حال العلاقات البينية العربية الراهنة وما يواجهها من تحديات والأسباب التى جعلت تلك العلاقات تصل إلى ما وصلت إليه فى الوقت الحاضر والحلول المقترحة لإحداث نقلة إيجابية فى العلاقات العربية العربية خلال المرحلة القادمة. حول تلك المحاور التى تدور فى أذهان الكثيرين قبل انعقاد القمة العربية, نظمت اللجنة المصرية للتضامن برئاسة الدكتور حلمى الحديدى ندوة بعنوان «العلاقات البينية العربية» بمشاركة كل من: عميد كلية الإقتصاد والعلوم السياسية الأسبق ووزير الشباب والرياضة سابقا الدكتور على الدين هلال الذى أدار الندوة، والكاتب الصحفى محمد سلماوى وكيل وزارة الثقافة للعلاقات الخارجية سابقا وأمين عام اتحاد كتاب آسيا وافريقيا، والدكتور محمد عبد اللاه رئيس جامعة الاسكندرية الأسبق ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان المصرى على مدى عدة دورات سابقة، و الدكتور أحمد يوسف أحمد الكاتب والمحلل السياسى ومدير معهد الدراسات العربية سابقا، والسفير محمد مصطفى فهمى نائب مساعد وزير الخارجية لشئون المغرب العربى، بالإضافة إلى الحضور الذى شمل لفيفا من السياسيين والدبلوماسيين والأكاديميين والخبراء والكتاب الصحفيين. وتحدث السفير محمد مصطفى فهمى عارضا رؤيته للتحديات التى تواجه مصر والدول العربية فى الفترة الحالية وقال أنه توصل من خلال خبراته وقراءاته إلى مرور الوطن العربى حاليا بعدة تحولات عميقة وتاريخية «تمثل فى مجملها مرحلة فارقة فى تاريخ المنطقة لايضاهيها سوى مرحلة التحول عبر الحرب العالمية الأولى التى شكلت النظام العربى فى شكله الحالى» وأنه ما من شك فى أن تلك التحولات مجتمعة قد أوصلت المنطقة إلى «مرحلة أزمة حقيقية» حيث نشبت أزمات ذات طابع دولى ما يمثل تحديا بالغا للسياسة الخارجية المصرية وللأمن القومى المصرى فى مفهومه الأوسع. وتتمثل ملامح التحول الإستراتيجى فى المنطقة العربية وتداعياته على الأمن الإقليمى فيما يلى: أولا، غلبة المسار العسكرى على المسار السياسى كسبيل للتسوية وذلك فى معظم الأزمات الجارية حتى الآن وبالتالى تراجع أو تأخر الحديث عن التسويات السياسية فى كل من سورياوالعراق واليمن. وأصبح مسار الصراع يخضع لاعتبارات عسكرية خالصة فى محاولة لحسمه عسكريا مع تأجيل الخوض فى المسار السياسى فى حالة عدم النجاح فى المسار العسكرى. وثانيا، تنامى أدوار القوى الإقليمية والعربية التى تزيد من مستوى الأزمات فى المنطقة. فإذا تم إتخاذ الأزمة السورية كمثال سنجد أن قوى إقليمية وعربية وغير عربية تقوم بتبنى سياسات تزيد الأزمة السورية إشتعالا. فتركيا تركز على إيجاد حل للتقدم الكردى فى شمال سوريا خشية نجاح الأكراد فى الحصول على إقليم مستقل على غرار ما حدث فى العراق. وتتدخل إيران بقوة فى الأزمة السورية بدعمها المكثف للنظام السورى عبر حشد ميليشيات شيعية من عدة دول مما أذكى البعد الطائفى للصراع العسكرى وأكسبه إمتدادات إقليمية واضحة. أما السعودية ودول الخليج فتقدم دعمها العسكرى والإعلامى للفصائل السورية المعارضة دون مراعاة للخطوط الفاصلة بين المعارضة المعتدلة والجماعات المتشددة مما عمق من البعد الطائفى للصراع ليتحول إلى صراع سنى شيعى