أرجأ مجلس النواب التصويت النهائي علي مشروع القانون المقدم من الحكومة لإنشاء الهيئة الوطنية للانتخابات وذلك بسبب الجدل الذي شهدته الجلسة خلال التصويت النهائي علي المادة 34 من مشروع القانون والخاصة بالإشراف القضائي علي الانتخابات. الأغلبية في مجلس النواب والحمدلله تؤيد الإشراف القضائي الكامل علي الانتخابات في حين أن هناك من يري أن الدستور في مادته 210 حدد الإشراف القضائي الكامل بعشر سنوات فقط إلا أن اللجنة التشريعية أصرت ومعها الحق في ضرورة الإشراف القضائي الكامل علي الانتخابات لأنه الضمانة الأساسية لنزاهة الانتخابات. المادة 210 من الدستور تنص علي ما يلي: يتولي إدارة الاقتراع والفرز في الاستفتاءات والانتخابات أعضاء تابعون للهيئة تحت إشراف مجلس إدارتها، ولها أن تستعين بأعضاء من الهيئات القضائية. ويتم الاقتراع والفرز في الانتخابات والاستفتاءات التي تجري في السنوات العشر التالية لتاريخ العمل بهذا الدستور تحت إشراف كامل من أعضاء الجهات والهيئات القضائية وذلك علي النحو المبين بالقانون. المادة واضحة بأنها اشترطت الإشراف القضائي الكامل لمدة 10 سنوات ثم بعد إنشاء الهيئة ترك لها الاستعانة بأعضاء من الهيئات القضائية، وهو بهذا لم يرفض الإشراف القضائي الكامل لكنه ترك تقدير الأمر للقانون وللهيئة الوطنية للانتخابات. المادة 209 من الدستور أوضحت تشكيل الهيئة الوطنية للانتخابات وأنها مكونة من عشرة أعضاء جميعهم من القضاة يتم ندبهم من نواب رئيس محكمة النقض ورؤساء محاكم الاستئناف ونواب رئيس مجلس الدولة وهيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية يختارهم مجلس القضاء الأعلي والمجالس الخاصة للجهات والهيئات القضائية المختلفة. أي أن كل تشكيل الهيئة المشرفة علي الانتخابات من القضاة وجاءت المادة 210 وتركت الأمر للهيئة وقانون الانتخابات، وبالتالي فإن الإشراف القضائي الكامل علي الانتخابات لا يتعارض مع الدستور لأنه سلطة تقديرية للهيئة الوطنية لكن في حقيقة الأمر فإن الإشراف القضائي الكامل هو الضمانة الأكيدة لنزاهة الانتخابات في المدي المنظور ولا بديل عنه حاليا أو مستقبلا ولمدة طويلة حتي تستقر أدبيات نزاهة الانتخابات في وجدان المرشحين والناخبين علي السواء وبعدها يمكن ضم فئات جديدة للإشراف علي الانتخابات. تحية إلي المستشار بهاء أبو شقة رئيس اللجنة التشريعية وأعضاء اللجنة التشريعية الذين أصروا علي ضرورة أن يكون الإشراف القضائي كاملا علي الانتخابات دون تحديد مدة محددة والأمر المؤكد أن هذا لا يتعارض مع الدستور لأن النص الدستوري مرن وترك الأمر للقانون. لمن لا يعلم أن أزمة الرئيس الأسبق مبارك بدأت من التعديلات المشئومة علي الدستور حينما ألغي الإشراف القضائي الكامل علي الانتخابات، وجاءت انتخابات 2010 «المشئومة» لتكون الشرارة التي أدت إلي ازدياد الغضب المكتوم في النفوس بعد التزوير الفج والفاضح الذي حدث في تلك الانتخابات. تزوير انتخابات 2010 والتفكير العقيم لبعض القيادات آنذاك هو الذي أسهم في ازدياد حدة التوتر وأدي الي إشعال فتيل الغضب في 25 يناير، وأدخلنا في دوامة النفق المظلم الذي لانزال نعاني تبعاته حتي الآن. لو اقتضي الأمر تعديل الدستور لينص علي الإشراف القضائي الكامل فهذا أفضل من التسرع وخروج قانون يفتح الباب أمام تزوير الانتخابات مرة أخري، والاستعانة بالموظفين الذين يبيعون الانتخابات قبل أن تبدأ لمن يدفع اكثر، مما يهدد بتكرار مأساة التزوير في 2010. أعتقد أن النص واضح وترك الأمر مفتوحا للإشراف القضائي من عدمه، لكن لأن هناك اجماعا علي ضرورة الإشراف القضائي الكامل علي الانتخابات فليس هناك أدني تعارض مع الدستور، والخطورة الآن أن يتراجع حماس النواب بعد فترة وهذا هو موطن الخطر لانه يعرض التجربة الوليدة لنزاهة الانتخابات للخطر، بل إنه سوف يسهم في تداعيات مستقبلية خطيرة بسبب «التسرع» في تفسير نص المادة 210 من الدستور رغم وضوحها ومرونتها. تأجيل التصويت لمزيد من البحث والدراسة شيء جيد ومطلوب، لأن التسرع والتنازل عن الإشراف القضائي يمكن ان يؤدي الي كوارث تهدد مستقبل الديمقراطية. بعض الآراء التي تشير إلي شبهة عدم الدستورية التي يمكن ان تلحق بالقانون في حال الإصرار علي الاشراف القضائي الكامل هي آراء لديها حسن نية وخوف من اصطدام القانون بنص دستوري يجعلنا نعود الي المربع رقم واحد إذا تم الاحتكام إلي المحكمة الدستورية وحكمت بعدم دستورية الإشراف القضائي الكامل بعد مرور السنوات العشر، لكن هذا لا يمنع من تأكيد خطأ ذلك التوجه وخطورته. أتصور أن هناك «فسحة» من الوقت لأن الانتخابات المقبلة وأي انتخابات اخري خلال السنوات العشر وطبقا للنص الدستوري خاضعة للإشراف القضائي الكامل، وبالتالي لابد من «التأني» قبل أي تفكير بعيدا عن الإشراف القضائي حتي لو اقتضي الأمر تغيير وتعديل المادة 210 لتنص صراحة علي ضرورة الإشراف القضائي الكامل علي الانتخابات دون تحديد مدة زمنية، رغم أن هناك شبه اجماع علي عدم تعارض هذه المادة مع الإشراف القضائي الكامل. لا بديل عن الإشراف القضائي الكامل علي الانتخابات لفترات طويلة مقبلة حتي تتغير ثقافة الشعب وثقافة المسئولين وثقافة المرشحين والناخبين، وبعدها يمكن التفكير في الاستعانة بالمدرسين وموظفي الوحدات المحلية وغيرهم من الفئات. الكرة الآن في ملعب اللجنة التشريعية ومجلس النواب وهو المجلس الذي جاء تحت إشراف قضائي كامل، وكان من الممكن ألا يأتي في ظل عدم الإشراف القضائي. أرجو ألا ينسي النواب تجربتهم ويتمسكون بالإشراف القضائي الكامل رغم أي ضغوط أو تأويلات خاطئة للنص الدستوري. لمزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة;