رجب البنا من الأقوال الشائعة أن العرب تفرقهم السياسة وكرة القدم وتجميعهم الثقافة والفنون، وهذا يعنى أن المثقفين لهم دور كبير فى العمل لتوحيد الصف العربى، والتقريب بين المختلفين، لأن التفرقة والانقسام فى الجبهة العربية خطر شديد يمكن أعداء الأمة من النفاذ والتأثير والإفساد وتعطيل مسيرة الإصلاح. هذا ما يدعو إلى الدعوة إلى عقد عدة مؤتمرات تجمع المثقفين فى البلاد العربية، ويكون عقد كل مؤتمر منها فى بلد، وذلك ليبحثوا كيف يمكن تكوين رأى عام عربى موحد تجاه القضايا الأساسية التى تتعلق بالوجود وبالمستقبل، والاتفاق على خريطة طريق لحل المشكلات القائمة التى تفسد العلاقات بين بعض الأشقاء، وتعطل المسيرة نحو التقدم الجماعى. وليبحثوا أيضا إعداد برنامج للحوار حول واقع الثقافة العربية ومستقبلها، ويتفقوا على تصور مشروع لإعادة بناء العقل العربى، وضمن هذا البرنامج يتفق المثقفون على أن يتولوا مهمة تحليل الخطاب الدينى فى كل دولة عربية، وما فيه من إيجابيات وسلبيات لكى يعملوا فى ضوء هذا التحليل على تخليص المفاهيم والخطابات الدينية مما فيها من دعوات للتخلف، وتقديس كل ما هو قدم لمجرد أنه قديم، ورفض كل ما هو حديث لمجرد أنه حديث، مما جعل لمخلفات عصور الانحطاط الفكرى والحضارى التى مرت بالعالم العربى والإسلامى مكانة لا تستحقها. والأمل فى المثقفين لكى ينهضوا بهذه المسئولية، لأنهم هم الذين يعبرون عن ضمير الأمة، وهم الذين يحملون أو يجب أن يحملوا مشاعل التنوير، فضلا عما لهم من مكانة وتأثير فى العقل والوجدان العربى، وهم قادرون على إلهام الجماهير وتوجيهها نحو التقدم، كما كان يفعل جمال الدين الأفغانى ومحمد عبده وطه حسين والعقاد والحكيم وأمثالهم فى بقية الدول العربية، وكان الأفغانى ينبه دائما إلى الرسالة التى يجب أن يحملها المثقفون ويقول:«إنهم هم المتعلمون الذين يتمتعون بالروح الفلسفية النقدية، ويعملون بها فى مراجعة الماضى والتأمل فى الحاضر ويفسروا النبل الإنسانى، ويضيئوا الطريق لأبناء أمتهم ليرشدوهم إلى سواء السبيل»، هذا ما كان يقوله الأفغانى عن المثقفين، وما زالت هذه النظرة إلى المثقفين قائمة، وقد يستثنى منها قلة قليلة ممن يؤثرون الصمت والفرجة والاكتفاء بالملاحظة. ولا شك أن العالم العربى محتاج إلى «صحوة ثقافية» باعتبار أن الثقافة من أهم مفاتيح الحل للمشكلات المتزاحمة فى العالم العربى بما لديهم من مناهج التفكير والقدرة على استشراق المستقبل والبصيرة بما يعوق المسيرة، لذلك نحن فى حاجة شديدة إلى لقاءات دورية تجمع المثقفين من كل العالم العربى ليتبادلوا الرأى فى كيفية التصدى للتحديات والأخطار التى تهدد الأمة، وكيفية التعامل مع الصورة الذهنية النمطية السائدة فى الغرب عن العرب والمسلمين، التى تؤدى إلى مواقف عدائية فى الغرب تجاه العرب والمسلمين وأيضا ليبحثوا كيفية إعادة الحياة والحيوية إلى المؤسسات الثقافية فى الدول العربية وإيجاد صيغة للتعاون بينها. والأمل أن تتوصل هذه الحوارات إلى نوع من وحدة الفكر، فضلا عما تحققه من التلاشى الإنسانى والتفاعل وتبادل المعرفة، وينتهى ذلك إلى اتفاق جماعى على ميثاق شرف يلتزمون فيه بالعمل لخدمة أوطانهم ووطنهم العربى الكبير، وليس لخدمة فئة معينة أو للترويج لأجندات خاصة، وأن يلتزموا بحماية الأمن القومى والدفاع عن كرامة الإنسان وحريته، وأن يجعلوا معركتهم ضد فكر التخلف ودعم فكر التنوير وقيم التقدم وأن يكشفوا زيف الدعوات الرجعية الرافضة للحضارة والمدافعة عن عصور التخلف، وأن يحاربوا التضليل وثقافة التعصب والعنف ويكشفوا حقيقة الغزو الثقافى. وباختصار أملى أن يتفق المثقفون العرب على «إستراتيجية ثقافية للتقدم».