السفير ماجد عبدالفتاح يكشف تفاصيل موافقة 143 دولة على منح فلسطين عضوية الأمم المتحدة    اتهام جديد ل عصام صاصا بعد ثبوت تعاطيه مواد مُخدرة    النائب شمس الدين: تجربة واعظات مصر تاريخية وتدرس عالميًّا وإقليميًّا    تراجع عيار 21 الآن.. سعر الذهب في مصر اليوم السبت 11 مايو 2024 (تحديث)    القانون يحمى الحجاج.. بوابة مصرية لشئون الحج تختص بتنظيم شئونه.. كود تعريفى لكل حاج لحمايته.. وبعثه رسمية لتقييم أداء الجهات المنظمة ورفع توصياتها للرئيس.. وغرفه عمليات بالداخل والخارج للأحداث الطارئة    زيادات متدرجة في الإيجار.. تحرك جديد بشأن أزمة الإيجارات القديمة    الزراعة: زيادة الطاقة الاستيعابية للصوامع لأكثر من 5 ملايين طن قمح    وزير الرى: الانتهاء من مشروع قناطر ديروط 2026    الحكومة اليابانية تقدم منح دراسية للطلاب الذين يرغبون في استكمال دراستهم    بلينكن يقدم تقريرا مثيرا للجدل.. هل ارتكبت إسرائيل جرائم حرب في غزة؟    يحيى السنوار حاضرا في جلسة تصويت الأمم المتحدة على عضوية فلسطين    الإمارات تستنكر تصريحات نتنياهو بالدعوة لإنشاء إدارة مدنية لقطاع غزة    مجلس الأمن يطالب بتحقيق فوري ومستقل في اكتشاف مقابر جماعية بمستشفيات غزة    نائب بالشيوخ: موقف مصر ثابت تجاه القضية الفلسطينية    سيف الجزيري: لاعبو الزمالك في كامل تركيزهم قبل مواجهة نهضة بركان    محمد بركات يشيد بمستوى أكرم توفيق مع الأهلي    نتائج اليوم الثاني من بطولة «CIB» العالمية للإسكواش المقامة بنادي بالم هيلز    الاتحاد يواصل السقوط بهزيمة مذلة أمام الاتفاق في الدوري السعودي    «أنصفه على حساب الأجهزة».. الأنبا بولا يكشف علاقة الرئيس الراحل مبارك ب البابا شنودة    المواطنون في مصر يبحثون عن عطلة عيد الأضحى 2024.. هي فعلًا 9 أيام؟    بيان مهم من الأرصاد الجوية بشأن حالة الطقس اليوم: «أجلوا مشاويركم الغير ضرورية»    أسماء ضحايا حادث تصادم سيارة وتروسيكل بالمنيا    إصابة 6 أشخاص إثر تصادم سيارة وتروسيكل بالمنيا    مصرع شاب غرقًا في بحيرة وادي الريان بالفيوم    عمرو أديب: النور هيفضل يتقطع الفترة الجاية    حظك اليوم برج العقرب السبت 11-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    رسائل تهنئة عيد الأضحى مكتوبة 2024 للحبيب والصديق والمدير    حظك اليوم برج العذراء السبت 11-5-2024: «لا تهمل شريك حياتك»    بتوقيع عزيز الشافعي.. الجمهور يشيد بأغنية هوب هوب ل ساندي    النجم شاروخان يجهز لتصوير فيلمه الجديد في مصر    رد فعل غريب من ياسمين عبدالعزيز بعد نفي العوضي حقيقة عودتهما (فيديو)    هل يجوز للمرأة وضع المكياج عند خروجها من المنزل؟ أمين الفتوى بجيب    الإفتاء تكشف فضل عظيم لقراءة سورة الملك قبل النوم: أوصى بها النبي    5 علامات تدل على إصابتك بتكيسات المبيض    لأول مرة.. المغرب يعوض سيدة ماليا بعد تضررها من لقاح فيروس كورونا    هشام إبراهيم لبرنامج الشاهد: تعداد سكان مصر زاد 8 ملايين نسمة أخر 5 سنوات فقط    الطيران المروحي الإسرائيلي يطلق النار بكثافة على المناطق الجنوبية الشرقية لغزة    الخارجية الأمريكية: إسرائيل لم تتعاون بشكل كامل مع جهود واشنطن لزيادة المساعدات في غزة    تفاصيل جلسة كولر والشناوي الساخنة ورفض حارس الأهلي طلب السويسري    مران الزمالك - تقسيمة بمشاركة جوميز ومساعده استعدادا لنهضة بركان    الجرعة الأخيرة.. دفن جثة شاب عُثر عليه داخل شقته بمنشأة القناطر    «آية» تتلقى 3 طعنات من طليقها في الشارع ب العمرانية (تفاصيل)    نيس يفوز على لوهافر في الدوري الفرنسي    انخفاض أسعار الدواجن لأقل من 75 جنيها في هذا الموعد.. الشعبة تكشف التفاصيل (فيديو)    تراجع أسعار الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 11 مايو 2024    رؤساء الكنائس الأرثوذكسية الشرقية: العدالة الكاملة القادرة على ضمان استعادة السلام الشامل    هل يشترط وقوع لفظ الطلاق في الزواج العرفي؟.. محام يوضح    طولان: محمد عبدالمنعم أفضل من وائل جمعة (فيديو)    حلمي طولان: «حسام حسن لا يصلح لقيادة منتخب مصر.. في مدربين معندهمش مؤهلات» (فيديو)    وظائف جامعة أسوان 2024.. تعرف على آخر موعد للتقديم    جلطة المخ.. صعوبات النطق أهم الأعراض وهذه طرق العلاج    إدراج 4 مستشفيات بالقليوبية ضمن القائمة النموذجية على مستوى الجمهورية    زيارة ميدانية لطلبة «كلية الآداب» بجامعة القاهرة لمحطة الضبعة النووية    لماذا سمي التنمر بهذا الاسم؟.. داعية اسلامي يجيب «فيديو»    5 نصائح مهمة للمقبلين على أداء الحج.. يتحدث عنها المفتي    بالصور.. الشرقية تحتفي بذكرى الدكتور عبد الحليم محمود    نائب رئيس جامعة الزقازيق يشهد فعاليات المؤتمر الطلابي السنوي الثالثة    محافظة الأقصر يناقش مع وفد من الرعاية الصحية سير أعمال منظومة التأمين الصحي الشامل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدير معهد العالم العربى بباريس ل «الأهرام»:مهمتنا تقديم صورة مشرقة للحضارة العربية

◙ الخطاب الدينى تضخم فى مجتمعاتنا بسبب كثرة وعاظ الجهل
◙ التمسك بالسلفية الفكرية ينتج لنا التوحش والعنصرية والصراع
◙ التماثيل الفرعونية تحف فنية تعمق الانتماء للمكان والزمان..والآثار التاريخية ليست أصناما
........................................................................................................................

لم يكن الحوار مع الدكتور معجب الزهرانى مدير معهد العالم العربى فى باريس، ثقافيا بالمعنى بالمعروف رغم صفته الوظيفية، فالسياسة والثقافة تداخلا معا فى إدارة الحوار، كما شارك التاريخ بقوة فى حديث إن أردت وصفه فليس أمامى سوى أنه «حديث ثقافي، ديني، تاريخي، سياسي، دعوي».
