اختلفوا فى الزمان والمكان لكنهم اتفقوا فى أشياء كثيرة أولها حياة الفقر والحرمان التى عاشوها والنهاية المأساوية التى ذاقوها والبيت المسقوف من العروق والجريد وأحلام لم تكتمل. فما بين عشية وضحاها، بينما كان الأب يداعب أولاده وهو يراهم محرومين من أبسط متاع الحياة بعدما تم حشرهم داخل غرفة عدة أمتار، ووسط البرد والصقيع وأجساد الأطفال الضعيفة قامت الأم التى أنهكتها الحياة ومواصلة الليل بالنهار لتلبى احتياجات أبنائها الخمسة وزوجها باشعال النيران لتدفئة المكان بعدما تعالت أصوات أطفالها يشكون شدة البرد. وجلست الأم بجوار زوجها يتذكران 12 عاما قضياها سويا منذ أن تزوجا وهما يحلمان ببيت مناسب يؤويهما وأطفال يملأونه ضجيجا وفرحا وبدأت بعض أحلامهم تتحقق بعدما منّ الله عليهم بخمسة من الأبناء أكبرهم ياسمين 11 عاما وأصغرهم محمد 5 أشهر وبينما يعلو صراخ الرضيع الذى يتضور جوعا هرولت الأم لإرضاعه ومع مشقة يوم كامل لم تذق فيها طعم النوم والراحة غلبها النعاس فى الوقت الذى بدأ باقى الأطفال ينامون بعدما شعروا بدفء المكان ولا يدرون أنه الدفء الأخير وراح الجميع فى سبات نوم عميق حتى اشتعلت النيران فى الصالة وبدأت تتسرب رويدا رويدا للأساس المتهالك ثم السقف الذى ساعد على سريان النار، لتحاصر أنبوبة البوتاجاز وفى لحظات يتحول المنزل كله لقطعة من اللهب، وجاءت المطافئ متأخرة وعجز المسعفون عن دخول المنزل، لتلقى الأم وأطفالها الخمسة مصرعهم وينقل الأب للمستشفى بين الحياة والموت وتتشح قرية النواجى بساحل سليم بالسواد. ولم تمر سوى ساعات على تشييع جثامين الضحايا الست، حتى كانت قرية الزاوية مركز أسيوط على موعد مع المأساة ذاتها بعد تسبب ماس كهربائى فى اشتعال النيران بمنزل سائق توك توك مبنى من الخوص والجريد لتمسك النيران بجيركن بنزين خاص بالتوك توك ويتحول المنزل البسيط إلى كتلة من اللهب ووسط صراخ الأطفال وبكائهم بدأ صوتهم يضعف رويدا رويدا، وسكتت أصوات الضحك والبهجة للأبد ليلقى الأشقاء الثلاثة مصرعهم وينقل الرابع لمستشفى أسيوط الجامعى بين الحياة والموت.