المصريون بالخارج يدلون بأصواتهم فى انتخابات 30 دائرة ملغاة بأحكام المحكمة الإدارية العليا    أوقاف الغربية تعقد ندوات علمية بالمدارس حول «نبذ التشاؤم والتحلّي بالتفاؤل»    خدمة اجتماعية بني سويف تحتفل باليوم العالمي للتطوع    أسعار اللحوم اليوم الاثنين 8 ديسمبر بأسواق البحيرة    رئيس الوزراء: ضرورة فاعلية منظمة الفاو لدعم سلاسل الغذاء بغزة والسودان    مؤسسة «Join» اليابانية تعتزم الاستثمار بمشروعات تحلية مياه البحر في مصر    محافظ المنيا يستقبل نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية لتفقد محطات ومسار القطار الكهربائي السريع    ملفات إيلون ماسك السوداء… "كتاب جديد" يكشف الوجه الخفي لأخطر رجل في وادي السيليكون    تقرير "بروجيكت سينديكيت": الكهرباء هي الحاسم في سباق الذكاء الاصطناعي    «ناشيونال إنترست»: زيلينسكي قد يفرّ إلى إسرائيل لهذا السبب    الرئيس السيسي يؤكد دعم مصر للمبادرات التي تستهدف إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الليبية بشكل متزامن    وزير الإعلام الكمبودي: 4 قتلى و9 مصابين جراء الاشتباكات مع تايلاند    جيش الاحتلال يشن غارات جوية داخل مناطق انتشاره وراء الخط الأصفر في رفح الفلسطينية    الدعم السريع تستهدف محطة كهرباء الدمازين بطائرة مسيرة    سقوط مدوٍ والريال تائه.. صحف إسبانيا تتحدث عن هزيمة الملكي ضد سيلتا فيجو    مع اشتعال الأزمة مع ليفربول .. سان دييجو الأمريكي ينافس الهلال السعودي على ضم محمد صلاح    منتخب مصر بالزي الأبيض أمام الأردن غدا    الزمالك يختتم تدريباته اليوم استعدادًا للقاء كهرباء الإسماعيلية بكأس عاصمة مصر    منتخب مصر يرتدي الطاقم الأبيض فى مواجهة الأردن بكأس العرب غداً    إصابة 4 أشخاص فى انقلاب ميكروباص على طريق القاهرة الفيوم الصحراوى    الأرصاد: نشاط للرياح وسقوط أمطار على هذه المحافظات    «الوزراء» تكشف عن موعد افتتاح حديقتي الحيوان والأورمان    النيابة تطلب تقرير الصفة التشريحية لجثة سيدة قتلها طليق ابنتها فى الزاوية الحمراء    ضبط شخص و4 سيدات يستقطبون الرجال لممارسة الأعمال المنافية للآداب بالإسكندرية والجيزة    وزارة التعليم: إجراء تحديث على رابط تسجيل استمارة الشهادة الإعدادية    مهرجان الأوبرا العربية في دورته الأولى يكرم المايسترو عمر خيرت    سرقة إسرائيل ل تراث أم كلثوم.. برلماني يطالب بتدخل حكومي    جمهور نيللي كريم يترقب دراما رمضانية مشوقة مع "على قد الحب"    وزير الثقافة يعلن اختيار شمال سيناء عاصمة للثقافة المصرية 2026    "الصحة": الوضع الصحي في مصر مستقر رغم زيادة الإنفلونزا الموسمية    وزير الصحة يترأس اجتماعا لمتابعة مشروع «النيل» أول مركز محاكاة طبي للتميز في مصر    الصحة تكشف الوضع الوبائى لإصابات الأنفلونزا فى مصر مقارنة بالوضع العالمى    علاج 2.245 مواطنًا ضمن قافلة طبية بقرية في الشرقية    مشتريات الأجانب تصعد بمؤشرات البورصة فى بداية تعاملات اليوم    مدير جهاز تنمية البحيرات: عودة طيور الفلامنجو لبحيرة قارون بعد تحسين أوضاعها    أسعار اليورانيوم تتفجر.. الطاقة النووية تشعل الأسواق العالمية    دار الإفتاء توضح حكم التماثيل في الإسلام: جائزة لغير العبادة    خبير تحكيمي عن طرد ثنائي ريال مدريد: لم تؤثر على النتيجة.. ولكن    حسام أسامة: بيزيرا «بتاع لقطة».. وشيكو بانزا لم يُضِف للزمالك    «بسبب عطل مفاجئ فى خط الطوارئ».. محافظ بني سويف يوجه فرع الإسعاف بإخطار المواطنين للحصول على الخدمة    غرفة عمليات الشعب الجمهوري تتابع تصويت المصريين بالخارج في الدوائر الملغاة    مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 8 ديسمبر 2025 فى المنيا    مجلس الدولة يفتح باب التعيين لوظيفة «مندوب مساعد» لخريجي دفعة 2024    الدفاع الروسية: إسقاط 67 