قالوا: "العمل بغير نية عناء، والنية بغير إخلاص رياء، والإخلاص من غير صدق وتحقيق هباء". وسُئل أحد الحكماء: أي الأصحاب أبر وأوفي؟ فقال: "العمل الصالح". ودعا العلماء إلى أن يكون للمرء في كل شيء نية، حتى فيما يأكل ويعمل وينام. إن صلاح العمل مرتبط بصلاح النية، فإذا صلحت النية كان العمل صالحًا. وفساد العمل مرتبط بفساد النية، فإذا فسدت النية كان العمل فاسدًا. وهكذا تتفاوت درجات العمل، بحسب تفاوت درجات النية، حتى قالوا إن من خرج للجهاد في سبيل الله، ولإصابة الدنيا، معا، كان ثوابه، من جهاده، بحسب الغالب على نيته. قال تعالى: "وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا". (طه: 112). وتعني "النية" في اللغة: القصد والإرادة، وهي عبادة قلبية معنوية، ويُؤجر الإنسان على النية الصالحة، ولو لم يعملها، ويأثم على النية الفاسدة، ولو لم يعملها، كذلك. وفي الحديث: "روى الترمذي وأحمد عن أبي كَبْشَةَ الأَنَّمَارِيُّ، رضي الله عنه، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ: عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَفْضَلِ المَنَازِلِ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا، فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَخْبَثِ المَنَازِلِ، وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا، فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ". (قال الترمذي عقبه: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ"، وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي"). وعن أبي عبد الله، جابر بن عبد الله الأنصاري، رضي الله عنه، قال: "كنا مع النبي، صلى الله عليه وسلم، في غزاة، فقال: "إن بالمدينة لرجالاً، ما سرتم مسيراً، ولا قطعتم وادياً، إلا كانوا معكم، حبسهم المرض". وفي رواية: "إلا شركوكم في الأجر". (مسلم). ورواه البخاري عن أنس، فقال: "رجعنا من غزوة تبوك مع النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: "إن أقواماً خلفنا بالمدينة (تخلفوا بعذر).. ما سلكنا شعباً، ولا وادياً إلا، وهم معنا، حبسهم العذر". والمعني: "ما سرتم سيراً، أو في مكان من الأمكنة، ولا قطعتم وادياً، إلا كانوا معكم في الأجر". وبحسب "الأربعين النووية" للإمام النووي: "هذا يدل على أن المجاهد أو من خرج في سبيل الله، أنه يُكتب له عمله، منذ أن خرج، فيكتب له مشيه وقيامه، وقعوده، وصنعه للطعام، وحركاته جميعاً تكتب له بمجرد خروجه من بيته، وليس جهاده فقط هو ما يعمله في قتال العدو إذا لقيه، وإنما هو في عمل صالح، وجهاد بمجرد الخروج". وأثنى الله تعالى على الذين بايعوا النبي، صلى الله عليه وسلم، في بيعة "الرضوان"، وأشار إلى أمر يتعلق بنياتهم الصحيحة، فقال تعالى: "لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا".(الفتح: 18). وقال النبي، صلى الله عليه وسلم، كذلك: "إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجرتَ عليها حتى ما تجعل في فم امرأتك".(صحيح البخاري). والأمر هكذا، قال شيخ الإسلام، أحمد بن تيمية: "من نوى الخير، وعمل منه مقدوره، وعجز عن إكماله: كان له أجر عامل". (مجموع الفتاوى). أما ابن المبارك فقال: "رب عمل صغير تكثّره النية، ورب عمل كثير تصغره النية". فيما قال بعض السلف: "أخلص النية في أعمالك.. يكفِك القليل من العمل". وأوصى الإمام أحمد ابنه فقال: "يا بني انوِ الخير، فإنك لا تزال بخير ما نويتَ الخير". [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد;