اليوم.. الفصل فى الطعون على نتيجة الدوائر المُلغاة بانتخابات النواب    تعرف علي مواعيد امتحانات الفصل الدراسى الأول لطلاب الصفين الأول والثاني الثانوى بالجيزة    أسعار اللحوم الحمراء اليوم الإثنين 22 ديسمبر    ارتفاع أسعار النفط وخام برنت يسجل 60.91 دولارًا للبرميل    بعد ارتفاعها 116%.. رئيس شعبة المعادن الثمينة يحذر من انكسار سريع لأسعار الفضة وينصح بالذهب    خبر هيفرح الملايين| اليوم.. دعوى قضائية لإقرار منحة استثنائية لأصحاب المعاشات    قوات الاحتلال الإسرائيلى تقتحم المنطقة الشرقية بنابلس    الليلة يبدأ المشوار .. منتخب مصر يفتتح مبارياته فى بطولة أمم أفريقيا بمواجهة زيمبابوي    مجموعة مصر.. جنوب أفريقيا يواجه أنجولا فى لقاء خارج التوقعات بأمم أفريقيا في السابعة اليوم    مصرع طفلة وإصابة 13 آخرين فى حادث تصادم ميكروباص وسيارة نقل بالدقهلية    الأرصاد الجوية : أجواء شديدة البرودة وشبورة كثيفة والصغرى بالقاهرة 12 درجة    مفوضي الدولة بالإداري توصي برفض دعوى الزمالك ضد سحب أرض النادي بحدائق أكتوبر    أهالي "معصرة صاوي" يودّعون أبناءهم.. تشييع جثامين 7 صغار ضحايا "لقمة العيش" بالفيوم    عزاء الفنانة سمية الألفي بمسجد عمر مكرم اليوم    ألمانيا: تسجيل أكثر من 1000 حالة تحليق مشبوهة للمسيرات فى 2025    سلاح الجو الأمريكى يعترض طائرة فوق مقر إقامة ترامب فى فلوريدا    نيجيريا: تحرير 130 تلميذا وموظفا خطفهم مسلحون من مدرسة الشهر الماضي    التصريح بدفن جثة فتاة انتحرت بتناول قرص الغلة السام بالعدوة    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد اليوم 22 ديسمبر 2025    محمود الليثي يشعل رأس السنة بحفل عالمي في فرنسا ويعيش أقوى فتراته الفنية    طريقة عمل شوربة العدس بالكريمة في خطوات بسيطة للتدفئة من البرد    بحضور أبطاله.. انطلاق العرض الخاص لفيلم «خريطة رأس السنة» في أجواء احتفالية    ويتكوف: روسيا لا تزال ملتزمة تماما بتحقيق السلام فى أوكرانيا    «المهن التمثيلية» تكشف تطورات الحالة الصحية للفنان إدوارد    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 22 ديسمبر 2025 في القاهرة والمحافظات    مفوضى القضاء الإدارى: ادعاءات وجود عوائق أمام تنفيذ مشروع الزمالك قول مرسل    نقيب المحامين يترأس جلسة حلف اليمين القانونية للأعضاء الجدد اليوم    بوتين يصف اتفاقية الحدود بين دول آسيا الوسطى ب"التاريخية"    وزير الاتصالات: مصر تقفز 47 مركزًا عالميًا بمؤشر جاهزية التحول الرقمي    السلفية والسياسة: التيه بين النص والواقع.. قراءة في التحولات الكبرى    متحدث الكهرباء: 15.5 مليار جنيه خسائر سرقات واستهلاك غير قانوني    ريهام عبد الغفور: خريطة رأس السنة محطة استثنائية في مسيرتي الفنية    أحمد العوضي: مدمنون كثير تعافوا وذهبوا للعلاج من الإدمان بعد مسلسلي «حق عرب»    بحضور عضوي مجلس إدارة الأهلي، محمود بنتايك يحتفل بزفافه على سندس أحمد سليمان    اعترافات المتهم بقتل زميله وشطر جثمانه 4 أجزاء في الإسكندرية: فكرت في حرق جثته وخشيت رائحة الدخان    إخلاء عاجل لفندقين عائمين بعد تصادمهما في نهر النيل بإسنا    سائق يقتل زوج شقيقته إثر نزاع عائلي على شقة ميراث بالخانكة    خالد الغندور: توروب رفض التعاقد مع محمد عبد المنعم    لعبة في الجول – أمم إفريقيا.. شوت في الجول واكسب البطولة بمنتخبك المفضل    عماد الدين أديب: ترامب