مدبولي يتابع جهود إزالة التعديات على النيل وأراضي طرح النهر    الزمالك ينهي التجهيزات الخاصة بعقد الجمعية العمومية للنادي    الارصاد: غدا ارتفاع طفيف فى درجات الحرارة وشبورة صباحية على أغلب الأنحاء    انطلاق فعاليات المبادرة القومية "أسرتي قوتي" بديوان عام محافظة الجيزة    بريطانيا تتراجع 5 مراتب في تصنيف التنافسية الضريبية العالمي بعد زيادة الضرائب    حماس: الاحتلال لديه ثوابت لاختراق الاتفاق وملتزمون بوقف إطلاق النار    منتدى أسوان للسلام منصة إفريقية خالصة تعبّر عن أولويات شعوب القارة    صديق للبيئة.. طلاب تربية نوعية الفيوم يبدعون في معرض "فنون مستدامة".. صور    روني: لن أتفاجأ برحيل صلاح عن ليفربول    حقيقة مفاوضات حسام عبد المجيد مع بيراميدز    رئيس جامعة كفر الشيخ يتفقد معامل ومدرجات الطب البيطري لمتابعة أعمال التطوير    مصرع وإصابة 8 أشخاص فى حادث مرورى بالمنيا    وكيل تعليم الفيوم يشيد بتفعيل "منصة Quero" لدى طلاب الصف الأول الثانوي العام.. صور    هيئة السكة الحديد تعلن مواعيد قطارات المنيا – القاهرة اليوم    وزير الثقافة يهنئ محمد سلماوي لاختياره "شخصية العام" بمعرض الشارقة للكتاب    حوار| وائل جسار: مصر بلد الفن.. ووجودى فيها تكريم لمسيرتى الفنية    إسراء عصام: أشارك للسنة الثانية في مهرجان الموسيقى العربية.. وأغني "أنساك" تكريمًا لكوكب الشرق    نقابة الأشراف تعليقا على جدل مولد السيد البدوي: الاحتفال تعبير عن محبة المصريين لآل البيت    غدًا.. أساتذة طب الفيوم يناقشون أمراض الحنجرة والتهابات الأذن    محافظ أسوان يتفقد مركز الأورام ضمن منظومة التأمين الصحي الشامل    نساء 6 أبراج تجلبن السعادة والطاقة الإيجابية لشركائهن    تكريم ستة فائزين بمسابقة المنصور الجامعة للأمن السيبراني    أمينة الفتوى: الزكاة ليست مجرد عبادة مالية بل مقياس لعلاقة الإنسان بربه    هل يشترط وجود النية في الطلاق؟.. أمين الفتوى يوضح    المغرب يستضيف بطولة للكرة النسائية بمشاركة تاريخية لمنتخب أفغانستان    محمد الحمصانى: طرحنا أفكارا لإحياء وتطوير مسار العائلة المقدسة    «القومي للبحوث» يناقش تطوير علم الجينوم بمشاركة خبراء من 13 دولة    نتنياهو: مصرون على تحقيق جميع أهداف الحرب في غزة ونزع سلاح حماس    مصر ترحب باتفاق وقف إطلاق النار بين باكستان وأفغانستان    هشام جمال يكشف تفاصيل لأول مرة عن زواجه من ليلى زاهر    مصدر من الأهلي ل في الجول: ننتظر حسم توروب لمقترح تواجد أمير عبد الحميد بالجهاز الفني    قرار وزارى بإعادة تنظيم التقويم التربوى لمرحلة الشهادة الإعدادية    "بين ثنايا الحقيقة" على مسرح السامر ضمن ملتقى شباب المخرجين    تشغيل 6 أتوبيسات جديدة غرب الإسكندرية لتيسير حركة المرور    ليست الأولى.. تسلسل زمني ل محاولة اغتيال ترامب (لماذا تتكرر؟)    حزن وبكاء خلال تشييع جثمان مدرب حراس المرمى بنادى الرباط ببورسعيد.. صور    بعد تهنئة إسرائيل له.. من هو الرئيس البوليفي الجديد رودريغو باز؟    مركزان ثقافيان وجامعة.. اتفاق مصري - كوري على تعزيز التعاون في التعليم العالي    الأمين العام الجديد للشيوخ يجتمع بالعاملين لبحث أليات العمل    «العمل»: التفتيش على 1730 منشأة بالمحافظات خلال 19 يومًا    مجلس إدارة راية لخدمات مراكز الاتصالات يرفض عرض استحواذ راية القابضة لتدني قيمته    طارق العشري: زعلت على نفسي بعد رحيلي من فاركو    لعظام أقوى.. تعرف على أهم الأطعمة والمشروبات التي تقيك من هشاشة العظام    وزير الصحة يطلق جائزة مصر للتميز الحكومي للقطاع الصحي    موانئ البحر الأحمر: تصدير 49 الف طن فوسفات عبر ميناء