكتشف المواهب خالد جلال أن يؤكد نجاح تجربته وتواصلها من خلال ثلاث دفعات مميزة. ولعلنا لا ننسي من الدفعة الأولي أسماء لمعت وحققت وجودها في فترة قصيرة منها سامح حسين ونضال الشافعي ونهي لطفي ومن الدفعة الثانية أبطال عرض قهوة سادة: محمد فراج وهشام إسماعيل وعمرو عبد العزيز ومحمد فهيم ومحمد عبدالسلام وغيرهم وبالتأكيد ستلمع أسماء كثيرة من الدفعة الثالثة التي استطاعت إبهار الجماهير وانتزاع ضحكاته في ظروف سياسية واجتماعية بالغة الدقة والصعوبة.. ولعل أجمل مافي العرض هو ذلك الخيط الدرامي الرفيع الذي يربط مابين النصوص الأربعة دون أن يخترق خصوصية كل نص أو يغير من طبيعته.. والمسرحية الأولي في العرض الخاص لورشة الابداع حملت عنوان تمثيل في تمثيل. وهي عن قصة قصيرة بنفس العنوان من المجموعة القصصية: ضرب بطئ علي طبل صغير للكاتب الفلسطيني محمود الريماوي تمصير وصياغة الحوار الدرامي وتلحين واخراج الدكتور هاني عبد الناصر وعزف ومصاحبة هارمونية لمحمد عمر وقام بالتمثيل كل من عادل الحسيني وشريف الخيام وهما موهبتان رائعتان علي مستوي الغناء أيضا بالاضافة لحضور مسرحي واعد وانضباط شديد في الأداء لأن نجاح كل منهما وتفوقه يعني ببساطة نجاح الآخر أيضا.. أما العرض الثاني فهو عرس الدم للكاتب والشاعر الأسباني الشهير لوركا. وقد سبق أن شاهدت نفس هذا النص العالمي يقدمه شباب من دار الأوبرا بعنوان الزفاف الدامي وكان سيئا للغاية برغم ضخامة الميزانية والاستعانة بمخرج أسباني وتقديم العرض علي مسرح الجمهورية أحد أهم وأكبر مسارحنا المصرية ولعله أفضلها الآن بعد حريق المسرح القومي.. لهذا يجب أن أشيد بتجربة المخرجة وصاحبة الاعداد يسرا الشرقاوي التي قدمت النص الأسباني برؤية صعيدية ساخرة, واستطاعت أن تثبت ببساطة أن المسرح العالمي يكتسب قيمته من أنه يخاطب الانسان عبر مختلف الثقافات ويطرح قضايا لا تتقدم مع مرور الزمن أو تتغير بتغير البيئة أو الجغرافيا وقام هاني عبد الناصر في هذا العرض بالاعداد الموسيقي, وتألق من الممثلين مني جمال وحمدي التايه ودينا محسن وأحمد محيي,وكان العرض الثالث بعنوان صيد الفئران عن نص مسرحي لبيتر تورين إعداد واخراج وموسيقي وسام أسامة وتمثيل مروة حمدان ومحمود سليمان اللذين تميزا بقدرة كبيرة في الأداء الحركي والسير بطريقة الروبوت أو الانسان الألي, وكان العرض الأخير هو ليلة الزفاف عن رائعة استاذ الأدب والمسرح العربي توفيق الحكيم,وقامت بالإعداد والاخراج مروة رضوان التي احتفظت قدر الإمكان بمذاق لغة الحكيم وان قامت بالتكثيف والاختزال ليتناسب العرض مع الزمن المحدد له عشر دقائق لكل تجربة وتألق في التمثيل ريهام سامي وشريف نبيل وهي تجربة صعبة علي الممثلين الشابين خاصة أن ليلة الزفاف قد تحولت الي فيلم سينمائي لعب بطولته الفارس والسندريلا أحمد مظهر وسعاد حسني ولايزال العمل في ذاكرة المشاهدين لكن مروة استطاعت أن تقدم تصورا مختلفا ينتزع الضحكات ويثير الدهشة والتأمل والتهنئة في النهاية لجمهور المسرح المصري الذي سيشهد في القريب العاجل نخبة من الوجوه الشابة المبدعة. [email protected]