على مدى الأسابيع الماضية والعالم يعيش على وقع التصعيد المفاجئ والحرب الكلامية المستعرة بين الولاياتالمتحدةوكوريا الشمالية، التى وصلت لحد تبادل التهديد بشكل غير مسبوق، وذلك بعد التجربة الصاروخية السادسة التى أعلنت عنها بيونج يانج مطلع الشهر الحالى، حيث رفعت الولاياتالمتحدة شعارات من قبيل أن سياسة الصبر الاستراتيجى قد انتهت، وأن كل الخيارات مطروحة فى التعامل مع نظام بيونج يانج فى مؤشر واضح على تغير السياسة الأمريكية عقب سنوات من اجراء التجارب الصاروخية، ورد الأخيرة بأن لغة التهديدات لم تعد مجدية، وأن أى خطوة عسكرية أمريكية ستقابل بحرب شاملة ومدمرة، ولم تكتف بالأقوال فقط ولكنها اتبعتها بإجراء تجربة صاروخية وعرض عسكرى ضخم تم خلاله عرض ما شك الخبراء فى أنه صاروخ عابر للقارات. ومع أن الصراع فى شبه الجزيرة الكورية ليس بالجديد بل تخطى عمره نصف قرن تقريبا، إلا أن الجديد هذه المرة هو تبادل التهديد بشكل لم يعهده المجتمع الدولى أو الأطراف المباشرة المعنية بهذا الصراع والمقصود بها الصينواليابانوكوريا الجنوبية، الأمر الذى طرح تساؤلات حول امكانية اندلاع حرب فى هذه المنطقة الساخنة من العالم ستكون نتائجها مدمرة للجميع، أم أن هذا التصعيد المفاجىء ربما يمهد الطريق للعودة لمائدة المفاوضات واللقاءات التى توقفت منذ عام 2009. والثابت من وجهة نظر المحللين، أن هذه الأزمة بقدر ما حملت من تصريحات حادة ونارية من نائب الرئيس الامريكى مايك بنس خلال جولته الآسيوية التى كانت أبرز محطاتها اليابانوكوريا الجنوبية، وخلالها قام بزيارة المنطقة الحدودية منزوعة السلاح بين الكوريتين، بقدر ما كشفت عن عدة حقائق. أهمها على الاطلاق دور الصين وثقلها فى ادارة هذا النزاع، ففى كل حديث عن الأزمة تكون الصين حاضرة باعتبار أن أى اجراء يتخذ لابد أن يتم إما بمساعدة الصين أو بموافقتها كونها الشريك الاقتصادى والحليف الوحيد لهذا النظام المصنف ضمن محور الشر أو الدول المارقة. فرغم دعوة المجتمع الدولى للتهدئة، تبدو الصين بمفردها صاحبة الدور الأكبر الذى يراهن عليه الجميع وفى مقدمتهم الولاياتالمتحدة. وهو دور تدرك الصين ابعاده جيدا، حيث دعت جميع الأطراف للعودة لمائدة الحوار، مؤكدة على لسان مسئوليها أن شبه الجزيرة الكورية منطقة فى منتهى الحساسية والخطورة ويتعين على جميع الأطراف تفادى صب مزيد من الزيت على النار. ورغم أنها سبق وتفاعلت مع المجتمع الدولى من قبل فى مواجهة استفزازات بيونج يانج وفرضت حظرا على واردات الفحم من كوريا الشمالية، فضلا عن طرح وسائل إعلام صينية رسمية لاحتمال تقييد شحنات النفط المتجهه الى بيونج يانج، الا أن المشكلة من وجهة نظر المراقبين أن الصين لا ترغب فى اتخاذ اجراءات قوية ربما تسفر عن حالة من عدم الاستقرار أو الفوضى فى جارتها الشمالية أما الحقيقة الثانية فهى أنه رغم كل الانتقادات الموجهه لادارة أوباما السابقة فى التعامل مع بيونج يانج، فإن ادارة ترامب تجد نفسها فى نفس الموقف المشابه وهو الانتظار، بل إن تصريحات بنس النارية أعقبتها تصريحات أخرى له بأن واشنطن تبحث عن الأمن من خلال الوسائل السلمية، ثم تصريحات أخرى فحواها أن البيت الأبيض لن يرسم خطوطا حمراء، وهو ما يعنى أنه خلف لغة التهديد يتخذ البيت الابيض توجها محسوبا يعطى من خلاله الصين الوقت لتظهر ما إذا كانت مستعدة لاستخدام نفوذها وكبح جماح جارتها أم لا. والمشكلة فى الأزمة الراهنة أن الوضع فى المنطقة معقد إلى حد كبير، فإلى جانب الادارة الأمريكية الجديدة، هناك نوع من الجمود السياسى بعد عزل رئيسة كوريا الجنوبية، كما أن العلاقات بين الصينواليابانوكوريا الجنوبية تشوبها التوترات بسبب بعض القضايا التاريخية، فضلا عن أن الصين تعارض وبشدة نشر نظام الدفاع الصاروخى الأمريكى «ثاد» فى كوريا الجنوبية وتعتبره خطرا على أمنها، ومن ثم فالاختلافات الواضحة بين هذه الأطراف تصب فى مصلحة كوريا الشمالية. أما الحقيقة الأخيرة فهى أن السلوك الكورى الشمالى يبدو مختلفا هذه المرة عن المرات السابقة التى اعتادت فيها القيام بخطوات استفزازية تحصل من خلالها على بعض الترضيات الدبلوماسية والاقتصادية مع الاستمرار فى تطوير قدراتها النووية، فهذه المرة وفى ظل قيادة الزعيم المثير للجدل كيم جونج اون، تبدو عازمة وبشدة على المضى فى طريقها غير عابئة بالآخرين، وهو سلوك يعود فى جزء منه إلى تصميم زعيمها على البرنامج النووى، حيث يضعه على قمة أولوياته، فضلا عن أن كوريا الشمالية على لسان مسئوليها أكدت أنها تعلمت الدرس جيدا مما حدث فى الشرق الأوسط سواء ما حدث للعراق ورئيسه السابق صدام حسين، أو ما حدث أخيرا فى سوريا، وبالتالى فإن تمسك بيونج يانج ببرنامجها النووى مسألة لا نقاش فيها، ومن هنا كان رد التهديد بالتهديد كون الجميع يدرك حجم ترسانتها الصاروخية التى يصل مداها إلى سول وإلى اليابان، فضلا عن أسلحتها البيولوجية والكيميائية وجيشها الضخم الذى يصل عدده لمليون جندى، ومن ثم فإن أى حرب ستكون تداعياتها هائلة على المنطقة وحجم خسائرها البشرية والاقتصادية مدمرة، وهى أمور تتحسب لها طوكيو وسول جيدا. وهنا يشير الخبراء إلى محدودية البدائل المتاحة أمام ترامب، فهى لا تخرج عن سيناريوهين، الأول الضغط على الصين لفرض مزيد من العقوبات على كوريا الشمالية لدفعها لتغير نهجها، أو التلويح باتفاق سيتطلب تقديم تنازلات كبيرة تفتقد لضمانات يلتزم بها النظام. ويبقى فى النهاية أن الخطر الأكبر من وجهة نظر البعض ليس التهديد المتبادل، بل فى الولع المفاجئبالحديث عن استخدام السلاح النووى من قبل زعامات تملك القوة ولكنها تفتقد بالتأكيد للخبرة.