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليلة الماضية    عيد ميلاد عبلة كامل.. سيدة التمثيل الهادئ التي لا تغيب عن قلوب المصريين    وزير الرياضة: إقالة اتحاد السباحة ممكنة بعد القرارات النهائية للنيابة    التريلر الرسمي للموسم الأخير من مسلسل "The Boys"    جامعة الفيوم تنظم ندوة توعوية عن جرائم تقنية المعلومات الأربعاء المقبل    مي عمر تحسم الجدل: الاعتزال مش في قاموس محمد سامي    بصوتها تُغلق الحكاية.. ياسمينا العبد تتألق في تتر نهاية «ميد ترم»    "من يريد تصفية حسابات معي فليقبض عليّ أنا" ..لماذا تعتقل "مليشيا السيسى "شقيق مذيعة في قناة تابعة للمخابرات !؟    وزير الإسكان: سنوفر الحل البديل ل الزمالك بشأن أرضه خلال 3-4 شهور    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 8 ديسمبر 2025 في القاهرة والمحافظات    مستشار الرئيس للصحة: نرصد جميع الفيروسات.. وأغلب الحالات إنفلونزا موسمية    متحدث "الأوقاف" يوضح شروط المسابقة العالمية للقرآن الكريم    تجديد حبس شاب لاتهامه بمعاشرة نجلة زوجته بحلوان    الأوقاف: المسابقة العالمية للقرآن الكريم تشمل فهم المعاني وتفسير الآيات    «صحح مفاهيمك».. أوقاف الوادي الجديد تنظم ندوة بالمدارس حول احترام كبار السن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



توفيق الحكيم
.. ومسرح اللامعقول
نشر في الأهرام اليومي يوم 24 - 03 - 2017

كان توفيق الحكيم شديد الوعى بالخصوصية الثقافية لشعبنا، كما كان كثيرالتنوع فى الإبداع فكتب (فى مجال المسرح) أكثر من مسرحية اجتماعية، وكذلك مسرحيات عديدة استمد مادتها من التاريخ، وكانت له تجربة فى كتابة ال (مسرواية) فى (بنك القلق) كما كانت له محاولات عديدة فى كتابة مسرح اللامعقول،
مثل مسرحية (مصيرصرصار) ومسرحية (الطعام لكل فم) ومسرحية (يا طالع الشجرة) التى استلهم عنوانها من موتيفة شعبية مصرية، حيث كان الفلاحون يُغنون: يا طالع الشجره.. هات لى معاك بقره..إلخ.
فى تلك المسرحية سيدة تغزل ثوبًا لابنتها.. فهل لدى تلك السيدة ابنة؟ وهل هى حامل وتنتظرلحظة الولادة؟ أم أنها خلقتْ عالمًا وهميًا وصدّقته؟ فى الصفحات الأولى لايُفصح الأديب عن مكنون وجوهرتلك السيدة، ولكن عندما تخرج من البيت ولاتعود، وبعد أنْ غابتْ لمدة ثلاثة أيام، فإنّ الحكيم كتب المشهد التالى بين المُحقق والخادمة. قالت الخادمة إنّ سيدتها خرجتْ من البيت لشراء الخيوط لتنسج ثوبًا لبنتها بهية، فسألها المحقق:
المٌحقق: بنتها؟
الخادمة: نعم بنتها بهيه.
المحقق: وأين هى بنتها بهيه؟
الخادمة: لم تولد.
المحقق: لم تولد؟ ومتى ستولد؟
الخادمة: لن تولد.
المحقق: وكيف تعرفين أنها لن تولد؟
الخادمة: كانت ستولد من أربعين سنة. ولكنها لم تولد.
المحقق: ما دامتْ قطعتْ الخلف .. فلماذا تنسج ثوبًا لبنتها التى لم تولد ولن تولد؟
الخادمة: إنها تراها وُلدتْ كل يوم.. وتولد كل يوم.
.......................
فى هذا المشهد ترجم الحكيم– إبداعيًا– حالة الإنسان الذى يخلق لنفسه عالمًا من الأوهام ويُصدّقه. ورغم أنّ تلك الأوهام تبدو- فى بداية نشأتها– على أنها عابرة وسوف تزول، فإنّ مكمن الخطورة عندما تُسيطرتلك الأوهام على الإنسان يومًا بعد يوم، فيكون أسيرًا لها، وبعد حالة الأسر، يكون من الطبيعى أنْ يُصدق نفسه، أى يُصدق أوهامه، لدرجة أنّ تلك السيدة– فى المسرحية- كما قالت الخادمة- أنها ترى ابنتها كل يوم.. وتراها تولد كل يوم.. رغم أنّ البداية تعود إلى أربعين سنة مضتْ. وبما أنّ الولادة الحقيقية لم تحدث، فإنّ الخيال– خيال هذه السيدة- أناب عن الواقع. فمن هى تلك الابنة (الرمزية)؟ ولماذا اختارلها اسم (بهية)؟ وهواسم يستخدمه الشعراء كناية عن مصر؟ ومامغزى أنها لم تولد ولن تولد، ثم التأكيد على أنها ((تولد كل يوم))؟ ألاتؤكد كل تلك الإيحاءات أنّ الحكيم كان يستشعرالخطر، إبان الحكم الناصرى.