فالدكتور الزهرانى يحمل آمالا كثيرة يتمنى أن يحققها خلال عمله فى المعهد، ربما أولها تقديم صورة مشرقة للحضارة العربية، كما أن يرى أن أشد ما يضر أى ثقافة فى العالم هى «نزعة الإنغلاق»، فهى تدمر عالم المعرفة..ولهذا يقترح التعددية أوالتنوع، لأنه يزيد من فرص الإبداع العلمى والفكري. كان من الصعب أن اتحاور مع شخصية مثل الدكتور الزهراني، دون أن أسأله عن دور الثقافة فى مواجهة الإرهاب الذى يطل علينا بقتلى وجرحى كل فترة لينال من عزيمتنا، السؤال صعب والحال الأصعب فما بالنا بالإجابة، فتنهد الدكتور الزهرانى كثيرا، ولكن ردوده كلها اتسمت بالثقة، أولا طالب بضرورة تجاوز حالة «الاحتباس الحضاري» بإعلاء قيم التواصل والحوار والسلام، واستعادة دورنا الحضارى من خلال توحيد طاقاتنا وجهودنا، ثم كان اللوم على بعض خطباء الجمعة، لأنهم يحرضون على التشدد والانحراف والعنف، وضرورة توقف بعض منابرنا الإعلامية ومؤسساتنا الدينية عن بث خطابات الكراهية التى تحاصرنا بها كل حين، ناهيك عن الخطاب الدينى الذى تتضخم فى مجتمعاتنا بسبب كثرة وعاظ الجهل. والأهم من وجهة نظر المثقف الذى يحمل على عاتقه نشر الثقافة العربية فى فرنسا وأوروبا، أن الكوارث تأتى عندما يتحول الدين الى «أيديولوجيا». ثم يؤكد :»الخلق الفاضل سمة الإسلام، والطقوس الشكلية ليست تدينا». هذه الردود مجتمعة يقابلها إشادة بمبادرات «الأزهر» الإصلاحية التى تمثل تحولا جديا فى الخطاب الديني. وثمة حلم يراود الدكتور معجب الزهراني، وإن كان ليس على يقين بأن يتحقق هذا الحلم بين عشية وضحاها، لماذا؟، لأنه يحلم بيوم تتوقف فيه سلطة رجال الدين على المثقفين والعلماء.. ونصل بالحوار الى موقف حاد لمدير معهد العالم العربي، إذ يرفض «السلفية بكل مفاهيمها، قبلية، قومية، مذهبية، لما ينتج عن التمسك بها ما يسميه ب»فكر التوحش والعنصرية والصراع». ويرى أن الفكر السلفى أى الارتباط بالأجداد والتمسك بافكارهم، يتناقض مع الفكر الإنسانى المتجدد، وهو بهذا أيضا يخرج بمعنى جديد للدين الصحيح حيث لا يجب ربطه بالفكر السلفي.. تحدث مدير معهد العالم العربى كثيرا عن الجمال والحضارات، هذا بخلاف ما كتبه فى هذا المضمار، ويرى أن «التماثيل تحف فنية وليست أصناما لكى يحطمها المتطرفون ويتخلصون منها». وثمة فائدة أخرى للآثار « تجعلنا ننتمى حضاريا للمكان والزمان».
لقد تحدث الدكتور الزهرانى طويلا عن ضرورة تلاقح الأفكار عالم الثقافة، وأن مهمة المثقف هى إنتاج الفكر وليس التعليم، ولا يجب أن ندمر ذاتنا باستعداء الآخرين. وتحدث بحسرة عن الإعلام العربي: «يورطنا فى المشكلات لأنه ينخرط فيها»..أما العلم وإعمال العقل فهما «بوابة الدخول للعصر الحديث»... لقد تولى الزهرانى أستاذ الأدب فى جامعة الملك سعود بالسعودية، منصبه كمدير للمعهد العربى بباريس قبل أشهر قليلة، ولكنه يحمل أفكارا كثيرة وجريئة لتعريب المعهد لكى يستفيد منه المثقف العربى والفرنسى والأوروبى معا.. وفيما يلى نص الحوار:
ما طبيعة عملكم ومسئولياتكم فى معهد العالم العربي؟
لدى مدير المعهد مسئوليات محددة تكمل صلاحيات رئيسه الفرنسى جاك لانج، وأهمها متابعة برامج العمل اليومى فى مختلف الأقسام وتدبر الحلول المناسبة لأى مشكلة يمكن أن تطرأ. لكن بما أننى قادم من وسط أكاديمى ألفته طوال ربع قرن، فأنا منشغل بإعادة النظر فى بعض التوجهات واقتراح مبادرات جديدة تلبى الحاجة للمزيد من الحضور والانفتاح على الوسط المعرفى والفكرى فى العالم العربي. فالمؤكد أن المعهد يؤمن شقا من رسالته الأساسية وهى تعزيز الحوار والتفاعل مع فرنسا وأوروبا بشكل عام، وتقديم صورة مشرقة للحضارة العربية العريقة لزواره من سكان باريس وزوارها الكثر من مختلف أنحاء العالم .
