ربما لا أستطيع أن أتذكر كل تفاصيل المشاهد التي عشتها معه وقد أجد صعوبة في استرجاع كل ما سمعته من آراء وأفكار في حواراتنا الممتدة الا أنه لا يفارقني أبدا هذا الشعور الدافئ والحميم بأنها كانت لحظات ممتعة ومبهجة وكانت لقطات جميلة ومفرحة وأيضا كانت محطات انسانية عزيزة ستبقى دائما معي وفي ذاكرتي وعبر خيالي. تلك اللحظات واللقطات والمحطات التي شاطرتها مع سمير فريد الناقد السينمائي الكبير على امتداد أكثر من عقود ثلاثة أينما تكن لقاءاتنا.. فطالما التقينا كنا نكمل حوارنا وأتعلم منه كثيرا.. ونستعيد معا سرحاتنا ومعا نغزل ذاكرتنا السينمائية وننسج أحلامنا الفنية.. ومعه أكتشف ما هو الجديد في مغامراته واكتشافاته الخاصة بأفلام الماضي والحاضر وسينما الغرب والشرق. سمير فريد الذي تركنا ورحل سيظل في ذاكرتي هو من يكتب نقدا للأفلام ويحضر المهرجانات وينقل لنا ما شاهده من انتاج مبدعي جميع دول العالم.. يكتب ما شاهده وما عايشه. هو الناقد السينمائي الذي يرى في الفيلم المعنى والجمال والخيال والأمر الأهم انه يأخذ بيد القارئ المهتم بالسينما والشغوف بالأفلام لكى يرى معه كل هذا ويستمتع بهذا المعنى والجمال والخيال. لم تكن يحب تعبير «السيما» لأنه كان يرى في هذا التوصيف تحقيرا لفن السينما وتسطيحا لعظمتها. وكان يثمن في المثقف رغبته وقدرته على المشاركة (لا الفرجة فقط) وعلى اتخاذ المواقف والوقوف أمام طوفان القبح وكبت الحريات والتطرف الديني .. مهما كانت التبريرات والمسميات. مقالاته وكتبه ونشاطه السينمائي والثقافي كانت تجسيدا وتأكيدا لهذه المعاني والمواقف. عاموده اليومي «صوت وصورة» في «المصري اليوم» على مدى سنوات طويلة مئات المقالات عكست حرصه واهتمامه وقلقه وحبه وغضبه وحزنه وأيضا بهجته تجاه ما يحدث في مصر وفي العالم العربي وفي العالم كله. في هذا العامود اليومي كتب «يا له من تعبير مخيف ازدراء الأديان» لأنه حتى الذين لا يؤمنون بأي دين لا يستطيعون «ازدراء» مليارات البشر الذين يؤمنون بها، والا أصبحوا والمجانين سواء».. وقال أيضا «ليس بالمال وحده تنجح مهرجانات السينما أو غيرها من الفنون». هذه المقالات في حاجة الى جمعها ونشرها لنتذكر من جديد سمير فريد وما قاله عن حياتنا وأفلامنا وعن من صنعوا مجد مصر ومكانتها عبر التاريخ. وبالطبع ظل حلمه الأكبر متحف السينما أو مكتبة السينما التي تحوي تراث السينما وصناعها. تلك التي تحتفظ وتحمي الذاكرة السينمائية. تلك الذاكرة التي شكلتنا وشكلت حياة ومزاج وخيالات مشاهدي وعشاق الأفلام المصرية لأجيال عديدة. سمير فريد كان دائم الحرص على البحث والاكتشاف والتدقيق التأريخي لمحطات السينما. ومن هذا المنطلق جاءت كتبه عن السينما المصرية والعربية وكتابه «تاريخ الرقابة على السينما في مصر». وهكذا كتب سمير فريد عن اكتشاف له: «عندما أقوم بزيارة أى أرشيف أو مكتبة فى أى مكان أبحث عن الأفلام المصرية، وخاصة الصامتة، وعندما قمت بزيارة مكتبة الكونجرس الأمريكى فى واشنطن عام 1997 علمت أن هناك فيلما صامتا أنتج عام 1937 فى أرشيف متحف الفن الحديث فى نيويورك يحمل رقم 16109، واتصلت إدارة المكتبة بالمتحف، وتم تحديد موعد لمشاهدة الفيلم فى المتحف، بل إن المخرج فيكتور ستولوف سوف يحضر العرض، وكانت هذه مفاجأة كبرى حتى إننا بعد مشاهدة الفيلم والحوار مع ستولوف قمت بإعداد بحث نشر تحت عنوان «معجزة فى نيويورك» فى كتابى «فصول من تاريخ السينما المصرية» الذى أصدرته وزارة الثقافة عام 2002، وتطرق البحث إلى أحمد حسنين باشا لأن الفيلم أول فيلم صور فى واحة سيوة. سمير فريد الذي عرفته وأحببته وحاورته وطرت معه بخيالي أحيانا وبخياله أحيانا أخرى لن يموت أبدا فهو معى وأنا أشاهد فيلم جديدا يشد انتباهي ويبهرني وهو معي وأنا أقابل مخرجا مبدعا يتحدث بحماس عن فيلمه القادم وسمير فريد معي أيضا, وأنا أقرأ كتابا شيقا ومبهرا عن حوارات مع مخرجين عالميين لم يبعدهم القبح المتفشي في حياتنا عن مطاردة أحلامهم والامساك بالمستحيل وتجسيده في شريط سينمائي. كما أنه معي أيضا وأنا أتجول في مكتبة ما أو متحف ما يحتضن ذاكرة صناع السينما وسحرها. في لقائنا الأخير الذي كان قبل أيام من ذهابه الي مهرجان برلين لتسلم جائزته. دار الحوار بيننا كالعادة عن الذكريات والأحلام ومقاومة القبح والسفاهة في حياتنا . وكالعادة قلنا الى اللقاء وكانت ابتسامته وبريق عينيه كما اعتدت أن أراه وأتوقف أمامه في نهاية كل لقاء بيننا. وقتها خرجت من مكان اللقاء بالزمالك وأنا أمشي وأستعيد لقطات معايشتي لهذا الأستاذ الصديق العزيز الانسان .. أعيش لقطات بهجة الاكتشاف وانطلاق الخيال وتحليق الابداع واحتضان الجمال .. وأيضا ذاكرة الحلم وأحلام الذاكرة تلك التي تساعدنا وتساعدني على وجه الخصوص ( وأنا أقر واعترف دائما بذلك) في مواجهة الواقع والبشر والجو العام. وتساءلت أيضا .. ان كنت سألتقي به مرة أخرى؟! سكوت .. نعم سنتذكر ونعيش من جديد .. ونبتهج ونبكي ونمسح دموعنا ونثمن حياة من حرص على توسيع دائرة اهتمامنا بالسينما والحياة وتعميق فهمنا لمعانيها وحواديتها وحكائها وحكمائها. نعم سمير فريد فارقنا في مشهد صادم وحزين لنا الا أنه كان معنا في مشاهد سعيدة عديدة عبر شريط سينمائي طويل عشناه نحن به ومعه وبفضله.. لقطات ظلت وستظل في ذاكرتنا ووجداننا نسترجعها من حين لحين لكى نرى حياتنا بشكل أجمل وأعمق وأمتع. ما يصنعه الفيلم العظيم في حياتنا صنعه وشكله سمير فريد في حياتي .. وبالتأكيد في حياة كل عاشق للسينما وأهلها وأفلامها ودور عرضها وأفيشاتها وجمهورها وكل ما يقال وما يكتب عنها بأي لغة في العالم. [email protected]