بالأساس. ثالثا، اختلال توازنات القوى بالمنطقة العربية. فقد برزت إيران كقوة إقليمية، وتزايد الدور التركى وتصدع البنيان العربى بالإضافة إلى خروج مسارات الصراع والتسوية على السواء من الإطار العربى إلى الإطارين الإقليمى والدولى نظرا لعجز النظام العربى عن تطوير أدائه سواء كان ذلك على مستوى الدول العربية منفردة أو على مستوى جامعة الدول العربية للتأقلم مع مجمل التحديات التى تشهدها المنطقة. ونبه الدكتور محمد عبد اللاه إلى خطورة عدم إدراك حقيقة المأساة التى تعيشها الأمة العربية. فالمأساة ليست وليدة الأحداث التى نعيشها اليوم وإنما هى وليدة مخطط بدأ منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضى وضع أسسه برنارد لويس وعرضه على الولاياتالمتحدة لتقسيم المنطقة العربية إستنادا إلى النزعات الطائفية والعرقية وغيرها. وقد بدأ تنفيذ المخطط ب»الكذبة الكبرى» التى قالت بامتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل وتم ضرب العراق وبعد تفتيت العراق جىء بدستور يكرس فكرة التقسيم. أما فى سوريا فلا يدرك من يساعدون التيارات المتطرفة على إسقاط الدولة السورية «فالقضية لم تعد قضية نظام» أنهم إذا أسقطوا الدولة السورية فسيكون الدور عليهم ..»فالمعادلة تقول بأن سوريا إذا وقعت وإنهارت الدولة فسيحل الدور على الآخرين». أما حرب اليمن فهى تجسيد لفكرة الاستنزاف فى ظل غياب الصوت العربى الموحد. واليوم أصبح من يتحكمون فى مسار المنطقة من الدول غير العربية سواء كانت قوى إقليمية مثل إيرانوتركيا وإسرائيل أو قوى عالمية. وأكد عبد اللاه أن الصراع فى المنطقة ليس مذهبيا أوطائفيا لأن تبنى هذا المنظور يعنى أن العرب سيقعون فى فخ منصوب، وإنما الصراع الحقيقى هو عنصرى عثمانى عربى وفارسى عربى، فالقضية هى حلم الدولة الفارسية التى تريد السيطرة على الخليج من جهة، وحلم الدولة العثمانية من جهة أخرى. والأمل معقود على دور مصر فى لم الشمل العربى لتكون هناك قوة توازن فى المنطقة فى مواجهة قوة كل من تركياوإيران وإسرائيل. وهكذا بدا من الواضح أن المنطقة العربية تعانى من خطر محدق تتمثل عناصره فيما يلى: إستمرار الإنقسام العربى والتجزئة، وإستمرار الصراعات المسلحة والحروب الأهلية والحروب بالوكالة، وتعديل ميزان القوى فى المنطقة لحساب القوى غير العربية ضد القوى العربية، زيادة مستويات التدخلات والانتهاكات الخارجية فى المنطقة العربية. وقدم الدكتور أحمد يوسف أحمد تشخيصه لأسباب الفشل المتكرر فى إقامة علاقات تكاملية عربية، حيث نبه إلى أن تمسك النظام العربى بالارتكان الدائم إلى مبدأ السيادة القطرية المطلقة يعد عنصرا رئيسيا من عناصر إخفاق محاولات إقامة علاقات تكاملية بين الدول العربية على مستوى جامعة الدول العربية وعلى مستوى التعاون الاقتصادى ومنطقة التجارة الحرة (التعاون البينى العربى العربى لايتجاوز 10% فقط من إجمالى التجارة الخارجية العربية) والدفاع المشترك. كما رصد تحول الصراعات العربية من صراعات بينية فى نهايات القرن العشرين إلى صراعات داخلية فى الدولة الواحدة. وحذر من تراجع التكاتف العربى عند مواجهة إحدى الدول العربية لتهديد أوخطر خارجى حيث أرخ لبداية هذا التراجع مع إستدعاء