الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يشارك فى قمة إستثنائية بالرياض بجانب قادة أكثر من خمسين دولة عربية وإسلامية، فهل يختلف عن أوباما؛ حيث إن الأخير مكن لنسختى الإسلام السياسى السنى والشيعى فى المنطقة، ونشر الفوضى والدمار وتخلى عن حلفاء أمريكا وغض الطرف عن الإرهاب ومموليه فمزقت ليبيا واحترق اليمن ودمرت سوريا؟ سنكتشف أهمية هذا التحول عندما نعيد قراءة تراجعات الاسلام السياسى السنى الأخيرة عن مواقفه السابقة، فهى ليست بسبب الهزائم الميدانية أو الضغوط والانقسامات الداخلية.. الخ، انما بصفة أساسية بسبب التغير الطارئ فى تعامل الولاياتالمتحدة مع ملفات المنطقة، والبعض من الشخصيات التى توسطت لحل الأزمة فى بدايتها من خلال مبادرات معلنة عادوا وأكدوا ان سبب الرفض الفعلى هو تشبث الجماعة بوعود إدارة أوباما بمؤازرتها. لأن الإرهاب ارتد الى أوروبا وأمريكا وذاق الجميع مرارته، ولأنه فشل بنسختيه مع مصر فنحن فى مرحلة جديدة بغض النظر عن تفاصيل مهمة ستتطلب نقاشات مطولة، لا تتحكم فيها إيرانوتركيا وقطر وهى القوى التى مولت وحركت شياطينها فى العمق العربى طوال سنوات. سياسة واشنطن فى عهد أوباما هددت الشرق الأوسط بانفلات مدمر، وأشعلت الحرائق فى جسد منطقة خشبية بطبيعتها مشبعة ببنزين المذهبيات المتصارعة وإرث تاريخى مثقل بالثأرات القومية والطائفية، بحيث من الصعب السيطرة على حريق بهذا الهول وجعله محصورًا فى منطقة ما دون أن يطال دول العالم، خاصة تلك النافذة فى أزماتها. وهذه المرة الأولى بحسب علمى التى تراجع فيها الولاياتالمتحدة مواقفها وتصحح مسارها وفق رؤية الدول العربية التى خالفت الإستراتيجية المدمرة السابقة وتحركت بمفردها لإطفاء الحرائق، فلم يكن بإمكان الدول العربية الجلوس والفرجة على الملايين من العرب السنة وهى تنهار أمام الغزوات الطائفية الإيرانية، ولو تلكأ القادة العرب لتقدم الظواهرى والبغدادى بدعوى حماية السنة، ولم يكن بالإمكان الاستسلام وغول الإرهاب يزداد قوة وشراسة، وما يحدث الآن هو عودة الولاياتالمتحدة التى سكتت وترددت وامتنعت عن المساعدة بل ودعمت فى الاتجاه المعاكس. تعترف أمريكا بالأخطاء الكارثية عمليًا بهذه الخطوة وتعيد النظر فى تحالفها وأسلوب تعاملها مع إيران التى أعطتها العراق على طبق من ذهب، وكذلك مع الإخوان التى أعطتها حكم البلاد العربية ومكنتها من السلطة. العنوان البارز فى قمة الرياض هو إعادة الاعتبار للدول العربية لاستعادة هويتها الوطنية المسلوبة نتيجة العبث الايرانى والتركى القطري، وتصحيح الأوضاع المقلوبة باسترداد مهام القيادة العربية والمنطقة للقوى العربية الكبرى والمحورية وعلى رأسها مصر والسعودية. حجم الكوارث دفع للتراجع عن إستراتيجية تغيير الأنظمة، وإثارة الفوضى وتقويض المؤسسات والجيوش، وتبنى إستراتيجية مواجهة الإرهابيين المنضوين فى جماعات الاسلام السياسى السنية والشيعية،. لا يمكن