قبل ما يقرب من 2500 سنة حلم بطليموس الأول بأن تكون الإسكندرية مدينة عالمية تعبر عن عصره المزدهر فكانت المكتبة هى مشروعه.. وجاءت لتكون منارة للمعرفة والعلم لما يقرب من 200 سنة حتى تعرضت لحريق أت عليها. وظل حلم عودتها معلقا حتى تحقق عام 2002 ومنذ عودتها وحتى الآن وعلى مدى 15 عاما ظل دكتور إسماعيل سراج الدين أول مدير للمكتبة يحلم بما حلم به بطليموس ..كما يقول وبينما يستعد هو لتوديع حلمه وتستعد المكتبة لاستقبال مدير جديد يقدم لنا دكتور إسماعيل قائمة أحلامه ما تحقق منها وما لا زال معلقا فى رقبة المدير القادم.. فى حواره معنا لم ينكر دكتور إسماعيل أن التنسيق مع بعض أجهزة الدولة ومؤسساتها تأخر كثيرا ولم ينكر أيضا أن المعركة الفكرية مع الإرهاب لم تحسم حتى الآن وربما تحتاج لأكثر من عشر سنوات قادمة بينما رفض ان تتهم المكتبة بمحدودية الدور وأنها لاتتفاعل مع محيطها الجغرافى كما يجب.. فالحوار مع مدير مكتبة الإسكندرية له خصوصيته وبه كثير من التفاصيل.. بعد خمسة عشر عام وبينما تستعد لترك المنصب هل ترى أن ما حققته مكتبة الإسكندرية كان هو ما تم التخطيط له عندما توليت مسئوليتها وشاركت فى صياغة دورها؟ أنا راض تماما عما حققته مكتبة الإسكندرية على مدى السنوات الماضية ويكفى أن أذكر انه فى العام الماضى فى الفترة من مارس 2016 وحتى بداية ابريل 2017 حقق موقع مكتبة الإسكندرية أكثر من مليار اطلاع أى حوالى 100 مليون اطلاع شهريا بينما نحن موقع لمكان يقدم خدمة ثقافية ثقيلة فى محتواها الفكرى والمعرفى ولسنا موقعا إعلاميا يقدم أخبارا او مادة خفيفة ومسلية فهو خارج الاهتمام اليومى للمواطن العادى أو المواقع الالكترونية الخبرية، وهذا فى حد ذاته دليل على أننا أكثر مؤسسة متواصلة مع الشباب فى مصر, سواء لموقعها الالكترونى أو للمكان نفسه ولا اعرف مؤسسة أو مكان يأتيه مليون زائر سنويا كما يحدث للمكتبة. هل ترى أن تقييم دور المكتبة يمكن أن يقتصر فقط على عدد الزيارات لموقعها او لمبناها ماذا عن كونها مركزا للحوار الحضارى ولتصدير الفكر المستنير والمعرفة الحديثة وتحديدا داخل المؤسسات التعليمية والثقافية فى مصر باعتبارها أولى بهذا الآن ؟ منذ اليوم الأول لعمل المكتبة نسعى للتفاعل مع المؤسسات المعنية بالثقافة والفكر وحاولنا بقدر ما نستطيع ان نفتح جسورا للتفاعل المعرفى وأنجزنا فى هذا الإطار الكثير ولعل آخر مشروعاتنا خير دليل على هذا وهو مشروع سفارات المعرفة وهو برنامج يعتمد على التفاعل المعرفى باستخدام الكمبيوتر نتفاعل فيه الآن مع الجامعات والمراكز العلمية على مستوى الجمهورية من خلال حجرة واحدة يوفرها لنا المكان وتجهزها المكتبة بأجهزة الكمبيوتر والشاشات التفاعلية ويديرها موظفو المكتبة بحيث يتم متابعة كل أنشطة وفعاليات المكتبة بداخلها وكذلك التعامل مع كل خدماتها المعرفية والثقافية ليكون المكان سفارة حقيقية للمكتبة داخل الجامعة او الهيئة وفى خطتنا هذا العام ان ننجز 30 سفارة أنهينا منها حتى الآن 24 سفارة ولم يتبق سوى 6 سفارات فقط. هذا المشروع ربما تأخر كثيرا فالمكتبة تعمل منذ 15 عاما ولا نرى لها تأثيرا ملحوظا ثقافيا ومعرفيا لدى المؤسسات التعليمية مثلا فى اعتقادك هل هو تقصير منكم أم من تلك المؤسسات ؟ أظن أن مؤسسات الدولة غير متكاتفة وليس بينها تنسيق مشترك للتفاعل مع المكتبة أو حتى لتبنى مشروعا ثقافيا متكاملا مثل مكتبة الإسكندرية والتى هى مؤسسة ثقافية من الطراز الأول ودورنا هو توفير منتج ثقافى وليس بالتأكيد التنسيق ,, الأزمة الحقيقية لدينا هو مدى تقديرنا للثقافة كأداة للتغير وكهدف من أهداف التعليم وللأسف نظامنا التعليمى التلقينى هو السبب سواء فى المدارس أو الجامعات وللأسف من يديرون تلك المنظومة ربما لا يقدرون قيمة الثقافة ولابد من إصلاح منظومة التعليم التى تعتمد تماما على التلقين بدون الالتفات للمعرفة كقيمة وهدف وحتى المنظومة الرسمية التلقينية تلك لم يعد لها وجود فالطالب يعتمد على الدروس الخصوصية وتراجع تماما دور المدرسة كمكان وأصبح وقت الطالب ضائعا تماما وتلك جريمة شارك فى صنعاها الجميع الأهالى والمدارس وحتى الوزارات المختصة نفسها .. فلم يعد هناك مكان للإبداع أو الثقافة والمنتج النهائى يكون مجرد شهادات على ورق لا قيمة لها « هذه المنظومة التى تتحدث عنها قائمة منذ ما يقرب من خمسين عاما وتسوء بمرور الوقت وكلنا ندركها فلماذا لم تدفعوا لتغييرها ولو على المستوى المحلى للمكتبة وهى فى الأساس مؤسسة للمعرفة وبالتالى التغيير؟ ومن قال إننا لم نغير عندما يأتينى سنويا مليون زائر أغلبهم من طلبة المدارس والجامعات وننظم 1300 حدث ثقافى فى السنة منها 350 فى بيت السنارى فى قلب القاهرة , ويحضرها شباب وأطفال وشيوخ فهذا بالتأكيد له مردود مباشر وغير مباشر وعلى مستوى مدارس الإسكندرية لدينا 500 نادى علوم فى داخل المدارس نوفر لهم أجهزة الكمبيوتر ونعد البرامج داخل المدارس ويأتى لنا الطلبة للمكتبة أسبوعيا أو شهريا حسب البرنامج لتحقيق التواصل وتشجيع التفكير فى العلوم « نشكو من انتشار الأفكار المتطرفة وظهور تيارات عنف فكرى ما هو الدور الذى يجب أن تقوم به المكتبة وكيف يمكن أن تحدث تغييرا حقيقيا ولماذا يرى البعض أنها لم تقم بهذا الدور بعد مرور 15 عاما على إنشائها؟ تأثير الثقافة لا يظهر بين يوم وليلة خاصة فى التعامل مع منظومة فكر متطرف معقدة فى تنظيمها ولها تمويلها الضخم ليس على المستوى المحلى فقط بل على المستوى العالمي, ويعمل منذ أكثر من خمسين عاما بشكل تراكمى , نحن فى معركة فكرية ومعرفية حقيقية مع الإرهاب , والمكتبة تتفاعل مع هذا الملف منذ سنوات وعقدنا أكثر من مؤتمر وخرجنا بأطروحات ودراسات شديدة الأهمية ولا أتوقع أن يكون مردود هذا سريعا فهذه معركة تحتاج لسنوات لا تقل ربما عن عشر سنوات أخرى أو أكثر . عندما توليت مسئولية المكتبة كان لديك أحلام وأهداف ووقتها كتبتم أن للمكتبة أربعة أهداف تحديدا فما الذى أنجزته منها بعد 15 عاما ؟ بداية أنا لم أتعامل ولا زلت مع المكتبة باعتبارها مكتبة بالمعنى المتعارف عليه بل هى مشروع ثقافى متكامل لدرجة أنى فكرت ان أطلق عليها اسما مختلفا ولكننى حافظت على الاسم الأول لأنه جزء من تاريخها القديم فقد كنا نبحث عن إحياء روح المكتبة القديمة بأدوات العصر. والمكتبة القديمة لم تكن مكتبة ولكنها كانت منارة للفكر فى وقتها منذ اقترح إنشاءها(ديمتريوس الفاليري) على بطليموس الأول الذى كان يريد أن تكون الإسكندرية أعظم مدينة فى