القوى الخارجية للتدخل عسكريا عقب أزمة الغزو العراقى للكويت والتى أحدثت شقا فى الصف العربى استمر فى النمو وصولا للغزو الأمريكى للعراق. وحذر من رغبة بعض الدول العربية فى تغيير النظم فى دول عربية أخرى. ونبه إلى أن محاولات الوحدة العربية كانت تتسم بالهشاشة بالإضافة إلى الدور التخريبى للتدخلات الخارجية فى العلاقات العربية. وعن محاولة لتلمس الطريق نحوالأمل فى غد أفضل تحدث محمد سلماوى مشيرا إلى أن قيام «الجمهورية العربية المتحدة» الموافق ليوم 22 فبراير1958 يمثل الكثير بالنسبة للعمل العربى المشترك لأنه اليوم الذى شهد أول وحدة عربية فى التاريخ الحديث. فاليوم إختفى الحديث عن «النظام العربى» فلا نظام أمنى أو دفاعى لأنه «لم يعد هناك نظام عربى يمكن الحديث عنه» فى ظل حالة التفكك والإنهيار والإقتتال بل والخطر الوجودى بالتهديد بزوال بعض الدول التى كانت تعد ركنا أساسيا من أركان النظام العربى على مدى التاريخ الحديث. ولكن برزت «مصر 30 يونيو» كخير مثال على صمود الدولة العربية فى وجه التحديات. وحذر سلماوى من أن القوى الخارجية التى تقف وراء تفتيت المنطقة لم تكن لتسمح للإخوان بإقامة شكل جديد من أشكال توحيد الأمة العربية داخل إطار خلافة إسلامية أو غير ذلك. فهذا المخطط الذى تم ضد مصر بتدبير من الولاياتالمتحدة أوعلى الأقل بموافقة منها يمثل رمز للتخطيط الأعم والأشمل الذى يحاك ضد المنطقة والذى وصل بها إلى مرحلة تقسيم العرب لأنفسهم ذاتيا. ولكنه أكد أن الوصول إلى أقصى درجات التردى قد يكون إيذانا ببزوغ الفجر. فالمنطقة العربية تمر اليوم بمرحلة مخاض قاسية وأصبحت للشعوب إرادة وقدرة على فرض نفسها على الحكومات ما ينبئ عن الإقتراب من بداية مرحلة جديدة تماما فى تاريخ الأمة العربية التى لايمكن أن تكون أكثر تفككا مما نحن فيه. وبالتأكيد فإن الغد سيكون أفضل حيث شكل جديد وصيغة جديدة تتشكل الآن. الدكتور أحمد يوسف أحمد قدم بعض الحلول للأزمة العربية والتى جاءت كما يلى : 1 إعادة الإعتبار للأمن القومى العربى لأن كل الدول التى تتدخل فى المنطقة بحجة المساعدة هى فى الأصل تبحث عن مصالحها. 2 وقف التدخل العربى فى الشئون الداخلية للدول العربية الأخرى. 3 تجريم المطالبة بالتدخل الخارجى فى الأزمات العربية. 4 التعويل على دور مصر، «فكلما تعافت مصر تعافى العالم العربى». وركز الدكتور على الدين هلال على العمل الخارجى واصفا التغلغل الخارجى فى دوائر الحكم العربية ب»اس الفساد». وحذر من أنه قد تم تصدير عدد من الأفكار الهدامة إلى الدول العربية ومصر بهدف تفكيك الدولة. وجاءت فكرة «الأمن الإنسانى» فى المقدمة. حيث روج لأحقية الدول الكبرى فى التدخل لحماية الأقليات بالدول الأخرى وفتح الأسواق. وختم الدكتور حلمى الحديدى الندوة بالتنبيه إلى أهمية تنمية «الثقة بالنفس» بداية من المواطن العربى وصولا إلى الدولة ذاتها. فالمواطن العربى الواثق النفس لن يهتز أو ينقاد بسهولة وراء الأفكار الهدامة. ففقدان الثقة بالنفس لدى المواطن العربى ولد فقدان القدرة والقوة والقيمة الإنسانية. فالحل يكمن فى تنمية الثقة بالنفس لدى المواطن العربى، حماية للجبهة الداخلية العربية، والإيمان بالقومية العربية.