الانفجار الذى وقع فى مترو سان بطرسبورج ، يعيد الى الاذهان ما سبق أن شهدته موسكو وغيرها من كبريات المدن الروسية من انفجارات وعمليات ارهابية، تقول جميعها ان «الفاعل» لا يمكن ان يخرج عن دائرة التنظيمات «الارهابية» التى تعيث فسادا فى المنطقة، وتحاول الثأر مما تكيله موسكو لها من ضربات فى سوريا، فى نفس الوقت الذى توصلت فيه الاجهزة الامنية الروسية الى مرتكب الحادث ، وهى التى سبق أن حذرت من مغبة احتمالات عمليات ارهابية تستهدف وسائل النقل والمواصلات فى موسكو وسان بطرسبورج. تضاربت الانباء عند ظهر الاثنين الماضى تجاه الانفجار الذى أودى بحياة أربعة عشر شخصا، واصابة ما يزيد عن الخمسين من ركاب مترو الانفاق فى سان بطرسبورج، والذى قالوا انه حلقة فى سلسلة انفجارات وقعت فى عدد من محطات المترو فى المدينة الأم للرئيس فلاديمير بوتين، حددوها فى البداية بانفجارين . ولم يمض من الزمن الكثير حتى كشفت السلطات الأمنية الروسية عن ان الانفجار «وحيد»، واقتصر على احدى عربات قطار المترو بعد إنطلاقه من محطة «سينايا» اكثر المحطات ازدحاما لكونها محطة مفصلية تربط بين ثلاثة خطوط رئيسية، فى اتجاه محطة «معهد التكنولوجيا» التى ليست اقل ازدحاما فى شبكة مترو الانفاق فى سان بطرسبورج. اما عن ملابسات الانفجار الثانى «المحتمل»، فقد اشارت المصادر الى عدم حدوثه، نظرا لان الاجهزة الامنية استطاعت ابطال «عبوة ناسفة يدوية الصناعة»، عثروا عليها فى محطة «بلوشاد فوستانيا»(ميدان الثورة) فى قلب «العاصمة الشمالية» لروسيا، وما كان يشير ضمنا الى أن العملية تندرج فى اطار «العمليات الارهابية»، وتحمل بصمات تذكرها أجهزة الامن والمخابرات الروسية، وتعيد الى الاذهان ما سبق وواجهته روسيا خلال السنوات القليلة الماضية. ومن هذا المنظور تحديدا، تشير الشواهد الى ان مدبرى العملية قصدوا القيام بها فى الزمان والمكان اللذين يكفلان لهم أكبر قدر من «الضجيج» الاعلامى على المستويين المحلى والعالمي. فقد وقع الاختيار على مدينة سان بطرسبورج ثانى أكبر المدن الروسية وأقربها الى قلب الرئيس بوتين بوصفها مدينته الام، وفى توقيت أرادوا ان يكون موجودا فيها، سعيا وراء المزيد من الاثارة، وهو ما تيسر لهم انطلاقا من أسباب لم تكن خافية على أحد. وكان السبب الاول يتعلق بمشاركته فى الملتقى الرابع عشر للصحافة الاقليمية الذى تنظمه للعام الرابع على التوالى «الجبهة الشعبية لعموم روسيا»، التى كان بوتين وراء انشائها فى عام 2011، فى إطار توسيع دائرة ناخبيه ومؤيديه قبيل الانتخابات الرئاسية الماضية. أما السبب الثاني، فيتعلق باختياره للمدينة موقعا للقائه مع رئيس بيلاروس ألكسندر لوكاشينكو الذى التقى به بعد طول فراق، فى اعقاب «ازمة طارئة» ألمت بعلاقات البلدين «الشقيقين». وقد عكف المراقبون على دراسة اسباب ومبررات الحادث، والجهة التى يمكن ان تكون وراءه. وفى هذا الاطار يمكن ان نعيد الى الاذهان ما سبق وتعرضت له روسيا من عمليات ارهابية مماثلة منذ اندلاع الحرب الشيشانية الاولى1994-1996 التى فقدت خلالها روسيا الكثير من سمعتها ووقارها ابان حكم الرئيس الاسبق بوريس يلتسين، والثانية 1999-2000 ، التى استطاع فيها فلاديمير بوتين من موقعيه كرئيس للحكومة، ثم كرئيس لروسيا الاتحادية، وأد الحركة الانفصالية فى الشيشان وشمال القوقاز، والقضاء على رموزها من امثال شامل باسايف