العالم فنصحه بألا يكتفى بالمعابد العظيمة المزينة والأبنية الفخمة نصحه بالعلم والمعرفة نصحه بما اسماه (معبد ربات الفنون) وان يجلب له أشهر العلماء والمفكرين ولا يكلفهم بعمل بل ويتركهم ليختاروا ما يريدون أن يفعلوه وان يتفاعلوا معا وهو ما نتج عن أعظم النظريات العلمية والاكتشافات المعرفية والكتابات الأدبية فلم تكن المكتبة والمخطوطات التى وصلت لمئات الألوف هى الهدف فهم لم يكتفوا بها بل كان هناك المتحف وأماكن للمعيشة وحديقة نباتات وحديقة حيوانات ومشرحة ومكتبة وظلت المكتبة تزداد وأضافوا لها مبنى إضافيا لتصبح واحدة من اكبر مكتبات عصرها، لدرجة أن اسم المكتبة طغى على اسم المجمع كله وكانت المكتبة مكانا للتعليم وليس للثقافة فقط ولدى الآن تمثال لفتيات يكتبن على لوحات الكتابة القديمة عندما تأتينى تلميذات المدارس الحديثة يعتقدن انه (أيباد) ونشرح لهم انه أيباد الزمن القديم, وأعود لأقول بعد 15 عاما من العمل المكتبة أنجزت بالفعل أهدافها ولكن تلك الأهداف لا تنتهى فهى أهداف لها استمرارية واستدامة فأن تكون المكتبة نافذة لمصر على العالم هدف تحقق وسيظل متحققا فالمكتبة لها وضعيتها وأهميتها العالمية ضمن أهم مائة مكتبة فى العالم والتى لا يشترك معها فى تلك القائمة من مصر سوى مكتبة دار الكتب كما أننا تلقينا اكبر تبرع فى تاريخ المكتبات وهو نصف مليون كتاب ومخطوطة تلقيناها من فرنسا ولدينا مشروعات مشتركة مع كبريات المكتبات فى العالم وهذا دليل على تحقق هذا الهدف. وماذا عن بقية الأهداف وتحديدا أن تكون مركزا للحوار الحضارى وان يعمل على تغيير الواقع الحضارى والثقافي؟ مكتبة الإسكندرية هى أكثر مؤسسة فى مصر نجحت فى التواصل مع المجتمع المصرى وأثرت فى الواقع الثقافى وكما قلت عندما يأتينى مليون زائر سنويا للمكان وما يزيد على مليار دخول على موقعى على الانترنت فهذا دليل تفاعل ونجاح كبير جدا .. ولو علمنا أن ما تنفقه الدولة على المكتبة لا يزيد على 1% من موازنة الجامعات فهل لو أضفنا لموازنة الجامعات نفس النسبة سوف يشعر احد بأى تغيير بالتأكيد لا بينما نحن استمع لنا العالم كله بدليل أن نصف المشاهدات على موقعنا من خارج مصر ولدينا الشبكة الإفريقية للمكتبات ونتولى رعاية شبكات المعلومات لكل من الكويت والسعودية , كما أن لدينا أول مركز للدراسات القبطية لتعليم اللغة القبطية ولدينا برامج متخصصة فى البحث العلمى المتجدد بخلاف عشرات المؤتمرات سنويا تواكب كل قضايا الفكر والسياسة والاقتصاد فى العالم كما أن المكتبة بها معمل ضخم يضم السوبر كمبيوتر يستفيد أساتذة الجامعات بحوالى 20 % من طاقته وتستخدم المكتبة 40% و40% مشروعات مشتركة مع جهات أوروبية وعربية. هناك من يرى أن أنشطة المكتبة لمستوى معين من الشعب ولم تتفاعل جماهيريا بشكل كاف فما ردك؟ هذا كلام غير حقيقى ولن انسى وقت ثورة يناير تم إحراق مبنى المحافظة والحزب الوطنى وقسم باب شرق بينما حمى الشباب وأبناء الإسكندرية المكتبة بأجسادهم وشكلوا حولها سلسلة بشرية ضخمة لحمايتها وكانت المظاهرات الضخمة تمر أمامها ولم يمسسها احد ومازلت احتفظ بصور الجدارية التى رسمها الشباب فى المندرة ووضعوا فيها المكتبة بجوار الهرم وأبو الهول باعتبارها من أعظم معالم مصر.