لولا الحروب الأهلية والصراعات الدموية على السلطة وما ترتب عليها من جرائم اغتصاب وانتقام وسلب ونهب وتشريد لعامة الناس وعجزهم عن زراعة أرضهم وجنى محاصيلهم وتدمير ما لديهم من مخزون غذائى لما هددت المجاعة حياتهم بما سبَّبته من هُزال وأمراض مع انعدام فرص العلاج، أما الجفاف رغم خطورته المهلكة للزرع والضرع فيمكن الحد من خطره لو أن فى البلد الذى يضربه استقراراً وحكومة قادرة على تأمين وصول المساعدات الغذائية والطبية إليهم بلا معوقات. لكن للأسف لا يتوافر ذلك فى جنوب السودان والصومال واليمن ونيجيريا التى حذرت الأممالمتحدة منذ أيام من أن أكثر من20 مليوناً فيها يواجهون أوضاعاً مأساوية ويحتاج إنقاذ حياتهم إلى 4.4 مليار دولار قبل نهاية مارس. الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش وصف الوضع فى الدول الأربع بأنه خطير قائلاً إن الملايين منهم يعيشون حياةً تتراوح بين معاناة من سوء التغذية والاقتراب من الموت وإنهم اضطروا إلى قتل الحيوانات وأكل البذور المدخرة لزراعة المحاصيل وإن فى جنوب السودان خمسة ملايين فى حاجة ماسة للغذاء وأكثر منهم بمائة ألف فى شمال شرق نيجيريات و7.3 مليون فى اليمن الذى يشهد أكبر حالة انعدام أمن غذائى فى العالم.فى الوقت نفسه أعلنت منظمة اليونيسيف أن نصف سكان الصومال تقريباً (6.2 مليون) بحاجة إلى مساعدة إنسانية منهم نحو مليون طفل يعانون من سوء تغذية حاد وأصبح بعضهم على حافة المجاعة وأن نحو 450 ألف طفل فى شمال شرق نيجيريا تضرروا بسبب الصراعات فى مناطق لا تستطيع وكالات الإغاثة الإنسانية الوصول إليها فى وقت زاد عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية فى اليمن بنسبة 200% ليبلغ 462 ألفاً خلال العامين الماضيين. جنوب السودان كان أول دولة فى العالم منذ ست سنوات تعلن حكومتها رسمياً حدوث مجاعة فى بعض مقاطعات ولاية الوحدة حيث يواجه 100 ألف إنسان خطر الموت جوعاً وأصبح أكثر من مليون على شفا المجاعة من بين 42% من السكان يعانون نقصاً حاداً فى الغذاء بسبب الحرب الأهلية والجفاف.فى الوقت نفسه أعلن منسق الشئون الإنسانية للأمم المتحدة جيمى ماكجولدريك أن 17مليون يمنى (62% من الشعب) أصبحوا غير قادرين على توفير الطعام بكمية كافية لأنفسهم وأن سبعة ملايين منهم أقرب إلى المجاعة من أى وقت مضى لدرجة أن النساء والفتيات أصبحن آخر من يتناول الطعام وبكميات اقل من الذكور. أما الاتحاد الدولى لجمعيات الهلال والصليب الأحمر فوصف الوضع فى الصومال بأنه الأسوأ حيث خرج عشرات الآلاف بحثاً عن طعام ومياه لأنفسهم ومراعٍ لماشيتهم التى بدأت تنفق. الإعلان رسمياً عن مجاعة كما حدث فى جنوب السودان قبل أيام والصومال عام 2011 وإثيوبيا عام 2000 لا يتم عادةً إلاَّ بعد توافر ثلاثة شروط رئيسية هى وفاة شخصين يومياً من كل 10 آلاف وحدوث سوء تغذية حاد يصيب أكثر من 30% من سكان منطقة ما ومعاناة 20% منهم على الأقل من نقص حاد فى الغذاء مع عجزهم عن التعامل معه،وهناك عوامل غير أساسية يمكن أخذها أيضاً فى الاعتبار منها تشريد السكان على نطاق واسع وتفشى الأمراض والفقر وحدوث انهيار اجتماعى.وعادةً لا يحدث ذلك إلاّ فى بلاد منكوبة بحروب أهلية مثل الصومال واليمن وجنوب السودان ونيجيريا بالتزامن مع موجات جفاف وعجز الحكومات عن مواجهتها أو نتيجة موجة جفاف مع عدم مبالاة من حكومات غير كفء وغير ديمقراطية كحكومة زيمبابوى التى أنفقت 2٫5 مليون دولار على الاحتفال بعيد ميلاد الرئيس بينما مئات الآلاف لا يجدون ما يسدون به رمقهم واضطر بعضهم لأكل لحاء الشجر للبقاء على قيد الحياة.فقد أهلك الجفاف محاصيلهم ومواشيهم وأعجزهم تدهور الاقتصاد عن إيجاد فرص عمل فى بلد وصلت فيه نسبة البطالة إلى 80% وضرب التضخم أرقاماً فلكية لم تحدث منذ الحرب العالمية الثانية وحيث حذرت منظمة (أنقذوا الأطفال) الخيرية منذ ثمانية أشهر من أن آلاف الأطفال يواجهون الموت جوعاً نتيجة الجفاف مشيرةً إلى موت نحو 200 منهم بالفعل من مضاعفات سوء التغذية قائلةً إن بعض الأمهات يبقين أحياناً بلا طعام لخمسة أيام.كما قدَّر موظفون حكوميون وقتها أن أكثر من أربعة ملايين (33% من الشعب) يمكن أن يعانوا من الجوع قبل نهاية 2016. مسئولية تلك الأوضاع المأساوية تقع فى معظمها على الحكام الذين يتصارعون على السلطة خاصةً فى جنوب السودان واليمن والصومال حيث وضعوا طموحاتهم الشخصية قبل مصلحة أوطانهم،كما تعود فى غالبيتها إلى عمليات إرهابية نفذتها حركات مثل بوكو حرام فى نيجيريا والشباب المجاهدين بالصومال رداً على سوء الإدارة وتفشى الفساد وكثرة التدخلات الخارجية، ولا تبدو فى الأفق نهاية قريبة لتلك المآسى. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى;