أقامت دار الأوبرا المصرية منذ أيام حفلها الكبير بمناسبة الذكرى الأربعين لرحيل عندليب الغناء المصرى والعربى عبد الحليم حافظ وكرم خلاله الكاتب والأديب حلمى النمنم وزير الثقافة ود.إيناس عبد الدايم رئيسة الأوبرا كوكبة من المبدعين الموسيقيين والشعراء والإعلاميين الذين رافقوا العندليب فى مشواره الفنى بتسليمهم درع الأوبرا المصرية .. أعادنى الحفل إلى زمن الفن الجميل الذى منحنا هذا الثراء الكبير من الأغنيات الوطنية والعاطفية الراقية التى لا تزال تعيش فى وجداننا حتى الآن وانفتح خلاله عندليب الغناء على كل الشعراء المصريين والعرب الذين التفوا حوله وأسهموا بأشعارهم وأغانيهم فى دعم مسيرته الغنائية التى امتدت على مدى خمسة وعشرين عاماً ليحصل على أحلى ما أنتجه كل واحد منهم فى مجال الكلمة الراقية ونذكر منهم صلاح عبد الصبور وأحمد شفيق كامل وصلاح جاهين وحسين السيد ومرسى جميل عزيز وكامل الشناوى وأنور عبد الله وفتحى قوره ومأمون الشناوى وعبد الفتاح مصطفى واسماعيل الحبروك ونزار قبانى وعبد الله الفيصل والأبنودى وسمير محبوب وعلى مجدى وصلاح أبو سالم ومحمد حمزة ومجدى نجيب وكاتب هذه السطور وغيرهم، كما جمع حوله خلال هذه الفترة القصيرة أساطير الموسيقى ليحصل على أحلى ما أبدعه كل منهم فى مجال النغم الجميل موسيقار الأجيال عبد الوهاب والسنباطى وكمال الطويل ومحمد الموجى ومنير مراد وبليغ حمدى ومحمود الشريف وأحمد صدقى وغيرهم من الشعراء والملحنين ممن لم تسعفنا الذاكرة بأسمائهم ليكون العندليب هو أكبر مطرب عربى جمع حوله كل هؤلاء المبدعين الذين كانوا يتسابقون من أجل أن يفوز كل منهم ولو بأغنية واحدة بصوت العندليب. وكان ذكاء عبد الحليم يفرض عليه أن يدقق فى اختيار كلمات الأغانى والألحان التى كانت تعرض عليه ويناقش المؤلف والملحن فى موضوع الأغنية وفكرتها قبل أن يوافق على إنتاجها، أما الشعراء الكبار الذين كانوا موضع ثقته فيسعد كثيراً عندما يبادرونه بكلمات أغنية جديدة أو لحن جديد خاصة فى الأغنيات والقصائد الوطنية التى تتغنى بحب الوطن، وهناك حكايات كثيرة وراء أغنيات شهيرة أنتجها لشركته صوت الفن ونذكر منها رائعته «رسالة من تحت الماء» وكنت شاهدا على خطوات انتاجها واختارها له عازف الكمان الأول صديقه أحمد الحفناوى من ديوان الشاعر الكبير نزار قبانى وكانت سبباً فى عودة الموجى لعبد الحليم بعد خصام طويل استمر لمدة ثلاث سنوات وبالفعل لحن الموجى المذهب وغناه بصوته على آلة العود بمصاحبة عزف الحفناوى على آلة الكمان وكان هذا فى منزل الموجى بشارع البراد بالعباسية ويقول نزار «لو كنت حبيبى ساعدنى كى أرحل عنك.. لو كنت طبيبى ساعدنى كى أشفى منك» وكان المقطع الذى تدخل فيه عبد الحليم وطلب تعديله بعد أن اشتد عليه المرض وسافر للعلاج بمستشفى لندن كلينك وأخذ معه شريط كاسيت القصيدة وتبين له وهو يستمع إلى اللحن بصوت الموجى الشطرات التى تقول «الموج الأزرق فى عينيك ينادينى نحو الأعمق .. وأنا ما عندى تجربة فى الحب ولا عندى زورق .. إن كنت أعز عليك فخذ بيدى .. فأنا عاشقة من رأسى حتى قدمى» فانتفض عبد الحليم حافظ وهو على سرير المرض واتصل بالموجى فى القاهرة من لندن وقال له أن كلمة عاشقة تغنيها امرأة وطلب منه الاتصال بنزار الذى قام بالتعديل فوراً لنصل الى شطرة «فأنا مشتاق من رأسى حتى قدمى» فارتاح عبد الحليم لهذا التعديل وشكر الموجى على ذلك واستمر عبد الحليم فى سماع اللحن حتى آخره وتبين له أيضاً أن الأمر يحتاج إلى تعديل فقال: له الموجى إيه كمان يا عندليب، كان ذلك فى المقطع الذى يقول «إنى أتنفس تحت الماء.. أنى أغرق أغرق» فأراد عبد الحليم أن يشعر بحالة الغرق فى اللحن فقال له الموجى بحنكته الموسيقية سوف أفعل ذلك أثناء وجود الفرقة الموسيقية فى البروفات وقبل التسجيل فابتسم عبد الحليم وقال له كيف يا موجى وهو يعرف أنه قادر بعبقريته الموسيقية على أن يحقق ذلك، وأثناء البروفات وقبل التسجيل (وكنت حاضرا هذه البروفة) بعد أن تماثل عبد الحليم للشفاء وعاد إلى مصر وكان فى قمة قلقه خشية ألا يتحقق له ما يريد رغم ثقته فى الموجى الذى طلب دمج بعض الآلات الموسيقية مع جيتارين مختلفي الأداء وكان يعزف عليهما عمر خورشيد فجاءت النغمة من الجيتارين معاً فاستمع إليها عبد الحليم وشعر أنها قادمة من عمق البحر فابتسم وصفق لعمر خورشيد. ولم يكن عبد الحليم وحده هو الذى يطلب التعديل فى الكلمات والألحان ولكن كانت أم كلثوم تفعل ذلك أيضاً بدليل أن أحمد شفيق كامل عندما عرض عليها رائعتها «أنت عمرى» كان مطلع الأغنية «شوقونى عنيك لأيامى اللى راحوا» غيرتها أم كلثوم إلى «رجعونى عنيك» وهكذا نجحت أم كلثوم وعبد الحليم وكذلك فريد الأطرش ونجاة وشادية وفايزة وغيرهم فى أن تعيش أغانيهم فى وجدان الجماهير عشرات السنين. وتبقى كلمة شكر للفنانة القديرة إيناس عبد الدايم رئيسة الأوبرا التى أصبحت الأوبرا فى عهدها أكبر منارة للثقافة والفنون الراقية والهادفة فى الشرق الأوسط وحائط صد لكل الفنون الهابطة والرخيصة وأمل كل أسرة مصرية أن تحظى بإحدى حفلاتها التى أصبحت كاملة العدد طوال العام وهذا ما حدث فى حفل تكريم رفقاء العندليب فى ذكرى مرور أربعين عاماً على رحيله.