جريدة مصر السينمائية هى شاهد على تاريخ مصر الحديث والمعاصر على مدار 75 عاما، والدكتور عبد الناصر أبوبكر الجوهيني ، مدير إدارة الجريدة ورئيس تحريرها (2010- 2017) هو رجل أمضى عمرا فى توثيق هذا التاريخ، حيث عمل مديرا للتصوير السينمائي بالجريدة منذ عام 1982، كما قام بإخراج الأفلام التسجيلية القصيرة من انتاج الهيئة العامة للإستعلامات ( القدرة والتحمل – الشراع البحرية – لن ترونا الا معا – مصري بدرجة فنان ..... وغيرها) وقام بتسجيل فقرات سينمائية للعديد من الزيارات التاريخية لرئيس الجمهورية في مصر والخارج، وبمناسة الاحتفال باليوبيل الماسى لصدور جريدة مصر السينمائية كان لنا معه هذا الحوار ........................................................... لماذا التمسك بجريدة مصر السينمائية بينما نحن نعيش عصر السرعة والسماء المفتوحة والفضائيات؟ أدركت ذلك سابقا وكان يجب أن تواكب الجريدة العصر ففي عام 2004 تقدمت إلى رئيس الهيئة في ذاك الوقت الإعلامي (نبيل عثمان) بورقة علمية (رؤية مستقبلية لتطوير جريدة مصر السينمائية) وفيها تصور مقترح لتطوير شكل ومضمون الجريدة ، بحيث تخرج من عباءة نشرة الأخبار التي لازمتها في وقت لم يكن هناك أي منبر إعلامي آخر غير الإذاعة، وقد تنبأ إلى أهمية ذلك الرئيس عبد الناصر فأولاها رعايته واستفادت الثورة كثيرا منها، خصوصا أن التليفزيون لم يكن قد بدأ البث، واستمرت في رسالتها كنشرة أخبار، وكانت رؤيتي أن يتحول المضمون من أخبار إلى فقرة تسجيلية تبرز الانجازات الحضارية، وتوثق الأحداث وكان لرد فعل الاعلامي (نبيل عثمان) أثره البالغ فأصدر قراره أن توضع كافة امكانيات الجريدة تحت تصرفي ، بينما لم أكن حينها مديرا بل كنت مصور سينمائي، وكان يديرها (مصطفى الرفاعي) وقمت بتصوير واخراج عدد كامل، استبدلت فيه الأخبار (1- استقبل الرئيس ظهر اليوم ملك البحرين وتبادلا العلاقات الثنائية بين البلدين ... 2- استقبال الرئيس السوري .. 3- استقبل ....) بفقرة تسجيلية واحدة ( في إطار دعم العمل العربي المشترك اجتمع الرئيس بقصر الاتحادية كل من الرئيس السوري وملك البحرين، ونوقشت القضايا التالية ...) وساعدني في ذلك الاعلامي (محمود سلطان) وكان هو من يسجل التعليق وبهذا التطوير أمكن تعدل مضمون الجريدة، حتى أصبح اذاعة أي فقرة وفي أي وقت لم تشعر المشاهد أنها قديمة، واستطاعت الجريدة السينمائية أن تذهب الملل الذي كان سيصيب المشاهد لاحساسة بأن الخبر قديم.. لماذا تصرون على تصوير الأخبار طالما الفضائيات تقوم بذلك؟. هناك أهداف من أجلها تصدر الجريدة، وهي مساندة النظام السياسي والاجتماعي للدولة، وتدعيم قيم التنمية للمواطن، والعمل على الاعلام بالانجازات التي تقوم بها الدولة، وبالطبع الفضائيات والتليفزيون المصري يقوم بذلك، ولكن ماذا عن الجمهور الذي يذهب الى دور العرض، اليس من الأفضل الا يترك هذا الجمهور! فهو يجلس في صالة مغلقه ينتظر الفيلم الذي جاء من أجله، وليس معه ريموت كنترول ليغير ما يعرض أمامه، ثم أن الجريدة لا تزيد عن تسع دقائق وليس كلها سياسة بل بها مباريات كرة وفن ومعارض واحتفالات تتميز بإخراج سينمائي جذاب ومونتاج سريع الإيقاع ومؤثرات صوتية وموسيقى تصويرية مثل الشريط السينمائي الروائي فكما تسميه النظريات الاعلامية حقنه تحت الجلد ، تستطيع أن توصل الرسالة الاعلامية المقصوده لعدد كبير من المشاهدين في جميع انحاء المحافظات. كيف كانت نشأة جريدة مصر السينمائية وما الهدف من اصدارها؟. "جريدة مصر السينمائية"، ظهرت في شكل غير منتظم. وبدأت في الانتظام عام 1941 ولم يكن اسمها في البداية "مصر السينمائية"، بل كانت تحمل عنوان "آمون"، وكان يصنعها آنذاك "محمد بيومي" رائد السينما المصرية الحديثة والذي ظل يصدر الجريدة المصورة، إلى العام 1925.حيث ظهرت "شركة مصر للتمثيل والسينما"، وأنتجت أشرطة الجريدة، وكانت تقدم في دور العرض قبل الأشرطة السينمائية صامتة، وفي عام 1937تحولت إلى "جريدة مصر الناطقة"، وفي عام 1954 تغير اسمها إلى "جريدة مصر السينمائية"، وأصبح صدورها منتظماً، وظلت جريدة مصر الناطقة محتفظة باسمها الذي أطلق عليها منذ عام 1937م ،ثم تحول أسمها في العدد رقم 673 في 25 إبريل عام 1960 وتمشيا مع سياسة التأميم للصناعة في مصر بما فيها صناعة السينما، انتقلت ملكية الجريدة إلى الدولة وتحول الإشراف عليها إلى أحد أجهزة الحكومة المهتمة بالناحية الإعلامية ( الهيئة العامة للسينما ) من 1963م إلى 1964م ثم إلى التليفزيون العربي من 1964م إلى 1971م ، في نوفمبر 1971 انتقلت التبعية إلى الهيئة العامة للاستعلامات وتغير اسمها إلي (جريدة مصر السينمائية) ابتداء من العدد رقم 1264 الصادر في 6 سبتمبر 1971 الذي يحوي (المتآمرون بالخيانة العظمى لمحكمة الثورة )، هذا إلي جانب إلغاء فكرة عمل أعداد خاصة من حيث التسمية، ولكن يمكن أن يكون هناك العديد من الأعداد يحوي جميع فقراتها موضوع واحد مثل رحلات الرئيس للخارج ، وعلى سبيل المثال العدد رقم 1270 الصادر في 18 أكتوبر 1971 بعنوان رحلة الرئيس السادات إلي الكويت ، إيران ، الاتحاد السوفيتي ، يوغسلافيا ، سوريا . تناوب الإشراف على الجريدة كل من الهيئة العامة للاستعلامات عام 1971 م ، والتلفزيون من عام 1971 حتى عام 1980 ،ثم مرة أخرى الهيئة العامة للاستعلامات من 1980 م وحتى الآن (2017) وفي العام 1996 أعلن وزير الثقافة المصري (فاروق حسني)، تخلي الدولة ممثلة في وزارة الثقافة عن صناعة السينما، وعن دور العرض، التي كانت الوزارة تملك حتى تاريخه 83 بالمئة من إجمالي عددها آنذاك، ومع خصخصة السينما، جرى تهميش جريدة مصر السينمائية، ورفعت من برامج دور العرض، وكانت عبئا على أصحاب هذه الدور. أرشيف الجريدة متى سنراه ، خصوصا أن أجيال شابة لم تشاهد شريطاً واحداً من هذه الجريدة في دور العرض؟. إعتاد الكثيرون التطلع إلى التاريخ عبر قراءة الوثائق والخطابات واجندات المؤرخين وذهب البعض الى البرديات، وجداريات المعابد، ويغيب عن خاطرهم أن للتارخ صور مرئية ناطقة، موجودة في حوزة الهيئة العامة للإستعلامات ، على أشرطة السينما. القليل منهم يجتهد في البحث عن التسجيلات القديمة، فهي كثيرة لدرجة أنها أعيت الباحثين، وهذا الكنز والأرشيف والوثائق التاريخية المصورة الوحيدة تحتاج إلى نقلها إلى النظام الرقمي حتى يتمكن الجميع من مشاهدتها. الا يوجد طريقة ما للحفاظ عليه من التلف وانت تقول أنها الوحيدة ؟ أوشكت الوثائق المرئية لجريدة مصر السينمائية بما تحمله من تاريخ حي بالصوت والصورة، على الاندثار الكامل! وكان أن أرسلت هيئة اليونيسكو الى الهيئة العامة للاستعلامات تعرب عن استعدادها للمساهمة في الحفاظ على نيجاتيف جريدة مصر السينمائية، ووافقت الهيئة العامة للاستعلامات على استضافة الخبير الجزائري (هاشمي زرتال) من أرشيف الفيلم الفرنسى، وجاه (زرتال) الى القاهرة فى مارس 1996 وقام بدراسة النيجاتيف تمهيدا لاعداد تقرير فني شامل. ولم يعود هذا الخبير مرة أخرى فحملت الهيئة العامة للاستعلامات على عاتقها منسؤولية الحفاظ على هذا الأرشيف . أدعو رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ووزير الثقافة ، أن يرسل خطابات لجميع مراكز وأرشيفات السينما في العالم يناشدهم فيه بالحصول على أعداد للجريدة قبل عام 1955 وأنادي بضرورة العثور علي هذه الأعداد المفقودة لانني متأكد من وجودها في مكان ما ماهي الجهود التي بذلت من قبل الهيئة للحفاظ على هذا التراث؟. o في مطلع العام (2004) قرر رئيس الهيئة العامة للاستعلامات (طه عبد العليم) أن يحيى هذه الجريدة مجدداً، عبر خطة إنقاذ متكاملة، تبدأ بترميم الأشرطة التي تلفت مع تقادم الزمن وسوء طرق الحفظ، ثم إجراء حصر كامل لها للتعرُّف على ما نقص منها ورحل د. عبد العليم عن منصبه ، لكن المشروع استكمل ومولته الهيئة، واستغرق العمل به تسعة أشهر ، وتم تحويل حوالي 50% من النيجاتيف إلى شرائط ديجيتال بيتا كام ( بالصيغة الرقمية ) ونأمل أن يتم تحول الباقي قبل أن يتلف. وأصبح ممكناً القول بأن جريدة مصر السينمائية التي تحتفظ بصفحات طويلة من تاريخ مصر صوتاً وصورة تم إنقاذها، أو بتعبير أدق، إنقاذ أغلبيتها من الاندثار الكامل. في هذا العام (2017) أهتم رئيس الهيئة (السفير صلاح عبد الصادق) بعمل قاعدة بيانات تضم كافة الفقرات بالجريدة السينمائية ووضع بيان بالتلفيات للعمل على ترميمها، وكذلك عمل خطة لتحويل كامل النيجاتيف إلى الصورة الرقمية (ديجيتال) وتم انشاء استوديو مونتاج رقمي متضمن معدات تمكن القائمين على الانتاج من العمل دون الاحتياج الى التعامل مع شركات القطاع الخاص. ماهي رؤيتك المستقبلية للنهوض بجريدة مصر السينمائية؟. أن الجريدة لم تكن موضع اهتمام طوال الفترة الماضية. لا أحد يهتم بالوثائق والتاريخ، سواء بالحفظ أو حتى بالإطلاع، وأتمنى أن نعيد إلى دائرة الاهتمام تلك الوثائق بالغة الخطورة عن تاريخ مصر والمنطقة العربية والعالم، وأناشد المركز القومي للسينما التسجيلية ، وصندوق التنمية الثقافية ومكتبة الإسكندرية والهيئة العامة للإستعلامات أن تتكاتف جهودهم في الحفاظ على هذا التراث العظيم الذي لايقدر بمال ، وأن يتم تحويل الشرائط السينمائية النيجاتيف إلى الصيغة الرقمية للحفاظ عليها، لأنها بالفعل بدأت في التحلل لسوء الحفظ ، كما أأمل تأخذ جريدة مصر السينمائية مكانتها الرسمية ، وبامكانياتها تستطيع أن تكون الوكالة الرسمية للأخبار المرئية وتعرض بشكل حصري أهم الأحداث على صفحة الهيئة العامة للإستعلامات على الإنترنت وتمد التليفزيون والوكالات العالمية بأهم مناسبات رئاسة الجمهورية ويكون لها صفة المصداقية والسرعة في بث فقرات صغيرة وعالية الدقة وترسل عبر الانترنت طبقا لبروتوكول كما تعمل وكالة أنباء الشرق الأوسط .