أما الشق المتعلق بالتفاعل مع مجتمعاتنا العربية والمشاركة فى بلورة تصوراتها وتحقيق تطلعاتها فأزعم أنه يعانى بعض الضعف، وهذا تحديدا ما نحاول تداركه من خلال تأسيس المزيد من الشراكات المنتظمة مع المؤسسات الثقافية المعتبرة الرسمية وغير الرسمية فى مشرق العالم العربى ومغربه. ونظرا لما لقيته من تفهم لدى السفراء العرب فى باريس، ودعم من الرئيس جاك لانج وفريق العمل بالمعهد فأرجو أن تبرز آثار هذا التوجه للجميع خلال الفترة المقبلة، خصوصا وأننى بدأت فعلا فى توقيع مذكرات تعاون مع العديد من الجهات المعنية بالقضايا نفسها. و بهذه المناسبة لا شك فى أننى أنتظر الكثير من المؤسسات الثقافية المصرية العريقة خاصة أننى قريب من الوسط الثقافى المصري، ولى علاقات صداقة مع كتاب وباحثين ومثقفين بارزين بدأت منذ أكثر من ثلاثة عقود ولا غرابة فى ذلك. فمصر تقع فى قلب العالم العربي، وهناك أجيال عربية تتلمذت مباشرة أو مداورة على يد كبار الأكاديميين المصريين، وكم يسرنى أن أنتهز أقرب فرصة لزيارة «أم الدنيا» والتواصل مع الأصدقاء فى اتحاد الكتاب والمجلس الأعلى للثقافة وغيرها من المؤسسات لتدشين برامج تعاون تحقق طموحاتنا المشتركة، كما حدث مسبقا مع مكتبة الإسكندرية التى أعتبرها إحدى أهم المنجزات الحضارية فى المنطقة .
الدكتور- معجب الزهرانى مع مندمب الاهرام
اشتهرت مصر فى حقبة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضى بمثقفيها الفرانكفونيين.. وهم الذين أثروا المكتبة المصرية والعربية بمؤلفاتهم..ولكن لا نرى الآن أعلاما ثقافية مثل رفاعة رافع الطهطاوى وطه حسين وتوفيق الحكيم ولويس عوض وغيرهم.. فما السبب وراء ذلك؟
هذا السؤال يعيدنى إلى إشكالية طرحت كثيرا فى ندوات ومؤتمرات شاركت فيها بمعظم الدول العربية. ورأيى أن واحدة من آفات التعليم العالى العربى كله تتمثل فى «نزعة الانغلاق» على ما هو محلى أو وطنى باسم «الاكتفاء الذاتي» حيث يخرج كل قسم أساتذته، وهو مسلك يشبه «زواج الأقارب» وعادة ما يفسد التعليم الجامعى فى المدى البعيد. فهناك فلسفات ونظريات ومناهج مختلفة تميز الجامعات فيما بينها حتى فى البلد الواحد، ولذا تحرص الجامعات الكبرى فى العالم على الإفادة من مختلف التجارب والتوجهات وذلك بالحفاظ على نسبة معقولة من الأساتذة الأجانب فى كل أقسامها، ومنها أقسام العلوم الإنسانية التى عادة ما تؤسس للفكر النقدى وتبث مخرجاته فى الفضاء العام. وإذن فلا أستبعد أن تراجع الجامعات المصرية العريقة التى سبق وأن خرجت عقولا كبيرة وكفاءات متميزة هو نتيجة تلك السيرورة التى بدأت فى النصف الثانى من القرن الماضى حسبما أعتقد.
وباختصار أعود فأقول إنه لو حافظت جامعاتنا على نسبة 20 % من الأساتذة الأجانب على الأقل، لضمنت التنوع وزادت من حظوظها فى الإبداع العلمى والفكرى وقدمت رؤى وفلسفات جديدة تثرى الثقافة والتعليم فى المنطقة عموما، كما حدث للجامعات المصرية فى فترة ما بين الحربين .