وخطاب، وكل من جرى تنصيبه رئيسا للجمهورية الشيشانية الانفصالية، بداية من جوهر دوداييف حتى اصلان مسعدوف مرورا بسليم خان يندربييف الذى جرت تصفيته فى قطر التى كانت شملته برعايتها، وتكفلت بحمايته مع ارهابيين آخرين. وذلك ما كان فى صدارة اسباب نقل الارهابيين الشيشان لعملياتهم الارهابية من القوقاز الى داخل روسيا الاتحادية، بل حتى العاصمة موسكو. ونذكر بهذا الصدد ما أصاب موسكو من ضربات موجعة بعد مداهمة المقاتلين الشيشان للعاصمة، وتنفيذ العديد من تفجيرات المساكن، واحتجاز الرهائن، سواء فى مسرح «دوبروفكا» فى موسكو فى عام 2002، او في مدرسة بيسلان فى اوسيتيا الشمالية فى 2004، الى جانب عمليات اخرى كانت مقدمة لتحولهم الى تفجير الطائرات، التى اعقبتها تفجيرات مترو الانفاق اعتبارا من عام 2002 حتى آخر جرائمهم فى مترو موسكو فى عام 2010 ، وتفجير مطار دومديدوفو فى عام 2011. ومن هذا المنظور نشير الى ان ما شهدته سان بطرسبورج يوم الاثنين الماضى كان تكرارا و «صورة طبق الاصل»، من التفجيرات التى اصابت محطتى مترو «لوبيانكا»، و «بارك كولتوري» فى قلب موسكو فى عام 2010 ، والتى جاءت فى وقت واحد تقريبا، بفارق زمنى لا يزيد عن العشرين دقيقة، وأسفرا عن مصرع ما يقرب من أربعين مواطنا واصابة العشرات الاخرين. واذا اخذنا فى الاعتبار ما اعلنت عنه الاجهزة الامنية الروسية خلال الاسابيع القليلة الماضية حول اكتشاف عدد من الخلايا الارهابية التى تنتمى الى حزب «التحرير الاسلامي» المحظور نشاطه فى روسيا، والمرتبط بتنظيم «داعش» الارهابى ، فاننا نكون أمام «التنظيمات» الارجح ان تكون وراء ما شهدته سان بطرسبورج من عمليات ارهابية. وكانت الاجهزة الامنية سارعت باعلان ان اجهزة الرقابة الالكترونية والكاميرات رصدت اشخاصا، قالت انهم من المحتمل ان يكونوا وراء تنفيذ العملية الارهابية الاخيرة. وهكذا وبعد تأكيد الجهات الرسمية والاجهزة الامنية الروسية لفرضية العمل الارهابي، فاننا نكون أمام الجهة التى تقف وراء هذه الجريمة، وهى «داعش»- ذلك التنظيم الذى سبق وأعلن مسئوليته عن عدد من التفجيرات والاغتيالات التى وقعت فى شمال القوقاز، بما فيها عملية الاعتداء على جنود الحرس الوطنى فى الشيشان الشهر الماضي. وكان الرئيس فلاديمير بوتين سبق وحذر من مغبة ارتباط مواطنى روسيا الاتحادية بالتنظيمات الارهابية التى تعمل فى منطقة الشرق الاوسط، وخص بالذكر «داعش»، وقال ان عددهم يزيد عن اربعة الاف مواطن روسي، الى جانب ما يقرب من خمسة الاف آخرين من مواطنى بلدان الاتحاد السوفييتى السابق، فيما لم يخف يوما ان بلاده سوف تلاحقهم اينما يكونوا، سواء داخل أو خارج الاراضى الروسية. وكان الكسندر بورتنيكوف رئيس جهاز الامن والمخابرات سبق واشار الى ان الاجهزة الامنية استطاعت الحيلولة دون ارتكاب الارهابيين لجرائمهم التى كانت تستهدف اماكن التجمعات العامة ووسائل النقل والمواصلات فى موسكو وسان بطرسبورج، وعددا من كبريات المدن الروسية. وكشف المسئول الامنى الروسى عن محاولات المنظمات الارهابية نقل نشاطها من شمال القوقاز الى مناطق اخرى داخل روسيا الاتحادية ما يجعل مكافحة الارهاب اكثر تعقيدا. ومن المعروف ان القيادة الروسية أدخلت الكثير من التعديلات على قانون مكافحة الارهاب الذى صدر فى يوليو 1998، وركزت على الاجراءات والضربات الاستباقية فى مختلف ارجاء البلاد وخارجها.