ونتنياهو لا يطيقان بعضهما    بيان عاجل من المتحدث العسكري ينفي صحة وثائق متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي| تفاصيل    أبناؤنا أمانة.. أوقاف بورسعيد تطلق خارطة طريق لحماية النشء من (مسجد لطفي)| صور    دوميط كامل: الدول المتقدمة تُقدّم حماية البيئة على المكاسب الاقتصادية مهما بلغت    تعرف على جوائز الدورة ال7 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي للفيلم القصير    أستاذ بالأزهر يوضح فضائل شهر رجب ومكانته في ميزان الشرع    تصعيد ديموقراطي ضد ترامب بسبب وثائق إبستين المثيرة للجدل    الصحة توضح آليات التعامل مع المراكز الطبية الخاصة المخالفة    عصام الحضرى: مصر فى مجموعة صعبة.. والشناوى سيكون أساسيا أمام زيمبابوى    تامر النحاس: سعر حامد حمدان لن يقل عن 50 مليونا وصعب ديانج يروح بيراميدز    هاني البحيري: يد الله امتدت لتنقذ أمي من أزمتها الصحية    نجاح عملية معقدة لتشوه شديد بالعمود الفقرى بمستشفى جامعة كفر الشيخ    بدون تدخل جراحى.. استخراج 34 مسمارا من معدة مريضة بمستشفى كفر الشيخ العام    سلوكيات خاطئة تسبب الإصابة بالفشل الكلوي    دعاء أول يوم في شهر رجب.. يزيد البركة والرزق    برلمانية المؤتمر: تعديلات قانون الكهرباء خطوة ضرورية لحماية المرفق    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 21ديسمبر 2025 فى المنيا    بعد رؤية هلال رجب.. ما هو موعد شهر شعبان ؟    الإفتاء: الدعاء في أول ليلة من رجب مستحب ومرجو القبول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجيش المصري

في حياة الأمم والشعوب لحظات فارقة تفصل ما قبلها عما بعدها‏,‏ وتومض فيها الحقائق الساطعة في تاريخها‏,‏ تاركة في الظلام الأحداث والهنات الصغيرة! لحظات تكتشف فيها الأمم أصالة معدنها, ومكنون روحها, وجوهر شخصيتها. من تلك اللحظات بالقطع- ما كان يوم الجمعة الماضي, التاسع والعشرون من يونيو2012, والذي شهد فيه المصريون, ومعهم ملايين العرب حولهم, بل والعالم كله, تسلم د. محمد مرسي, أول رئيس مدني منتخب في التاريخ المصري, سلطاته الشرعية من القوات المسلحة المصرية, في مشهد رائع مهيب.
لقد انحازت القوات المسلحة لثورة الشعب من اللحظة الأولي, ثم تحملت عبء إدارة شئون البلاد في لحظات, ربما كانت هي الأخطر في تاريخ مصر المعاصر, منذ مساء يوم11 فبراير2011, عقب الإطاحة إلي الأبد بنظام حسني مبارك. ثم أوفت القوات المسلحة بوعدها بتسليم السلطة في الموعد الذي حددته تماما.
هنا, علينا أن نقف وننتبه ونتأمل ذلك المشهد الذي هو مشهد مصري بامتياز! وعلينا أن نعي أبعاده, ونفخر بدلالاته ومغزاه.
إنني أعتقد أنه من الخطأ البالغ بل من السطحية والسذاجة- تقييم أداء الجيش المصري( ولا أتحدث هنا فقط عن المجلس الأعلي للقوات المسلحة), انطلاقا من الممارسات والأخطاء الميدانية التي وقعت في شوارع مصر, في غمار أحداث الثورة من جانب بعض ضباط وجنود الجيش الذين وجدوا في تلك المواقع, وسط المظاهرات الصاخبة التي اجتاحت مصر, والتي ترتب عليها سقوط شهداء وجرحي من المتظاهرين والمحتجين, وشهدت ممارسات مؤسفة نعرفها جميعا في مواقع ماسبيرو, ومحمد محمود, ومجلس الوزراء... إلخ. إننا إذا أبتعدنا قليلا عن تلك المشاهد الميدانية الحزينة, وأردنا أن نحلل السياق السياسي والتاريخي العام لموقف الجيش من الثورة المصرية, فسوف نجد الصورة أكثر إيجابية بكثير, بل ومدعاة للفخر والاعتزاز.