كأكاديمى ومثقف سعودي.. ماذا تقدم الثقافة السعودية لمعهد العالم العربى ؟
حينما نتحدث عن المعهد لا أحبذ فكرة التمييز بين الثقافات العربية من منظور الهويات الضيقة، بل عن ثقافة عربية متعددة المصادر والتلوينات، وكل رافد يحاول أن يقدم شيئا للنهر العام، وهذه الثقافة الجامعة هى المؤهلة لأن تقدم للعالم الخارجى شيئا جديا يتجاوز أى ثقافة قطرية أو جهوية .
وبصيغة أخرى أقول: طموحاتنا متشابكة وهمومنا مشتركة، وعلينا التركيز على قيم التواصل والتفاعل والحوار والسلام فيما بيننا أولا، وفيما بيننا والعالم ثانيا، عسى أن نخرج من حالة الاحتباس الحضاري، ومن هذه الصراعات الأهلية المدمرة لما تبقى من نسيج الأمة العربية. ووسائل الإعلام الرسمية والأهلية المحترمة فى كل بلد عربى مسئولة أيضا عن تعزيز هذا التوجه كما يحدث فى الغرب حيث لا نجد انخراطا مباشرا فى الخلافات بين الحكومات العابرة كما يحدث عندنا للأسف الشديد. ولا أتحدث هنا من منظور أيديولوجى ضيق أو مفتعل. فرغم الاختلافات والتنوعات والخصوصيات فى ثقافات وادى النيل وبلاد الشام ومنطقة الخليج والمغرب العربي، هناك حقيقة عامة تفيد بأننا نعانى المشكلات ذاتها ونطمح لتحقيق الأهداف عينها، بما أن التحدى الحضارى الأساسى للجميع هو الدخول فى العصر وكسب رهاناته من بوابة الفكر الحديث والعلم الحديث والفنون الحديثة. ومجتمعاتنا العربية التى انتجت ثقافة عامة قادت التاريخ حوالى أربعة قرون قادرة على استعادة دورها الحضارى فيما لو توحدت الطاقات وتوجهت الجهود نحو هذا الهدف النبيل .
لماذا نشهد غيابا من المعهد فى المشاركة فى الفاعليات الثقافية فى المواقع الأثرية العربية.. وإذا تحدثنا عن مصر فلا يوجد أى نشاط للمعهد ؟.
طرح هذا الموضوع تحديدا خلال الاجتماع الأخير لمجلس رئاسة المعهد، وبفضل ورقة عمل قدمها جيل جوتييه أحد أهم مستشارى رئيس المعهد جاك لانج ، وقد سعدت بذلك لأننى كنت قد بدأت منذ وصولى بالفعل فى اتخاذ بعض المبادرات وأملى أن يحقق المعهد من خلالها أمرين أساسيين.
الأول: المزيد من الجهود العملية لتعريب المعهد، بمعنى أن تكون اللغة العربية حاضرة بقوة وانتظام فى المحاضرات والندوات الأسبوعية كما فى اللقاءات الفكرية والعلمية الفصلية، وأن نباشر ترجمة جدية منتظمة لما يصدر لدينا من مطبوعات مهمة يمكن أن يشارك فيها ويفيد منها المواطن والمثقف العربى أينما كان ومتى شاء .
والأمر الثاني، أن يخرج المعهد قليلا من باريس ليشارك فى فعاليات متنوعة، ليس فى الضواحى أو فى مدن فرنسية أخرى فحسب، بل فى مختلف بلداننا العربية. نعم، لا شك فى أن المعهد يعانى ضعفا واضحا فى قدراته المالية، وهذا ما يحد كثيرا من طموحاتنا، إلا أن الأمل كبير فى التعاون مع شركاء آخرين لنمضى قدما فى هذا الاتجاه وإن بشكل تدريجى .
