كنت فى الرابعة عشر من عمرى عندما وصفنى أحد أقاربى ب «النسوية - Femenist»، لم تخرج الكلمة من فمه بغرض الثناء, لكن التقريظ. وهنا ضج الجمهور بالضحك. شاركتهم بضحكة خفيفة ثم أكملت «كان وقع الكلمة غريبا على أذنى, ولأننى كنت أحب مجادلته لثقافته الواسعة, كنت مندهشة لاستخدامه تلك الكلمة ليعنفنى على أسلوبى معه فى المجادلة, وعندما استفسرت منه عن معنى الكلمة قال بثقة معناها المرأة التى تكره الرجال لأنها لا تجد رجلا تتزوجه. ................................................... وهنا ضحك الجمهور مرة أخرى. أكملت دون مشاركتهم الضحك». فتشت عن الكلمة فى القاموس ووجدت أنها تعنى الشخص الذى يؤمن بالمساواة بين الجنسين اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا. أذكر أول عمل قصصى لى كان عن رجل يسئ معاملة زوجته . عندما قرأها محرر إحدى الصحف فى لاجوس بدا عليه الانزعاج وهو ينصحنى بأن أغير النهاية لتكون نهاية سعيدة حتى لا أتهم بالنسوية. قلت أجادله «وما الضرر فى ذلك» رد على سيحكمون عليك بأنك امرأة بائسة لا تحب الرجال ولم تفلح فى أن تجد لها زوجا. منذ تلك اللحظة أطلقت على نفسى لقب «النسوية الأفريقية السعيدة, فالثقافة ليست هى التى تصنع الإنسان ولكن الإنسان هو الذى يصنع الثفافة» تعالى التصفيق من وسط القاعة. كانت المتحدثة على منصة «TEDx talk» هى الكاتبة النيجيرية الشابة «تشيماماندا نجوزى أديشىChimamanda Ngozi Adichie» من مواليد نيجيريا 1977 وهى متحدثة لبفة, خفيفة الظل, وشديدة الثقة بنفسها, وهى من الكاتبات والناشطات النسويات المعروفات على مستوى العالم . ولقد حصدت عدة جوائز محلية وعالمية. عن أعمالها. تقول أنه من خلال كتاباتها تحاول أن تضمد الجروح وتعيد الثقة للكبرياء المجروحة. من أشهر ما كتبته رواية عن الحرب الأهلية النيجيرية التى عرفت بحرب بيافرا»من يوليو 1967 حتى بداية عام 1970» وقد تحولت إلى فيلم سينمائى. ورواية «أميريكانا-»Americanah وهى عن فتاة نيجيرية هاجرت إلى الولاياتالمتحدة لتواجه ثقافة جديدة غريبة عليها , وقد رشحت الرواية لكى تتحول إلى فيلم . إلا أن أكثر ما أثار الجدل حولها هو مقالة طويلة كتبتها تحت عنوان ينبغى أن نكون كلنا نسويين we should all be femenists ولقد كتبتها بعد ظهورها فى البرنامج سابق الذكر, وكانت من أكثر المطبوعات مبيعا. وقامت المغنية الأمريكية السمراء باستعارة الخطاب الصوتى لتشيماماندا لتضمنه الأغنية التى غنتها بعنوان «لا عيب فيه flawless» عام 2013 . ومن الجدير بالذكر أن بيونسيه زارت مصر أكثر من مرة وهى مولعة بها وبالفراعنة خاصة كليوباترا التى تقمصت شخصيتها فى فيلم أدت فيه دور كليوباترا. وعندما صعدت لتتسلم جائزة الجرامى لهذا العام كانت ترتدى زيا شبيها بزى الفراعنة. فى مقابلة صحفية سألوا شيماماندا إذا ما كانت أغنية بيونسيه قد زادت من شهرتها . ردت قائلة «لقد طلبت منى إذنا فى استخدام الكلمة التى قمت بإلقائها على مسرح تيد كخلفية لأغنيتها. ولقد وافقت, وأنا أقدرها لذلك وأعرف كم هى واسعة الشهرة ولكننى لم أكن أنتظرها لتشهرنى. فأنا معروفة بأعمالى. ثم إن نظرتها النسوية تختلف تماما عن نظرتى فهى تضع اللوم دائما على الرجل وترجع كل شئ إليه . فى لقاء مع جمهورها فى لاجوس صيف العام الماضى وفى خنام ورشة لتعليم الكتابة قال لها أحد الحاضرين بعد أن فتحت باب المناقشة» لقد كنت أحبك وأحب كتاباتك ولكننى لم أعد أحبك بعد أن أصبحت النسوية