إن ما يميز مصر عن كل بلاد العالم, تقريبا, أنها أقدم' دولة' في التاريخ, تلك حقيقة يعرفها العالم كله, ونعرفها كذلك أيضا, وإن كنا أحيانا لا ندرك مغزاها ودلالاتها. غير أن عماد تلك' الدولة' كان دائما هو' الجيش المصري'! منذ أن وحد الملك مينا شمال مصر وجنوبها في كيان سياسي واحد, قبل ما يقرب من خمسة آلاف عام تقريبا, مستعينا في ذلك بقوة الجيش الذي يعد أقدم جيش في التاريخ, ثم أضحي أكبر جيوش العالم القديم, وأقواها. وبفضل ذلك الجيش, أنشأ فراعنة مصر أول أمبراطورية في العالم, وتضمن فضلا عن قواته البرية- الأسطول الذي تكفل بحماية سواحل مصر, ونهر النيل. وكما يدرس طلاب التاريخ العسكري في المعاهد والأكاديميات العسكرية في العالم الخطط العسكرية المصرية القديمة, فإنهم يدرسون سير تاريخ بعض من ملوك الفراعنة من القادة العظام, وفي مقدمتهم علي الإطلاق( تحتمس الثالث) الذي بلغت الامبراطورية المصرية في عهده أقصي توسع لها من تركيا شمالا إلي الصومال جنوبا, ومن العراق شرقا إلي ليبيا غربا, وخاض معركة( مجدو) الشهيرة التي هزم فيها تحتمس ملوك وجيوش الكنعانيين, علي رأس جيش قوامه مائة ألف مقاتل. لذا, لم يكن غريبا إطلاقا أن ارتبطت سمعة مصر, في العالم القديم, بسمعة جيشها وجنودها. وهل كانت مصادفة أن الرسول محمد( صلي الله عليه وسلم) عندما ذكر مصر, فإنما ذكرها بجندها' إذا فتح الله عليكم مصر, فاتخذوا فيها جندا كثيرا, فإنهم خير أجناد الأرض, وهم في رباط إلي يوم الدين'؟! لقد كان ذلك تقديرا ثاقبا من الرسول الكريم- صلي الله عليه وسلم- لقيمة مصر وجند مصر, أكده بعد ذلك جيش مصر في أكثر من واقعة, لها دلالالتها الفاصلة في حماية الأمة العربية والعالم الإسلامي كله.
فهل كان بإمكان' الناصر صلاح الدين الأيوبي' أن يحرر القدس من احتلال الأوروبيين أو' الفرنجة'( الذين رفعوا شعار الصليب) عام1187 م أي منذ أكثر من ثمانمائة عام- إلا بالجيش المصري, في موقعة حطين بفلسطين, قرب بحيرة طبرية؟ لقد كانت' حطين' هي ذروة معارك الجيش المصري ضد الغزاة الأوروبيين, منذ أن تولي صلاح الدين وزارة مصر في الدولة الفاطمية, وقبل أن يقود الجيش المصري أولا لتوحيد العالم العربي ضد محتلي القدس, حيث غزا' إمارات' الشام, مثل دمشق وحمص وحماه وحلب, ثم ضم أيضا إمارات الجزيرة العربية كلها في عام1182 م. وعندما تم له توحيد تلك القوي العربية كلها, في مصر والشام والجزيرة, بدأ معاركه المتوالية مع' الفرنجة', قبل اللقاء الحاسم في موقعة حطين, ثم قاد صلاح الدين الجيش المصري لتصفية قلاع الغزاة, الواحدة تلو الأخري, إلي أن قام بحصار مدينة القدس في سبتمبر1187 م, مما اضطر معه قادة الفرنجة لطلب الصلح مع صلاح الدين, الذي سلمت بمقتضاه المدينة إلي الجيش المصري.
ومرة ثانية, وبعد أقل من ثمانية عقود علي انتصار حطين, كان الجيش المصري أيضا هو الذي استطاع إيقاف ودحر جحافل التتار التي خرجت من سهول آسيا الوسطي بقيادة جنكيز خان نحو عام1230 م لتجتاح أواسط الصين وشمال غربي الهند وخراسان, وتغلغلت إلي سهول روسيا حتي نهر الرون, ثم اتجهت نحو الجنوب الغربي لتجتاح إيران, قبل أن تصل إلي بغداد( عاصمة الخلافة العباسية في ذلك الوقت) بقيادة هولاكو, فأزاحت كل مقاومة, واستسلم لها الخليفة المعتصم بالله, الذي قتل هو وأفراد أسرته, وخربت بغداد, وسفك الدم فيها علي نحو مروع, وانتهت بهذا كله في فبراير1258 م- حياة الدولة العباسية, بعد حكم دام خمسة قرون. وزحف هولاكو علي بلاد الشام والجزيرة العربية, واستسلمت له دمشق عام1260 م. واستعد هولاكو, قائد التتار, لغزو مصر, فأرسل تهديدا' شديد اللهجة' إلي سلطان مصر' قطز' الذي رد عليه بقتل سفرائه, وتجهيز جيش مصر, بقيادة ركن الدين بيبرس, والتحم الجيش المصري بالجيش التتاري في عين جالوت في سبتمبر1260 م, لينتصر الجيش المصري انتصارا ساحقا, وينكسر علي يديه- إلي الأبد الخطر التتاري.
