استقر فى الذهنية العربية والوجدان الشعبى، ما سعى إلى ترسيخه أساتذة أفاضل عروبيون بلا جدال، أن هناك ما يسمى النظام الإقليمى العربى، وهو المعنى بأنه يضم جميع الدول العربية الناطقة الضاد والضاربة فى التاريخ القديم. باعتبارها صاحبة الحضارات القديمة ومهبط الأديان السماوية الثلاثة، ومن ثم فإن هذا النظام مرشح لأن يكون كتلة سياسية واحدة، وكيانا اقتصاديا ضخما، وليس مجرد بقعة جغرافية متجاورة فحسب، وبالتالى فإن حصاد هذا النظام بقواعد عمله يجب أن تصب فى تحقيق مشروع الوحدة العربية، فارتضى الجميع بأن تكون جامعة الدول العربية هى الآلية لتجسيد إرادة الشعوب فى تحقيق حلم الوحدة. وعلى الرغم من مرور (72) عاما على تأسيس الجامعة العربية، وتوالى أمين عام وراء أمين عام، وآخرهم أحمد أبوالغيط، فإن أن جدول الأعمال كما هو: المصالحات والتنازلات تلو الأخرى، وتجاهل العدو المركزى فى قضية النظام الإقليمى العربى وهو الكيان الصهيونى (إسرائيل) رغم أن المؤتمر الأخير للقادة العرب انعقد فى البحر الميت على الضفة الشرقية، بينما العدو الصهيونى على الضفة الغربية الأخرى، ومن ثم أصبحنا أمام مشهد عبثى بعيدا عن المبالغات والكلمات الرنانة فارغة المعنى والمحتوى، كما أصبح العدو الجديد هو إيران دولة الجوار والدين، وكأن دولة إسرائيل الصهيونية أصبحت جزءا من النظام الإقليمى العربى، وهى فى الحقيقة أحد الكيانات المندسة فى جسد الأمة العربية من أجل إعاقة تحقيق مشروع الوحدة العربية واستحالة تنفيذه. فماذا إذن عن الواقع الذى نعيشه ونشاهد وصوله الواحد تلو الآخر؟ فمنذ أن سلم النظام الإقليمى العربى، فى الشأن الليبى إلى النظام الدولى والشرق أوسطى، وتضمن القبول العربى للتدخل الدولى العربى ممثلا فى تحالف الناتو فى ليبيا، للقضاء على نظام العقيد القذافى، ودعم «المتمردين» عليه آنذاك وتقوية شوكتهم وأظهار الأمر على أنه ثورة شعبية وهى لم تكن كذلك بعد انقشاع الغبار والزيف الإعلامى، فقد أصبح النظام الإقليمى العربى وهما.. لا حقيقة، والحديث عنه يعتبر مضيعة للوقت،، وقد عايشنا واقعة استبعاد سوريا الدولة والنظام من مقعدها واعتباره خاليا رغم أن جهود البعض المدعوم غربيا وأمريكيا تنصيب المعارضة الخارجية المحمولة على الدبابات الأوروبية والأمريكية، فى المقعد السورى، وبالتالى يمكن بلورة عدة شواهد على تراجع النظام العربى تحت سطوة غياب الإرادة العربية الذاتية وتسلط الإرادة الغربيةالأمريكية، لمصلحة نظام شرق أوسطى ملامحه فى طريقها للتشكيل، فيما يلى: 1 فقدان حماس الشعوب العربية، لانعقاد القمة العربية، وعدم تفاعلها مع ما يصدر عنها من مقررات، بعد أن كانت مطلبا شعبيا تخرج من أجل انعقادها المظاهرات من الخليج إلى المحيط. 2 تراجع الرؤية العربية إزاء صدارة الصراع العربى الصهيونى أو الإسرائيلى، إلى أنه مجرد خلافات بين فلسطينيين وإسرائيليين حول عدة قضايا، ويترجم ذلك التمسك بمشروع الدولتين وسط رفض إسرائيلى وتدليل أمريكى ومراوغات لا طائل من ورائها إلا السراب. 3 ارتباط دول الخليج العربى بظاهرة دعم الإرهاب والقلق وعدم الاستقرار، وصل إلى المشاركة المباشرة فى التدخل العسكرى، بالمال والسلاح، كما هو حادث فى سوريا واليمن والعراق وليبيا، الأمر الذى يجسد حقيقة تراجع فكرة النظام الإقليمى العربى وإصرار على جعل الجامعة العربية كيانا شكليا. 4 احتشاد عربى من أطراف عربية، بدعم أمريكي وغطاء أوروبى، بالتحول نحو فكرة العدو من إسرائيل إلى إيران، وهى جبهة تغذى ظاهرة الصراع والإرهاب وعدم الاستقرار على حساب استمرارية النظام الإقليمى العربى لمصلحة نظام شرق أوسطى مدعوم أمريكيا بلا شك، وفى هذا السياق فإن تكوين تحالف عربى إسرائيلى على ما يبدو فى مواجهة إيران هو من أخطر السيناريوهات على حاضر ومستقبل هذا النظام العربى. 5 أن ترك مصير القضايا العربية بدول إقليمية ودول عالمية كبرى، هو من أكبر المخاطر على النظام العربى، ومن ذلك ترك مصير سوريا بيد روسياإيرانتركيا، وبقبول أمريكى وغياب عربى، وكذلك ترك مصير ليبيا بيد أوروبية أمريكية. 6 غياب الآليات لترجمة مقررات مؤتمر القمة العربية الأخير المنعقد بنهاية مارس فى البحر الميت، بالأردن، يجعل من هذه القرارات مجرد كلام بلا فعل. وختاما: الأمر جد خطير، ولكن بارقة الأمل فى تزايد السيطرة الفعلية للجيش السورى بقيادة بشار الأسد على أكبر مساحة من سوريا، وانتصاراته المتتالية, وكذلك تزايد قدرات الجيش المصرى، وإعادة التسليح بالأحدث فى العالم (بريا وبحريا وجويا، ليؤكد رأب الخلل فى موازين القوى بالمنطقة، لمصلحة مصر.. ولذلك فإن التفوق المصرى وعودة الدور القيادى الإقليمى، مرتبط بانتصارات سوريا، وبحتمية دعم العلاقات الإستراتيجية مع الدول الداعمة لسوريا وفى المقدمة روسيا. لمزيد من مقالات د. جمال زهران