هى قضيتك الأولى. ابتسمت وردت عليه قائلة «أحترم صدقك وشجاعتك لكن أرجوك لا تتخلى عن حبك لى لأننى أحب أن أكون محبوبة لكن بدون أن أتنازل عن قضيتى». وفى سؤال لإحدى الأمهات عما تنصح به لكى تنشئ به ابنتها بشكل مرض, ردت عليها «لا تداومى على القول لا تفعلى ذلك لأنك بنت, لا تعايرينها بأخيها الذكر ولا تسخرينها لخدمته كأن تقولى لها جهزى الأكل لأخيك لا تدعيها تنمو ومعها ينمو الشعور بالذنب لأنها أنثى. علميها أن تتصرف كإنسان وليس كنوع وكجنس مختلف». وفى مقابلة مع صحيفة غربية تؤكد تشيماماندا بأن هناك مشكلة بين الرجل والمرأة ينبغى الاعتراف بها والعمل على حلها, وفى سؤال عن بعض المواقف التى تأثرت بها فى بلدها كأنثى ردت قائلة «حدث فى أكثر من مرة أن أوقفنى أمن الفنادق الفخمة فى عاصمة بلدى يستجوبنى لمدة طويلة حتى يتأكد له بأننى لست بائعة هوى . وغالبا ما يتوجه النادل بالشكر إلى الرجل الذى معى وأكون أنا الذى نفحته البقشيش السخى!». وفى نهاية حديثها استشهدت بما قالته الناشطة الكينية «وانجارى ماثاى» الحاصلة على جائزة نوبل للسلام عام 2004 بأنه لكى ترى صورة وضع المرأة فى مجتمعاتنا واضحة ننظر إليها من زاوية المناصب, فكلما ارتفعت إلى أعلى ستجد المرأة ممثلة بشكل أقل. كاتبات يتناولن القضايا النسائية, ناشطات يدافعن عن الحقوق الإنسانية للمرأة الإفريقية. يطلقن أصواتهن من فوق منابر إعلامية مختلفة, بعضهن أعضاء فى منظمات حقوقية ومنظمات خيرية. كل همهن تغيير النظرة المكبلة لحرية المرأة والكابحة لإمكانيتها, حتى يكون بمقدورها أن توظف كل طاقاتها بشكل فعال يساهم فى بناء مجتمع صحى خال من العاهات الاجتماعية. من غينيا ريناتو سو Rainatou Sow عملت فى عدة منظمات منها اليونسيف ومنظمة الصحة العالمية وهى نفسها المؤسسة لمنظمة نسائية تحت عنوان «لننظر إلى كل امرأة بعين الاعتبار Make Every Woman Count - MEWC » ويدير هذه المنظمة فريق من الفتيات من إفريقيا وأوروبا وأمريكا وهى مدافعة قوية عن حقوق المرأة والعدالة فى حوار لها مع نساء من أجل إفريقيا Women 4 Africa تقول عن نفسها أنها محبة لاقتحام الصعب والحياة مجازفة كبيرة. فى سن الثانية عشر كنت مندهشة لماذا وأنا فى مدرستى أجد البنات فى مثل عمرى يعملن فى البيوت مع أمهاتهن ولا يذهبن للمدرسة. قررت تعليمهن . جمعت مجموعة من غير القادرات على الذهاب إلى المدارس فى فصول مسائية. ازدادت سعادتى عندما رأيتهن وقد التحقن بالجامعات. قصص نجاحهن شجعتنى على الانضمام إلى برلمان الأطفال, وكان منبرا للدفاع عن حقوق الصغيرات فى التعليم. عندما أكملت دراستى العليا ازداد شغفى وازداد حماسى لتبنى قضية المرأة فى بلادى خاصة عندما أعلن ا الاتحاد الإفريقى من نيروبى بأن الأعوام 2020- 2010 هى أعوام المرأة الإفريقية. قلت فى نفسى أن هذه فرصتى لأضغط أكثر فى هذا الاتجاه ولن يكون للمرأة دور فعال لو لم تصبح ضمن منظومة صنع القرار ولن يتسنى لهن ذلك بدون تعليم جيد. رغم أنه لم يكن بذهنى بالضبط ما ينبغى عمله, فكرت أنه من خلال المنظمة التى أسستها سوف أستطيع أن أمنحهن مساحة واسعة للبوح والفضفضة عما يجيش به صدورهن من أفعال وعما يدور فى رؤوسهن من أفكار. أسلط الضوء عليهن وأنشر أفكارهن على مستوى العالم. وعندما سئلت عن دور الرجال. قالت بالطبع لا يمكن أن ندفع بقضيتنا للأمام بدون مساعدتهم . فالمجتمع يظل ناقصا لو تجاهل أى نصف منه النصف الآخر . وأكثر ما أواجهه من تحديات هو التمويل. لم أترك محاولة لعمل اتصالات من أجل الدعم لمنظمتى.