مشهد: حواربين مفتش القطاروالدرويش:
فى هذا المشهد يستلهم توفيق الحكيم مفردات الواقع المصرى، ويغزل عليه رؤاه من خلال مايُسمى (اللامعقول)
وبينما مفتش القطارسأل الدرويش: هل تعرف ماذا أطلب من حياتى؟ فإنّ الدرويش يرد عليه بالأغنية التى كان الفلاحون يُردّدونها (أيام أنْ كان شعبنا يُنتج ثقافته القومية قبل غزوالراديو والتليفزيون لقرى الفلاحين) قال الدرويش لمفتش القطار:
يا طالع الشجره هات لى معاك بقره
تحلب وتسقينى بالمعلقه الصينى
فما علاقة الأغنية بالسؤال؟ وهل فوق الشجر بقر؟ إنه الخيال الشعبى، الذى يُكمل ماعجزعنه الواقع، أوهوبديل الواقع. وهذا الحل (الشعبى/ الفانتازى) يراه علماء الاجتماع أنه درجة من درجات مقاومة بؤس الحياة، بغرض الاستمرارفى الحياة. لذلك كان الحكيم موفقًا عندما جاء رد مفتش القطار– بعد أنْ سمع الأغنية: ((يظهرإنك عرفتْ)) والحكيم فى هذا الرد المُختصر، ترك مساحة للقارئ ليُكمل باقى الجملة: أى أنك أيها الدرويش عرفتَ طلبى. بعد ذلك يستمرالحواربينهما على هذا النحوالبديع الذى مزج فيه الحكيم الواقع بالفانتازيا:
الدرويش: العارف لايُعرّف.
المفتش: إذن لاحاجة بى إلى الشرح.
الدرويش: هناك فى ضاحية الزيتون.
المفتش: ضاحية الزيتون؟
الدرويش: هناك سوف تجد...
المفتش: أجد ماذا؟
الدرويش: الشجره.. فى الشتاء تطرح البرتقال.. وفى الربيع المشمش.. وفى الصيف التين.. وفى الخريف الرمان.
المفتش: شجرة واحدة؟!
الدرويش: واحدة.. كل شىء واحد..
فى هذا المشهد– شديد الكثافة- فإنّ الحكيم– بسلاسة إبداعية- نقل القارئ من الشجرة التى تتربّع فوقها بقرة، كما أراد خيال الفلاح المصرى، إلى شجرة عجيبة هى الأخرى، تطرح فاكهة الشتاء والربيع والصيف والخريف، أى أنها شجرة كل فصول السنة. ولكن السؤال هو: هل توجد شجرة (واقعية) لها تلك القدرة الخارقة على انتاج فاكهة كل الفصول؟ أم هى شجرة رمزية لشىء أبعد وأعمق؟ الاجابة– من خلال الحوار- إنها شجرة، رمزية لأى شىء؟ رمزية لما قاله الدرويش وهويتحدّث عن الشجرة .: هناك الشجره والبقره والشيخه خضره. فإذا كانت (الشجرة) رمزالخضرة والجمال والعطاء، والبقرة رمزحتحورالتى قدّسّها جدودنا المصريون، وكانت ترمزللجمال، وتُرضع الآلهة والبشر، كما جاء فى البرديات وعلى الجداريات العديدة، فإنّ ذلك الثنائى (الشجرة والبقرة) هوالتمهيد لما قصده الحكيم عندما وضع بعدهما مباشرة (الشيخة خضرة) فمامغزى هذا الاسم (والأدق هذا الرمز)؟ لا أغالى إذا قلتُ أنّ الحكيم كان يقصد (طبيعة الأرض المصرية) العفية القادرة على العطاء
أعتقد أنّ الحكيم فى هذه التجربة من تجارب مسرح اللامعقول، استطاع أنْ يمزج الواقع (المصرى) بمفرداته (من الطبيعة المصرية ومن الفلوكلورالمصرى) بالفانتازيا، لأنه استلهمَ واستوعبَ التيمات الشعبية التى أنتجها الأميون المصريون. وهذا الجانب من إبداع الحكيم تجاهله أغلب النقاد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.