ما هو دور معهد العالم العربى فى نزع فكرة ربط كل الأعمال الإرهابية بالإٍسلام؟
صرح جاك لانج رئيس المعهد وغيره مرات عديدة بألا هناك علاقة مباشرة بين الإسلام وهذه الجماعات التى تمارس نوعا من أنواع الإجرام الخارج حتى عن أسوأ تخيلاتنا. فلم يخطر على بال أحد من جيلى أن شابا مسلما يمكن أن يدخل مسجدا أو كنيسة أو كنيسا أو مقهى أو مطعما ليفجر نفسه ويقتل بشرا أبرياء باسم ديننا الذى يحث على مكارم الأخلاق مع المؤمن والكافر ومع البر والفاجر. وبما أن الظاهرة موجودة اليوم هنا وهناك للأسف الشديد ، وقد يبررها بعض رجال الدين الحمقى من كل البلدان العربية، فعلينا ألا نتجاهلها، بل يجب أن نبحثها ونجابهها كمشكلة حقيقية وبكل جدية. فهؤلاء المنحرفون يستعملون الإسلام غطاء لأفعالهم الإجرامية، وعلى المؤسسات الدينية فى العالم العربى إمعان النظر فى كثير من المفاهيم والمصطلحات والمقولات لإعادة صياغتها، أو لحذفها تماما من الخطاب العام، وخاصة خطب الجمعة، كى لا تغرى المزيد من البسطاء الذين لديهم استعدادات ذهنية ونفسية للانحراف نحو التشدد والعنف. نعم ، علينا أن نصلح خطاباتنا لكى نحمى أنفسنا وغيرنا من هذا الوباء، لأن الطفل أو الشاب يتأثر بما يسمعه فى مسجد أو مدرسة أو قناة دينية من مقولات عدائية تجاه الآخرين ممن يخالفونا فى المعتقد أو المذهب، وهو ما يكرره المتشددون باستمرار وتستغله تلك الجماعات تاليا. وبهذه المناسبة أشير إلى أن فى بلدان كالمغرب وعمان والإمارات قوانين صارمة جدا ضد مختلف أشكال التحريض، ويفترض أن تتبناها كل الدول العربية. ولعل المبادرات الأخيرة لمؤسسة الأزهر الشريف تستحق أن نشير إليها ونشيد بها، لأنها تمثل تحولا جديا فى الخطاب الدينى المعتبر يعلى من قيم التعارف والتعاون والمحبة والسلام التى نحن أحوج إليها من غيرنا لأن ما يحدث من جرائم باسم الإسلام فى بلداننا أضعاف ما يحدث خارجها .
وكيف يشارك المثقف العربى عموما فى دحض فكرة أن الإرهاب إسلامي؟
أومن بمقولة أطلقها «الكندي» أول فلاسفة العرب المسلمين واستعادها ابن رشد آخر فلاسفتنا الكبار، وتقول «من الأفضل أن يسير كل من اجتمع على ديانة..فهذا خير كثير». والمعنى واضح فى ظني، لأن المعلم والصحفى والأستاذ والمثقف كل فى موقعه، عليه أن يحارب المقولات العدائية التى يتبناها الإرهابيون دون أن ندين ثقافتنا أو عقيدتنا جملة كما يحلو للبعض هنا وهناك. فعندما يقتل مواطن فرنسى عائلة من أقربائه ويحرق جثثهم بسبب الإرث كما حدث منذ فترة، فهذه جريمة فردية يتكفل بها رجال الشرطة والمحققون وعلماء الجريمة، دون توهم بأن الحادث يعكس طبيعة الشعب الفرنسى أو يمثل الكنيسة الكاثوليكية. وإذا ما حاصرنا خطابات الكراهية والعنف بقوة الوعي، ومنعناها من منابرنا الإعلامية ومؤسساتنا الدينية والتعليمية بقوة القانون ، فالمؤكد أننا سنصل إلى النتيجة ذاتها فلا يؤخذ بريء بجريرة غيره. ولعلى أستطرد فأقول: إن هناك تضخما فادحا فى الخطاب الدينى فى مجتمعاتنا بسبب كثرة وعاظ الجهل، و نحلم بذلك اليوم الذى لا يعود فيه لأحد من « رجال الدين « سلطة على بقية المثقفين والعلماء والمبدعين رجالا و نساء ، خاصة وأن المفهوم كنسى غربى غريب تماما عن تراثنا .