سفاجا    الرئيس السيسي يوجه بمواصلة جهود تحسين أحوال الأئمة والخطباء والدعاة    طالب يطعن زميله باله حادة فى أسيوط والمباحث تلقى القبض عليه    تأجيل محاكمة 3 متهمين بالتنظيم الثلاثي المسلح لسماع أقوال شاهد الإثبات الأول    اتصالان هاتفيان لوزير الخارجية مع وزيري خارجية فرنسا والدنمارك    علي هامش مهرجان الجونة .. إلهام شاهين تحتفل بمرور 50 عامًا على مشوار يسرا الفني .. صور    «نقابة العاملين»: المجلس القومي للأجور مطالب بمراجعة الحد الأدنى كل 6 أشهر    التنظيم والإدارة يعلن عن مسابقة لشغل 330 وظيفة مهندس بوزارة الموارد المائية    سعر الأرز الأبيض والشعير للمستهلك اليوم الإثنين 20اكتوبر 2025 فى المنيا    روح الفريق بين الانهيار والانتصار    حبس المتهم بانتحال صفة موظف بخدمة عملاء بنك للنصب على مواطنين بالمنيا    تقارير: اتحاد جدة ينهي تجديد عقد نجم الفريق    د. أمل قنديل تكتب: السلوكيات والوعي الثقافي    سهام فودة تكتب: اللعب بالنار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر فكرة و ليس مجرد دولة
نشر في الأهرام اليومي يوم 16 - 03 - 2017

أنتم المصريين تختلفون عن غيركم من أبناء شعوب المنطقةس سمعت هذه العبارة أكثر من مرة أثناء سنوات الدراسة بالخارج.
سمعتها من زملاء أجانب تفاعلوا معى ومع غيرى من مصريين، و تفاعلوا أيضا مع جنسيات أخرى من المنطقة. حديث هؤلاء الأجانب لم يكن يعنى أن المصريين أكثر تفوقا أو ذكاء المصريين و لكن كان يشير الى أن سلوكهم العام به قدر من الاختلاف مقارنة بآخرين قد يتحدثون نفس اللغة أو يؤمنون بنفس الدين.
هذه الملاحظة عن المصريين دفعتنى كثيرا للتفكير فى أسبابها. وكان التفسير الأقرب لعقلى هو أن مصر التى ننتمى اليها ليست مجرد دولة أو جنسية، ولكنها فكرة أو مجموعة من الأفكار تغلغلت داخلنا بشكل طبيعى، وصارت كأنها جزء من تكويننا الجينى، وأصبحت محركا للسلوك ومصدرا للاختلاف عن الآخر غير المصرى.
الحديث عن الدولة كفكرة ليس اختراعا مصريا، والمتتبع للجدل السياسى الدائر الآن فى الولايات المتحدة سيجد أن هناك فريقا يعارض سياسات ترامب الخاصة بالهجرة ودخول الاجانب على أساس أنها غير «أمريكية» أى تتعارض مع فكرة الولايات المتحدة كمجتمع مفتوح والتى وضعها الآباء المؤسسون عند قيام الدولة. نفس الجدل يدور أيضا فى فرنسا ودول أوروبية أخرى مع تصاعد تيار اليمين العنصرى.
الهدف من كتابة هذا المقال إذن ليس دغدغة المشاعر الوطنية، أو صك عبارات شاعرية عن تميز مصر و المصريين. ولكن المسألة لها أبعاد سياسية مهمة داخليا و خارجيا.
ونبدأ بالتساؤل: ماهى مكونات «فكرة مصر»؟ وما أهمية هذا الموضوع؟
مصر ليست مجرد بشر و نظام سياسى وقدرات عسكرية واقتصادية، أو تاريخ إنجازات و إسهام قيادات، و لكنها أيضا فكرة تكونت و ترسبت عبر سنوات طويلة. والحديث عن مكونات مصر كفكرة لايزال يحتاج جهدا بحثيا كبيرا قد لايقل عن الجهد الذى بذله الدكتور جمال حمدان فى دراساته عن مصر وعبقرية المكان. ولكن يمكن مبدئيا الحديث عن المكونات التالية:
الخصوصية المصرية، أو إحساس المصريين بالتفرد التميز نتيجة اختلاف التجربة التى مروا بها عبر خمسة آلاف عام منذ تأسيس الدولة المصرية على يد مينا موحد القطرين . تجربة شهدت بناء حضارات وقيادة انتصارات وفتوحات، وكذلك انتكاسات وانكسارات، ولكنها جميعا راكمت هذا الاحساس بالخصوصية، الذى انتقل عبر الأجيال، وصار جزءا من تركيبة المصريين، وشعورهم بأنهم ليسوا مجرد دولة أخرى فى جامعة الدول العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامى، وجعلت مسألة «الكرامة الوطنية» لها حساسية خاصة فى تعاملهم مع الخارج.