لم يكن غريبا إذن, في هذا السياق التاريخي المثير, أن محمد علي باشا, عندما تولي حكم مصر, وبدأ إقامة الدولة المصرية الحديثة, في مطلع القرن التاسع عشر, إنما أدرك بذكائه الثاقب أن عماد تلك الدولة, وركنها الأساسي, هو الجيش. وليس من قبيل المبالغة القول إن' الجيش' كان المحور الأساسي الذي شيد حوله محمد علي كيان مصر المستقلة, حتي وإن خدم ذلك بالطبع قطاعات أخري. فإنشاء مدرسة الطب مثلا( في قصر العيني) كان هدفه الأول تخريج الأطباء الذين يحتاج إليهم الجيش, وإنشاء دور الصناعة' الترسانات', ومصانع الغزل والنسيج كانت بهدف توفير حاجة الجيش وجنوده من السلاح والذخيرة والملابس. وللسبب نفسه, أنشئت الثكنات والمعسكرات والمستشفيات, فضلا بالطبع عن إنشاء المدارس الحربية المختلفة الحديثة, وإرسال البعثات إلي أوروبا. وفي واقع الأمر, فإن جوهر التغيير' الثوري', الذي أحدثه محمد علي باشا في إنشائه لجيش مصر الحديث, كان هو إعادة جيش المصريين إليهم, أو بتعبير أدق- إعادة المصريين إلي الجيش, بعد أن حرموا من ذلك طويلا, في ظل حكم العثمانيين والمماليك. ولم يخيب المصريون أبدا ظن ذلك الرجل العبقري( الذي اكتشفه المصريون, بعد أن اكتشف هو مصر, فبايعوه للولاية من خلال إرادة شعبية حقيقية رائعة وفريدة!), فأعادوا سيرة جيشهم العظيم. وكما يقول المؤلف الإنجليزي فلاور:' تمكن محمد علي في مطلع عام1820 من بناء جيش وطني علي درجة عاليه من الكفاءة والتدريب, استطاع بواسطته أن يغير ميزان القوي في شرق البحر المتوسط, خلال عشرين عاما بشكل كبير. بل وتحدي الباب العالي ذاته إلي الحد الذي جعله يحول مصر, بمساعدة هذه الفرق من الفلاحين الفقراء, من ولاية ينظر إليها بازدراء, في امبراطورية متصدعة, إلي قوة عسكرية ينظر إليها بإعجاب. وخاض جيش مصر الحديث حروبا أربعا في شبه الجزيرة العربية, وفي السودان, وفي اليونان, وفي الشام, واضعا الأساس في الحقيقة- للأمن القومي المصري في صورته المعاصرة, وبأبعاده العربية والإفريقية والمتوسطية'. ففي الجزيرة العربية, سحق الجيش المصري الوهابيين المتشددين في الدرعية. وفي أعالي النيل, فإن وحدات الجيش المصري والكثير منها كان في السفن التي اتجهت من بولاق إلي جنوب السودان!- بقيادة' إسماعيل', الابن الأصغر لمحمد علي, وصلت إلي مدينة' كوستي', واحتلت بربرة, قبل أن تتجه إلي الخرطوم.
وكانت قوة جيش مصر وكفاءته, وثقة محمد علي فيه, هي التي أقنعت' الباشا' بأن يواجه الامبراطورية العثمانية ذاتها, وأن يرنو ببصره صوب القسطنطينية, فاستولي أولا علي جزيرة كريت, ثم انطلق للقضاء علي الثورة اليونانية, وأذهلت الحملة التي قاد فيها إبراهيم باشا الجيش المصري أوروبا كلها(60 سفينة حربية, و16 ألف مقاتل في مائة سفينة نقل!), وقصمت حملة إبراهيم باشا ظهر الثورة اليونانية, وسقطت أثينا. وعند هذه النقطة, تنبهت بلدان أوروبا للخطر, فتداعت بسرعة لعقد مؤتمر لندن عام1826, وتكاثرت الأساطيل الأوروبية علي الأسطول المصري لتدميره في معركة نافارين.