كتبتم عن السلفية بكل مفاهيمها ، فهل تعتقد أن السلفيين غير متسامحين أيا كان نوعهم مع الآخر ولا يريدون حوارا معه؟
فعلا، هناك سفليات متعددة، قبلية، قومية، مذهبية تجدها فى كل المجتمعات البشرية، وهى فى مجتمعاتنا التقليدية تحصيل حاصل كما يقال. لكن تحويل المرجعيات القديمة إلى أيديولوجية سياسية هو الخطر بكل معانيه وفى كل مستوياته . فحين أقول « أنا احترم أو أعتز بأٍسلافى العرب ، أو المسلمين فهذا حقي، لكن ما أن يتوهم أحد ويصدق أنه أفضل من الأخرين وأعلى منهم منزلة حتى ننتقل من الفكر الإنسانى الطبيعى إلى نقيضه وهو ما سميته ب«فكر التوحش» الذى عادة ما تبنى عليه مختلف العنصريات المقيتة. ولأننى أنجزت بعض الأبحاث والدراسات عن هذا الفكر العدائى تحديدا فأنا على يقين أنه أخطر علينا مما يظن كثيرون، لأنه يعمل ضد المرأة، وضد الآخر الداخلى بكل تنويعاته ، ومن هنا تبدأ الفتن وتتزايد التوترات والصراعات التى تهدد مجتمعاتنا الوطنية الهشة أصلا، وقد تصيب الدولة ذاتها فى مقتل فتنهار السقوف على رءوس الجميع .
حتى بعض العبارات اليومية الشائعة يمكن أن تغذى «فكر التوحش» ونحن لا ندرك ذلك، كأن يدعى أحد أنه وجماعته المذهبية يمثلون «الدين الحق» أو «الدين الصحيح» فيما نعرف جيدا أن العالم الإسلامى أكبر وأغنى مما يتصور هؤلاء البسطاء ، وأن من حق أى مسلم من أى مذهب أو جنسية أن يفهم الدين ويمارس شعائره بالطريقة التى تخصه، والمعيار الأول والأهم هو إنسانى عام يحدده الخلق الفاضل والتعامل الحسن مع الآخرين وليس الطقوس الشكلية . وباختصار أقول إن التدين فطرة فى الإنسان، والإسلام حديقة واسعة كغيره من المعتقدات الكبرى شرقا وغربا، لكن هناك من يختار منها الأشواك والعصى ويترك أشهى الثمرات وأزكاها، وأعنى ذلك الخلق الفاضل الذى يغذى كل قول حسن ويحث على كل فعل خير جميل نبيل .
لقد كتبتم عن «الجمال» ودافعتم عن الآثار التاريخية التى يسعى بعض المتطرفين لتدميرها فى الوطن العربي.. فهل تأثر تكوينكم الثقافى بدراساتك الأدبية فى السوربون عن «الجمال والتراث»، وما السبيل لموجهة الذين يشوهون «الجمال»؟
لهذا السؤال علاقة بسابقه، فالعالم الإسلامى يعد مركز حضارات ومعبر شعوب وثقافات بقيت آثارها الجمالية قائمة فى كل مكان، واليوم يأتى جيل جديد ممن تحدثت عنهم يحاول أن يدمر التماثيل الفنية فى أفغانستان والعراق وسوريا، وهى إرث إنسانى عظيم يفترض أن نفتخر به ونحافظ عليه كما فعل أسلافنا الذين يحاول المتشددون تدميره باسمهم ويا للمفارقة. ولنتبين حجم الكارثة الحضارية إذا تخيلنا لو نجحت هذه الحركات العبثية فى تدمير التراث الفرعونى مثلا، فماذا يبقى لمصر من تراثها وثرواتها الحضارية التى ترعرعت فى وادى النيل منذ قرون ؟.
فهؤلاء الجهلة يفكرون فى التماثيل كأصنام و لا يرون فى الآهرامات وبقية الآثار الجمالية العظيمة إرثا حضاريا وإنسانيا مشتركا ، ولذا لا يهمهم أن يهمل أو يدمر.