التعايش مع الآخر داخل الوطن والقدرة على استيعابه، بما فى ذلك من أصبح جزءا من هذا الوطن نتيجة فتوحات أو غزوات، حيث شارك الجميع فى بناء الحضارة، ومصر تكاد تكون الدولة الوحيدة التى بها متاحف لكل من الحضارة الفرعونية واليونانية والرومانية والقبطية والاسلامية، وكلها لها مكون محلى نما على أرض هذا الوطن.
الانفتاح على الخارج ورفض الانغلاق والعزلة أو الانكفاء على الذات. حيث شعر المصريون دائما بأن دورهم يتجاوز حدودهم، فانفتحوا على الخارج، وامتدوا فيه، أحيانا بقوة السلاح، وكثيرا بقوة الفكرة والنموذج.
تمثل «الوسطية» أيضا أحد مكونات الفكرة المصرية. وكما يتدفق نهر النيل بمساره الرئيسى وسط الصعيد والدلتا، ويتفرع عن هذا المسار بعض الترع والقنوات الهامشية، فهناك أيضا مسار أو شريان رئيسى للفكر المصرى يتسم بالوسطية والاعتدال ويؤمن به غالبية المصريين، ولايمنع ذلك من وجود أفكار متطرفة على التخوم و الهوامش، بعضها قد يكون له صوت مرتفع، ولكنها لم تحتل أبدا المكانة الرئيسية فى عقول و قلوب غالبية المصريين.
ولكن ما أهمية الحديث عن مصر كفكرة؟
أهمية الموضوع ترجع لأسباب كثيرة، أولها أن بلورة هذا المفهوم، وتحديد معالمه، يمكن أن يمثل البوصلة التى يجب ألا يحيد عنها السياسى الذكى، كما أن تضمينها فى مناهج التربية الوطنية والدراسات الاجتماعية سوف يسهم فى بلورة الشخصية و دعم الانتماء لدى أبناء الجيل الجديد من الشباب، فى وقت تتعرض فيه الهويات و الثقافات الوطنية لضغوط شديدة نتيجة لظاهرة العولمة.
وثانيا، ترسيخ الفكرة المصرية ومايجمع المصريين فى إطارها سوف يحد من ظاهرة الاستقطاب والانقسام السياسى التى يشهدها المجتمع، خاصة بين التيارات المدنية.
وثالثا، سوف يؤدى تحديد المسار الرئيسى للفكرة المصرية الذى يتسم بالوسطية و الاعتدال الى تهميش أفكار التطرف، ومنها تلك المرتبطة بالإسلام السياسى والتى لم تكن يوما جزءا رئيسيا من مكونات الفكرة المصرية، ولكنها انتشرت و تمتدت فى ظل الفراغ الفكرى الذى نعيشه. والواقع يثبت أن فكرة الوطنية المصرية هى الوحيدة القادرة على مواجهة فكرة الإسلام السياسى وهزيمة تياره فى الساحةالسياسية.
ورابعا، فإن مكانة و دور مصر الإقليمى ارتبط دائما بقوتها الناعمة و ليس بقدراتها الاقتصادية و العسكرية، أى ارتبط دائما بفكرة، سواء فكرة مصر كنموذج تحتذيه الدول الأخرى فى المنطقة، أو مصر كمركز للإبداع الثقافى والفنى العابر للحدود، أو المساهمة المصرية بأفكار فى تسوية المشكلات الدولية، وقيادة المنطقة بهذه الأفكار نحو آفاق جديدة.
خلاصة القول، يجب ألا يقتصر حديثنا وجهدنا على مسألة تجديد الخطاب الدينى، ولكن علينا أيضا كدولة و كنخبة ثقافية أن نبلور مفهوم مصر كفكرة، ونستخدم هذه الفكرة فى بث روح الانتماء لدى الشباب، والحد من ظاهرة الاستقطاب المجتمعى، وتأكيد قيم الوسطية والاعتدال و تهميش أفكار التطرف الدينى، واستعادة المكانة و الدور المصرى فى المنطقة.
باختصار قوة مصر الحقيقية هى فى فكرتها.
لمزيد من مقالات د. محمد كمال


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.