غير أن ثقة محمد علي في جيش مصر لم تهتز. وبعد أقل من خمسة أعوام, استعاد فيها الجيش المصري كفاءته ولياقته, واتخذ طريقه عبر سيناء إلي فلسطين عام1831, حيث انضم إليه الأسطول المصري في يافا, ونجح في الاستيلاء علي عكا( في الموقع نفسه الذي أخفق فيه نابليون), وتقدم من نصر إلي نصر عبر الشام, والأناضول, ضاربا عرض الحائط بالفرمان العثماني بعزل محمد علي. وقرب نهاية عام1832, كان الجيش المصري قد سحق الجيش التركي, واحتل قونية العاصمة القديمة للعثمانيين- وأصبح علي بعد مائة ميل فقط من القسطنطينية.
وبالطبع, وليس هنا المجال لسرد مصير حروب محمد علي, التي أفزعت دول أوروبا, ودفعتها لعقد معاهدة1841 لكبح جماحه, ولكن ما يهمنا هو تأكيد أن بنود هذه المعاهدة كان أهمها بالقطع تقليص الجيش المصري إلي18 ألف جندي( فضلا عن2000 متدرب في تركيا).
غير أن التاريخ يذكر لنا أن هذه الضربة للجيش المصري لم تمنعه من أن يسير في دوره الوطني الخاص, وظل المؤسسة الوحيدة, تحت حكم خلفاء محمد علي, التي لم تكن العناصر التركية والشركسية الغالبة فيه. ومع ذلك, فقد أخذ العنصر المصري خلال حكم عباس, وسعيد, وإسماعيل- يحاصر البقية الباقية من تلك العناصر, وهو ما تبلور في مظاهرة18 فبراير1789 الشهيرة في عهد إسماعيل, والتي كانت في الواقع المقدمة للثورة العرابية, التي تحدث فيها الضباط المصريون باسم الجيش, وممثلين لإرادة الأمة, ومقدمين مطالبهم الثلاثة الشهيرة: إسقاط وزارة رياض باشا المتحالفة مع القوي الأجنبية, ودعوة البرلمان إلي الانعقاد رفضا للحكم المطلق, وزيادة عدد قوات الجيش, بما يسمح لدعم الاستقلال وحماية البلاد.
ولم تكن مصادفة علي الإطلاق أن تكون هزيمة ثورة الجيش المصري( الثورة العرابية) هي مقدمة احتلال مصر كلها لمدة سبعين عاما متوالية, حتي وإن حصلت الأمة المصرية علي استقلالها المنقوص عام1922 بعد ثورتها القومية عام.1919 ومرة أخري, في عام1952, كان ضباط الجيش المصري هم من هبوا لإنهاء النظام الملكي, الذي تضافر ضعفه مع ضعف الأحزاب وتنافسها, ومع التدخل الأجنبي المستمر في شئون البلاد, وأعلنت ثورة يوليو مبادئها الستة التي عملت علي تحقيقها إلا مبدأ واحدا, أي:' إقامة حياة ديمقراطية سليمة'! لذلك, وبعد ستة عقود بالضبط, وقف الجيش المصري بلا أي تحفظ, مساندا لثورة25 يناير المجيدة, وداعما لكل ما اتخذته من أجل إنشاء مصر الديمقراطية, ومجسدا في الوقت نفسه تلك المكانة الرفيعة التي احتلها الجيش دوما في عقول وقلوب المصريين. وفي هذا السياق العام, لم تكن غريبة أبدا تلك المشاهد الرائعة التي احتضن فيها قادة وضباط وجنود الجيش المصري الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي, موفين بوعدهم, محترمين للشرعية والدستورية. وكان مشهدا لافتا في جامعة القاهرة, عندما صاح البعض في خضم الاحتفال المهيب- يسقط حكم العسكر, فردت القاعة كلها علي الفور بالهتاف البديع' الجيش والشعب إيد واحدة'!, قبل أن يقول الرئيس محمد مرسي بحق' إن العالم يشهد نموذجا فريدا لانتقال السلطة من الجيش للمدنيين', ثم يرد علي التحية العسكرية التي أداها القائد له:' إنني أقدر تلك التحية كل التقدير, وأري فيما حدث نموذجا فذا في كيفية أن يكون المصريون علي قلب رجل واحد'.. ذلك هو رئيس مصر, وذلك هو جيش مصر.
المزيد من مقالات د.أسامة الغزالى حرب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.