ومع أننى غير متخصص فى هذا المجال، إلا أن تدريسى مقرر «علم الجمال» لأكثر من عشرين عاما، جعلنى ألقى محاضرات عامة حول التراث الفنى ومنه تلك الآثار، ولذا واجهت العديد من الاعتراضات الهادئة أوالعنيفة من ممثلى ثقافة القبح وفكر التوحش أنفسهم. طبعا لم ولن أبالى بذلك لأنه مما تعودت حتى من بعض الطلاب داخل الفصل أحيانا . لكنه من المحزن حقا أن تجادل بشرا لتقنعهم بأن تمثال رمسيس ليس صنما، وإنما تحفة فنية، وأن الأهرامات منجز حضارى فريد من نوعه، وأن الفنون الجميلة تنعش الروح وتمتع الحس وتصقل الذوق وتهذب الخلق، وأن تراثنا الجمالى يعزز انتماءنا الحضارى وهويتنا القومية وغير ذلك مما يفترض أنه من قبيل البدهيات.
كيف وجدت صورة الغرب فى الرواية العربية؟
أنجزت الأطروحة فى هذا الموضوع منذ ثلاثين عاما تقريبا وقد لا أتذكر التفاصيل.. لكن الذى لاحظته أن هناك تراجعا منظما للصور الإيجابية الغنية بالدلالات منذ رفاعة الطهطاوى وخير الدين التونسى ومحمد المويلحى فى القرن التاسع عشر، إلى طه حسين وتوفيق الحكيم ويحيى حقى فيما بين الحربين، وصولا إلى سهيل إدريس ويوسف إدريس وعبدالرحمن منيف فى الستينيات والسبعينيات. فالغرب كان يمثل النموذج الحضارى الجذاب حتى عند رجال الدين مثل جمال الدين الأفغانى ومحمد عبده، وفى فترة لاحقة هيمن الخطاب الوطنى المواجه للاستعمار، فبرزت صورة «الغرب العدو» وأصبح من النادر أن يميز الكتاب بين الوجه الإمبريالى القوى العنيف فعلا، والوجه الحضارى المتقدم علميا وثقافيا وفكريا والذى يعد المرجع الأهم لكل المنجزات الحضارية فى عالم اليوم. ومما زاد فى تشويه صور الذات والآخر أن تيارات يسارية وقومية نافذة انشغلت بما سمى « الغزو الفكري» فالتقت مع تيارات دينية لا أقل قوة وجاذبية، فبدت حقبة السبعينيات والثمانينيات، وكأننا فى حرب معممة ضد كل ما هو غربى إمبريالي. فى نهاية التسعينيات، قدمت ورقة فى «أصيلة» انتقدت فيها هذا المصطلح المزيف تماما، بل وطالبت بالترحيب بأى «غزو فكري» يمكننا من الفلسفات و العلوم الحديثة، وكانت ردود الفعل قوية لدى طيف واسع من الزملاء الباحثين والأدباء. ولكى أوضح قصدى عادة ما آخذ إسرائيل كمثال ، فهى دولة صغيرة جدا مساحة وسكانا ، ولم تنجح فى تحقيق مشروعها الاستعمارى الاستيطانى والتغلب على جيرانها إلا بفضل تطبيقها لما أسميه «الاستعارات الحضارية الكبري»، إذ استعارت من الغرب المتقدم منطق العلم الحديث، والنظام السياسى الحديث، والنظام الاقتصادى الحديث وهكذا، وهو ما فعله اليابانيون والهنود والصينيون وها هى شعوبهم تتقدم وتنافس المراكز الحضارية الغربية التقليدية فى كل المجالات. وإذا ما تمادينا فى هذه الإفكار المعادية للحضارة الغربية، فسيأتى جيل يعتقد أن الله لا يحبه، أو أن التخلف قدر علينا وابتلاء لنا، وفى هذا خطأ فادح ووهم كبير قد يصيب الوعى العام بالشلل. فالله سبحانه وتعالى خلق الناس جميعا بقدرات وطاقات متشابهة، وأتاح لهم الفرص والإمكانيات لاستكشاف قوانين الطبيعة واستثمار خيراتها، والفرق أن هناك شعوبا تفكر وتبدع وتستثمر وتعمر وتتطور، وأخرى تتعارك وتتقاتل لأتفه الأسباب وكأن مهمتها تبادل أسباب التدمير والتخريب والعياذ بالله .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.