العاصمة الفرنسية تتميز عن غيرها من العواصم الاوروبية بالحراك الثقافي الشديد التنوع والذي تجده أحيانا مرتبطا بالدوائر السياسية إن لم يكن مدعما لها. ذلك ان هذا البلد العريق.يؤمن إيمانا راسخا بأن التبادل المعرفي والثقافي علي اساس علمي بين الشعوب هو مفتاح العلاقات الانسانية والدولية أيضا فمن خلالها أي الثقافة بفروعها وتنوع مصادرها يمكن تدعيم الحوار وتحقيق توازن في العلاقات بين الامم فضلا عن مساعدتها علي إيجاد حلول لمشكلات وقضايا ذات طابع سياسي وأبعاد اجتماعية. وفي ظل ما نشهده من تطورات متلاحقة وفعالة في الوسائل السمعية والبصرية ليس هناك أفضل من استخدامها لتحقيق الهدف وقد باتت هي الوسائل الأكثر تأثيرا بل هي لغة هذا العصر التي يمكن من خلالها مد الجذور ودعم الصلات والعلاقات التاريخية والانسانية والحضارية. من هذا المنطلق جاء الملتقي الدائم للوسائل السمعية والبصرية في حوض البحر المتوسط المعروف باسم الكوبيام الذي أعلن تشكيله رسميا عام1996 بالقاهرة والمتواصلة أعماله حتي كانت الدورة ال17 في باريس في الفترة من8 الي11 من إبريل الحالي تحت عنوان الرهان السمعي والبصري بمشاركة مائة وثلاثين كيانا مهنيا من خمس وعشرين دولة اتفقت علي أهمية تطور وسائل الاتصال السمعية والبصرية وإقامة المشروعات التنموية وتعزيز الشراكة بين شمال وجنوب البحر المتوسط علي وجه التحديد بهدف عودة الطابع المركزي لحضارة تلك المنطقة المتميزة تاريخيا في مواجهة تنامي مفردات ثقافة عالمية لا تجد امامها ما ينافسها وعن اقتناع بضرورة إحياء ذاكرة الثقافة المتوسطية ذات الجذور العميقة والثرية بتنوعها علي أساس الاحترام المتبادل وقوانين مشتركة تحمي هذا التبادل وتسهل لمجال السمعيات والمرئيات تحقيق أهدافه وتواصله دونما عوائق تذكر. تميزت الدورة ال17 باعلان ثلاثة مشروعات جديدة يجري الاستعداد لتنفيذها حتي تري النور علي المدي القريب وهي إنشاء شبكة تواصل بين الجامعات ومعاهد التعليم العالي المعنية بالإعلام المرئي والمسموع والسينما في منطقة البحر المتوسط, إنشاء موقع الكتروني متخصص في التراث المرئي والمسموع لدول المتوسط ثم مشروع القناة التلفزيونية المتوسطية الذي يراهن عليه إيمانويل هوج رئيس الهيئة الوطنية للارشيف ورئيس( الكوبيام) ورغم صعوبة تحقيق ذلك علي حد قوله- إلا أن الأمور ليست مستحيلة إذا توافرت الجهود والعزيمة!! كما يري هوج أن الأمور التي تجمع شطري المتوسط أكثر من التي تفرق بينهما.. رغم أن التباين بين دول المنطقة علي الصعيد السياسي والأمني والاقتصادي موجود وقائم ولكنه يراهن علي أن القواسم المشتركة في المجال الثقافي يمكنها أن تلعب دورا في تقريب وجهات النظر وتوسيع دائرة التفاهم والمعرفة من خلال عالم الإعلام المرئي والمسموع.. تلك كانت رؤية رئيس الكوبيام التي أكد عليها في أكثر من مجال مصرحا أو كاتبا عن مستقبل أعمال التنمية الاعلامية المتوسطية والتي من المنتظر أن يناقشها في يونيو المقبل إجتماع الاتحاد من أجل المتوسط في دورته الثانية بمدينة برشلونة مسبوقا باجتماع لوزراء ثقافة الدول المشاركة. والخلاصة هي أن شمال البحر المتوسط يرغب في تحقيق إطار تعاوني متنام يحترم التنوع الثقافي ويهدف الي النهوض بجنوب المتوسط ويصل الي مستوي الندية في التعامل ويرتكز علي مبدأ تقليص الفوارق بين الشمال الثري والجنوب الأقل ثراء مقتنعا تمام الاقتناع بأن التركيز علي أهمية الحوار الثقافي والمعرفي وامتلاك وسائل العصر الحديث عن جدارة من شأنه تدعيم العلاقات والمصالح المشتركة في مجالات حيوية أهمها السياسة والاقتصاد.. وإن كان الأمر كذلك وحسب مشاهدات متواضعة نقول بكل صراحة ووضوح أن هذه الدعوة المفتوحة تقتضي منا نحن جنوب المتوسط أن نجتمع أولا علي أهمية أن نتواصل ونتحاور ونؤمن بأهمية التعاون المشترك فيما بيننا حتي نخوض ميدان التعامل مع ضفة المتوسط المقابلة شديدة التقدم ونحن في حل من مساعدته لنا في إزالة فوارق وإختلافات ما زلنا غير مدركين أنها تمس حياتنا الثقافية وتقيد بالتالي أمورنا الأكثر أهمية وثانيا أن ندعم البحث ودراسة متطلبات هذا العصرفي مجال تكنولوجيا الاعلام وذلك برفع مستوي الكفاءة المهنية للعاملين في هذا المجال..فما زالت الشكوي من ضعف الإمكانات والمهارة بين صعود وهبوط رغم مشاركتنا بأعمال يشهد لها الجميع عندما توافرت عناصر الإرادة والإتقان..أما ثالثا وهو الأهم أن ندرك تماما أهمية أن نكون فاعلين وليس مجرد رد فعل بمعني أن نتخطي بكل السبل فكرة أننا نتعامل مع دول متقدمة ليس هناك مجال للمقارنة بيننا وبينهم.. لقد كنا السباقين ولكننا أهملنا! وهم يدركون ذلك تماما فهل نستعيد الذاكرة؟!