أردت أن أكون نموذجا يحتذى به من قبل القتيات الصغيرات والشباب الافريقى بوجه عام. آمل أن يزداد التمويل لنمو المشروعات النسائية. وردا على سؤال عما تأمل فى تحقيقه بحلول عام 2020 ردت قائلة عدم التمييز قانونا وواقعا, آمل أن يزداد تمثيل المرأة فى المواقع المهمة بنسة 50 %. أن يصل صوت افريقا للعالم متضمنا أصوات نسائها. يصل نقيا وليس مشوها بالرعب والجوع والتخلف . ومما يسعدنى أن أرى منظمة مثل نساء من أجل إفريقيا W4A التى تدافع عن انجازات المرأة الافريقية ولا ترى أن كلهن سلبيات أو ضحايا. النساء فى بلدى هن أول من يستيقظن وآخر من يذهبن إلى الفراش. عندهن من القوة ومن الجلد ما يجعلهن من أكثر النساء قدرة على االتحمل . الشئ الغريب والصادم عندما سافرت إلى أوروبا أننى وجدت الصورة عن الإفريقيات هى صورة المرأة المغتصبة أو المريضة بالإيدز أو تلك التى تحمل طفلا هزيلا يبكى وعلى وحهه الذباب أو امرأة ممزقة الثياب ودامية نتيجة للعنف الواقع عليها. ومن أجل هذا أسست منظمتى , لأعكس من خلالها الصورة الحقيقية للمرأة الإفريقية التى هى من أكثر النساء شجاعة وقوة على التحمل وأنها عل استعداد أن تضحى بنفسها من أجل أسرتها ومن أجل المجتمع. ومن كينيا نقابل «بيوريتى كاجويريا Purity Kagwiria» صحفية وناشطة نسائية منحت لقب الظاهرة النسائية . وهى المدير التنفيذى لمعهد أكيلى دادا Akili Dada وتعنى بالسواحيلية الأخت العاقلة, والمعهد يهيئ فرص للتعليم وللقيادة للنساء فى كينيا. ويضم فريق العمل مجموعة من الناشطات ,وعندما سئلت بيوريتى عن سر شغفها بقضية المرأة ردت بأنه قد طلب منها فى عام التخرج أن تكتب بحثا فى أى موضوع اجتماعى ينشغل به الناس, وتضيف قائلة «أثناء كتابة البحث وضعت يدى على مواضع الضعف فى العلاقة بين الرجل والمرأة, وقد اتسمت فى جانب منها بالعنف. انضممت لمنظمة مناهضة لإيقاع الإيذاء يالنساء. ما تأثرت به هو الحياة نفسها, لا أجدها تستحق التصنيف والتفرقة فى المعاملة, فكلنا أعضاء فى تلك الحياة. وكما قالت السيدة وانجارى ماثاى أى شيئ بسيط يقدمه الإنسان لمجتمعه هو بالتأكيد شئ مفيد مثل أن تزرع شجرة. الشئ البسيط بالنسبة لى هو ألا تظل المرأة كائنا مفعول به للرجل, فالحياة لا تستقيم إلا بتحقيق التوازن بين الجنسين. السيدة أو البروفيسيرة أما آتا آيدوو Ama Ata Aidoo من غانا هى كاتبة مسرحية وروائية وشاعرة وشغلت منصب وزيرة التعليم فى غانا عام 1982 وقد قامت عام 2000 بإقامة مؤسسة غير حكومية لدعم وتشجيع الكتاب من الفتيات والعمل على نشر أعمالهن. وقد عرض فيلم تسجيلى عنها بعنوان «فن أما آتا آيدو» والذى قام بإنتاجه وإخراجه الكاتبة والصحفية وصانعة الأفلام الغانية يابا بادو Yaba Badoe إنه يحكى للمتلقى رحلة العطاء الخلاق لتلك السيدة العظيمة من الاستعمار للاستقلال للوقت الحالى. وتكريما لها أنشأت الجامعة الإفريقية كلية الاتصالات AUCCحديثا قسما يحمل اسمها فى 16 مارس 2017 » Aido Centerوهو الأول من نوعه فى غرب إفريقيا ومن ضمن أهدافه صقل المهارات الإبداعية وتعليم فن كتابة السيناريو والقصص القصيرة والمقالات الصحفية والخطابية. والمركز به مكتبة تضم كل أعمال السيدة آما والكتاب الأفارقة المشهورين. كما ينظم المركز الندوات والمؤتمرات . كانت سعادتها غامرة وهى تحضر مناسبة افتتاح هذا القسم. وقد قوبلت بترحاب شديد من كل محبيها وتلاميذها وعشاقها.