لأحد المجادلة اليوم فى أن التخلص من آفة الإرهاب يتطلب الحفاظ على الدولة الوطنية من الانهيار واقامة نظم حكم تقوم على أساس المساواة والمواطنة لحصار النموذجين الإيرانى والتركى القائمين على التدخل فى الشئون الداخلية للدول لأسباب تتعلق بالامتداد المذهبى والالتزام الأيدلوجى وفرض النفوذ السياسى وتصدير الثورات ونزعات التمرد على الدول، بعد أن حول أردوغان تركيا إلى ولاية فقيه سنية متقمصًا دور مرشد الثورة السنية. مسئولية العالم اليوم تجاه منطقتنا أن يسهم فى أن تحل الفكرة الديمقراطية وفلسفة حقوق الإنسان والتعددية والمواطنة محل ولاية الفقيه فى كلا اللاهوتين السنى والشيعي، وأن تحل الثورة الفكرية التنويرية محل الثورة الدينية، وتلك هى خطة الإنقاذ للعالم بأسره، بالنظر لعدة إعتبارت أهمها: أولًا: جموح إيران التوسعى مستغلة اضطراب النظام العربى وانهياره على وقع عواصف الربيع العربى وغياب القوى المنظمة والجاهزة لملء الفراغ فى الإقليم، أسفر عن تغير السياسة الخليجية واعتمادها أسلوب المواجهة خاصة بعد تبلور المحاولات الإيرانية لتطويقها عبر فنائها الخلفى فى اليمن ومد نشاطاتها إلى باب المندب، ومن شأن هذا التآلف والتكاتف الأخير أن يوقف الحرب الجارية لأنه سيضطر إيران للتقهقر وسيردع القوى الداعمة والممولة للإرهاب. ثانيًا: النزاع السعودى الإيرانى وإن كان يبدو ثنائيًا باعتبار أن المواجهة تنحصر بين طرفين إلا أن البعد العربى حاضر بقوة حيث تعتقد إيران بتبعية كافة المجتمعات الشيعية لها أنها فى صراع مع كل دولة عربية سنية يوجد فيها شيعة. ثالثًا: النتائج المدمرة للمشاريع الإقليمية التى أطلت فى الآونة الأخيرة والتى أضرت بالعرب وخدمت قوى إقليمية غير عربية وهى إيران وإسرائيل وتركيا، وهى الأطراف الوحيدة المستفيدة من صراعات المنطقة تجعل العرب اليوم أمام أكبر تحدياتهم على الإطلاق لمعاكسة تلك التحالفات التى تمت على الأرض، والتى إنطوت على أهداف مفزعة ليس أسوأها إعادة رسم خارطة المنطقة على حسابهم. من يتحدث عن الصفقات التجارية وصفقات الأسلحة زاعمًا ارتباطها بطبيعة شخصية ترامب، ينبغى أن يراجع مراحل التحول الذى حدث فى علاقة إيران بالقوى الكبرى بعد توقيعها على الاتفاق النووى، وهو ما جعل مواجهة الدول الغربية لها ومساندتها للدول العربية فى مثل هذه المواجهة يختلف عن المواجهات التى تمت فى فترة حصار العالم الغربى لإيران. وهناك بدأت إيران فعليًا تنفيذ وعودها للدول الغربية بصفقات تجارية واستثمارية مجزية، ولم يكن ترامب قد ظهر أساسًا فى المشهد- وهو ما تصورته إيران تفويضًا مطلقًا بمواصلة سياساتها التوسعية. الفارق أن العرب يصححون الأوضاع ويستردون حقوقًا ويعيدون بناء دولهم، أما إيران فظنت أن فوائد إيران الدولة فى الاتفاق مع الغرب التى تقدر ببلايين الدولارات ستمكنها من تمويل إيران الثورة ولمواصلة غزواتها فى العمق العربى. لمزيد من مقالات هشام النجار;