هو كاتب له خصوصيات فريدة فى كتابته، لم تجذبه أضواء القاهرة، وإنما عالج بإبداعه قضايا وطنه الأصغر «مدينة المحلة»، فأصبح سفيرا إبداعيا لها، كما برع فى الكتابة للأطفال براعته فى الكتابة للكبار، فعندما يكتب للأطفال، تشعر بأن طفلا يكتب عن أقرانه ويعبر عن أفكارهم، بينما تشعر بخبرة السنين فى كتاباته للكبار. ورغم عشرات الإصدارات الإبداعية على مدى عقود بين قصص وروايات وكتابات درامية وحكايات للطفل، تأتى المفاجأة المدوية، وهى أن جار النبى الحلو لم يفز بجائزة واحدة طوال حياته! والآن تحتفل الأوساط الثقافية ببلوغ كاتبنا الكبير جار النبى الحلو، أو «عم جار» كما يحلو للمثقفين أن ينادوه، سن السبعين، فى مقدمتها «أخبار الأدب» و«أدب ونقد» و«رؤية». وعن كل ما سبق، كان هذا الحوار معه.. بم تشعر الآن ومثقفو مصر يحتفلون ببلوغك سن السبعين؟ أشعر بفرح فى عائلتى الثقافية، وبأننى كنت قادراً على الاحتفاظ بهم وبمحبتهم حتى اللحظة، وعلى أنهم منحونى حبهم لى ولأعمالى الأدبية، وأنا فخور بهم، وممتن لهم، والفرح الأكبر أنى رأيت هذا فى حياتي، وأنهم لم ينتظروا موتى للاحتفاء بي. فى الاحتفال بسبعينيتك نواجه حقيقة أنك لم تفز بأى جائزة من جوائز الدولة رغم تاريخك الإبداعى الحافل.. ما تعليقك؟ لم أفز بأى جائزة, سواء من جوائز الدولة أو غير الدولة، عن الأعمال الروائية أوالقصصية أوحكاياتي؛ أنا لا أعرف كيفية الفوز بالجوائز، ولا أعرف من الخاسر الحقيقي، ولكنى فزت بما كتبت، وفزت بمن أحبوني، وبشباب أحبوا أعمالي. وهذا لا يقلل من قيمة الجائزة للمبدع؛ فهى تقدير لمشوار أو إنجاز، ودعم للكاتب. عبرت عن مدينتك «المحلة» فى الكثير من أعمالك.. ألم تفكر فى الكتابة عن القاهرة؟ ولماذا أكتب عن القاهرة؟! أهلها يكتبون عنها. أنا أكتب عن ناس أعرفهم، وشوارع جريت فيها طفلاً، وحكايات من كنوز مدينتى وبيت أسرتي، فأحداث المحلة حواديت، والقاهرة وأزقتها أيضا حواديت، ولكنى أكتب عما أعرف. من المعروف أن الرواية تتأخر فى معالجة القضايا التاريخية لأنها تنتظر انتهاء الحدث حتى تقدم رؤية متكاملة عنه.. من هذا المنطلق كيف تقيم معالجتك لثورة يناير فى رواية «العجوزان»؟ لم أعالج ثورة «يناير» فى رواية «العجوزان» إنما هو مجرد فصل من الرواية بعنوان «25 يناير - 11 فبراير»، وما عاشه كل المصريين عاشه «العجوزان» فى لحظة الدفاع عن البيوت ضد اللصوص الهاربين، عن لحظة التكتل ضد الانفلات. بالضبط هو اختيار العجوزين للدفاع عن الوطن. هما عاشا هذه اللحظة. وليس هناك أى ادعاء أنهما من مفجرى ثورة 25 يناير، بل هما جزء منها. بعد كتاباتك المتعددة للأطفال، تحولت فى رواية «العجوزان» لتعالج قضايا كبار السن.. ما سر هذا التحول؟ كتبت القصة القصيرة والرواية قبل الكتابة للطفل، والموضوع ليس انتقالاً من محاولة لمحاولة، فالكاتب له أن يكتب ما يراه، وتتعدد أشكال تناوله إبداعياً. وقد كتبت للطفل فى أمتع لحظات الإبداع السعيدة، ولعبت معه، وأضاف لى الطفل خيالاً وأطيافاً مختلفة، وترسخ عندى أنى لابد أن أكتب كتابة مختلفة وحقيقية للطفل، وليس كما يفعل البعض الذى يظن أنه يكتب لمجموعة من البلهاء؛ فالحقيقة أن الأطفال أذكى منا، وأكثر أهمية لمستقبل الوطن. تحدثت كثيرا عن أثر «حواديت جدتك» فى حياتك، فهل لهذه الحواديت أثر فى اتجاهك للكتابة للأطفال؟ كانت لى جدة - لأمى - قعيدة. كنت فى العاشرة من عمرى حين بدأت أحمل كراستى وأذهب إليها لأكتب ما تحكيه لي، كانت تدهشنى بإلقائها، وحواديتها العجيبة المثيرة، وكنت أحاول كتابة هذه الحواديت مرة ثانية وثالثة، ولكنى كنت دائماً أشعر أن حواديتها أجمل. أنا مدين لجدتى التى وهبتنى الكثير من الحكايات والحواديت التى لم انته منها بعد. نفيت أى فضل للغرب علينا فى كتابة القصة القصيرة وقلت إنها ابنة التراث العربي.. كيف؟ أنا قرأت حواديت الشعوب، وكم تتشابه فى اليابان ومصر وألمانيا وروسيا.. إلخ، إن الفن هو طفولة الإنسانية، وليس للغرب الفضل علينا فى كتابة القصة أو الحكاية، فى مصر القديمة - الفرعونية - كان الشعر والمسرح والسرد، وما كتب على جدران المعابد هو السرد فى أبهى حالاته: حين يصف المعارك أو الابتهال للإله، ولعل شكاوى الفلاح الفصيح صورة جلية لفن سرد الحكاية، كما أن الثقافة العربية وما قدمته من كتب مثل البخلاء للجاحظ، أو كليلة ودمنة، وألف ليلة وليلة، والجبرتي، كل هذه الإبداعات تؤكد أننا نمتلك ثقافتنا وابداعتنا المتميزة. قلت إن الرواية هى «ذاكرة الواقع والتاريخ».. هل يعد ذلك انحيازا منك لفن الرواية؟ قلت إن الرواية ذاكرة الواقع والتاريخ، نعم؛ ولكن هذا لا يعنى أن تمثال نهضة مصر أو الشعر أو الفن التشكيلى ليس ذاكرة للوطن. علينا أن نتفق أن الإبداع الحقيقى والمعبر عن روح الشعوب - أياً كان نوعه - هو الذى يبقي.