في مثل هذا اليوم15 ابريل عام1891 أي منذ119 عاما تم توقيع الاتفاقية الأولي من نوعها لتأمين وصول مياه نهر عطبرة الي نهر النيل بصورة محسوبة. ووقعت الاتفاقية كل من بريطانيا وايطاليا( باعتبارهما من الدول الاستعمارية التي هيمنت علي اقدار الدول العربية والافريقية آنذاك) ويتزامن اتفاق مجلس المياه بدول حوض النيل بشرم الشيخ هذا الاسبوع مع اتفاقية1891 فقد تم انشاء مفوضية عليا لتنظيم التعاون بين دول الحوض هدفها عدم اقامة مشروعات تؤثر علي حصة كل من مصر والسودان. وفيما بين اتفاق1891 واتفاق2010 جرت اتفاقات اخري تعزز الهدف المنشود في مقدمتها معاهدة15 مايو1902 بين بريطانيا واثيوبيا واتفاق6 مايو1906 بين بريطانيا ودولة الكونغو وتقضي بألا ينشأ أو يسمح بإنشاء أي اشغال علي نهر سمليكي أو علي مقربة منه يكون من شأنها انقاص مقدار الماء الذي يصب في بحيرة البرت لتأمين مصالح بريطانيا ومصر في حوض النيل خاصة تأمين مياه النيل الأزرق وروافده الي مصر, وفي ديسمبر1925 تم تبادل المذكرات فيما بين بريطانيا وايطاليا وتعترف الحكومة الايطالية بالحقوق المائية والمكتسبة لمصر والسودان في مياه النيل الأزرق والنيل الأبيض وتتعهد فيها تجاه الاطراف الاخري المتعاقدة بألا تنشأ في أقاليم أعالي تلك الانهار أو فروعها أو روافدها أي منشآت يكون من شأنها تعديل كمية المياه التي يحملها الي نهر النيل تعديلا محسوسا, ووقعت مصر وبريطانيا( والأخيرة نيابة عن السودان وكينيا وتنجانيقا وأوغندا) وتنص الاتفاقية علي تحريم اقامة أي مشروع من أي نوع علي نهر النيل ورافده أو البحيرات التي تغذيها كلها إلا بموافقة مصر وبصفة خاصة إذا ما كانت لهذه المنشآت صلة بالري أو توليد الكهرباء, وفي هذا السياق جاءت عدة اتفاقيات اخري عام1932 بشأن حق مصر في بناء جبل الأولياء علي النيل لتخزين3.5 مليار متر مكعب وتم البناء عام1937 ثم جاءت اتفاقية8 نوفمبر1959 بين مصر والسودان بشأن مياه النيل استكمالا وتتويجا لمسلسل تلك الاتفاقات التاريخية التي تعزز حقوق مصر المائية المشروعة, سواء في عصر الامبراطوريات الاستعمارية السبع التي هيمنت علي كل من الشرق الأوسط وافريقيا أو علي مرحلة تحقيق استقلال دول المنطقتين. ولا عجب ان يواكب الاعلام المصري ممثلا في جريدة الأهرام عن كثب تطورات تلك الحقبة الزمنية الطويلة من منطلق ان حصة مصر المائية حق مشروع ومقدس, ويكفي الاشارة الي عدد من المقالات والكلمات الافتتاحية للأهرام في سنوات العشرينات وتحت عنوان( الاتفاق علي ماء النيل بين مصر والسودان) وتعقيبا علي قيام الانجليز بتشكيل لجنة لتوزيع ماء النيل بين مصر والسودان قالت الأهرام:( إن الانجليز لا يعملون عملا منزها عن السياسة ولا يعملون عملا الا لخدمة السياسة, والسياسة عندهم عامل من عوامل الاقتصاد حتي وصفهم نابليون بانهم أمة المخازن والدكاكين. وحتي وصفهم سواء بأن في كل انجليزي رجلين: رجل العمل الحر ورجل السياسة والغرض من تأليف اللجنة سياسي لا فني, والمسألة المعروضة عليها ليست توزيع المياه بل هي مسألة فصل السودان عن مصر). وتواصل جريدة الأهرام نشر مقالاتها ويكفي الاشارة الي عناوين بعضها ومنها مقال24 ابريل1926 تحت عنوان حقوق مصر المقدسة في المياه وسياسة الضغط علي الحكومة المصرية ومقال الحيلولة دون حرية مصر بماء النيل المنشور في21 ابريل1929 هذا بالاضافة الي نشر رسائل مراسل الأهرام الخاص في لندن التي ركزت علي تصريحات رجال الحكومة البريطانية وكذا تناول الصحف الانجليزية تطورات مسألة مياه النيل في صحف مانشستر جارديان, وجريدة التيميز اليوم.. الخ. كما حرصت الأهرام علي نشر النص الكامل لاتفاقية مياه النيل بين مصر وانجلترا في9 مايو1929 وفي الافتتاحية المنشورة في4 مايو1929 قالت الاهرام: إن حق الصحافة ان تفتح صدرها لكل باحث وناقد يريد الادلاء برأيه حيال هذه المسألة الخاصة بالاتفاق علي مياه النيل بين انجلترا ومصر, بل حق علي كل من له رأي أو وجهة نظر ان يتقدم بها الي الصحف التي هي منبر للرأي العام يلقي من فوق منصتها علي الجمهور بما ينير له المسالك والطرق, وكلنا يعلم ان النيل هو الدم الحي الذي يجري في شرايين البلاد فإذا ما مس هذا الدم ماس فإنما يمس الصميم من حياتنا. تلك كلمات قليلة من كم كثير علي مدي سنوات عديدة حرصت جريدة الأهرام علي الالتزام به لتنوير الرأي العام المصري بشأن مسألة المساس بحصة مصر في مياه النيل منذ عشرينيات القرن الماضي, ويبدو واضحا ان هذا المشهد التاريخي يتكرر أمام الجيل المصري المعاصر وهو يتابع نقاط الخلاف حول التقرير النهائي للجان الفنية للمفاوضات وانشاء مفوضية عليا للتعاون بين دول الحوض ولعل هذا يلقي مسئولية مصرية قومية علي هذا الجيل بالمشاركة الجادة مع وزارة الموارد المائية استعدادا لمؤتمر وزراء دول حوض النيل بأديس أبابا في يوليو المقبل من منطلق ان المسألة لا تخص وزارتنا وحدها بل تخص المجتمع كله بمنظماته وعلمائه وخبرائه.