تكدست مخازن نيابة وقسمى شرطة شلاتين ومرسى علم بعشرات الأجهزة الحديثة التى ضبطت مع «صيادى الذهب» من المغامرين الذين تلبستهم «الحمي» وأسرتهم غوايته وبريقه فراحوا ينقبون عنه فوجدوه فى الصخور واستخرجوا ما قدرته النيابة العامة ما بين طن وثلاثة أطنان سنوياً ، وانتبهت الدولة فأوكل الرئيس إلى مساعده للمشروعات القومية المهندس إبراهيم محلب ومستشاره الأمنى اللواء أحمد جمال الدين دراسة الأمر فدرساه ميدانياً من خلال لجنة زارت محافظتى أسوان والبحر الأحمر , وأوصت بضرورة تكرار تجربة منجم السكرى الذى ينتج أكثر من 80 طناً من الذهب سنوياً ، وأخيراً طرحت هيئة الثروة المعدنية 5 مناطق لمزايدة التنقيب عنه على الشركات ، (فأن تبدأ متأخراً »خير« من أن لا تبدأ أبداً). رغم أن ثروة مصر المعدنية والمحجرية سجلت فى خريطتها التعدينية ، والتى قام شيخ الجيولوجيين فى العالم محمد البهى عيسوى بإعداد أغلبها وتحديد إمكانات الصحراوات المصرية وثرواتها ، والذى قال فى حوارنا معه إن بداية البحث عن هذه الثروة عندما كلف اللورد كرومر، حاكم مصر الفعلى فى نهاية القرن ال19، الضابط الإنجليزى هنري، أحد مهندسى معركة توشكى التى حدثت عام 1889 بين القوات المصرية-الإنجليزية المشتركة (جيش الدراويش) بالتقدم بمذكرة إلى الحكومة المصرية لإنشاء مساحة جيولوجية لدراسة الصحراوات المصرية ومعرفة دروبها وآبار المياه فيها وكان هدفهم معرفة مسالك ودروب الصحراء بين مصر والسودان وليبيا ، وأيضاً لأنهم خططوا لتحويل مصر إلى مزرعة قطن لمصانعهم فى »لانكشاير«، فكان عليهم محاربة أسراب الجراد التى كانت تغزو مصر من الجنوب والشرق والغرب. وبدأت المساحة الجيولوجية فى مارس 1896 بميزانية لا تتعدى 720 جنيها مصريا وأنشئت محطات لرصد الجراد ودرسوا الصحراء ومواقع التعدين وحددوا مناجم الزمرد والذهب ، واكتشفوا عام 1910 منجنيز سيناء وغيره ، وبنهاية العشرينات تم وضع خرائط مساحية لمصر ولكن قوام الهيئة كان من الإنجليز، أما المصريون فكانوا بها قلة. وفى نهاية الأربعينات بدأ التواجد الفعلى للمصريين بعد تخرج عدد من المهندسين ، ورئاسة محمد إبراهيم عطية للهيئة ، ولكن صادفها سوء الحظ خلال رئاسته التى استمرت حتى عام 1956 فساد الهدوء نشاطها ، أما النشاط الحقيقى لها فكان أثناء رئاسة د. رشدى سعيد ، فتم تطويرها لتساير ركب الحضارة ووصل عدد باحثيها إلى 500 باحث ، وأصبحت معهدا لتدريب الكوادر وتوريدها إلى شركات البترول والتعدين والجامعات ، وشهدت تعاونا بيننا وبين علماء أجانب من أنحاء العالم ، وخلال هذه الفترة ظهرت خامات حديد الواحات ، وفوسفات وادى النيل ، وفحم المغارة ، وكاولين كلابشة ، وصارت فى منتصف الثمانينات أحد أهم مراكز البحوث الجيولوجية فى العالم ، وأنتجت خريطة مصر الجيولوجيين الثانية عام 1982، والأولى كانت عام 1928، لكنها منذ نهاية الثمانينيات شهدت تراجعا كبيرا خصوصا بعد أن تم نقل تبعيتها إلى وزارة البترول. هل هناك جديد لم يكتشف؟ أجاب : تقريبا لأن كل الاكتشافات المهمة تمت قبلها، فمثلا فى الفترة من 1956 إلى عام 1966 أثناء رئاسة الدكتور رياض حجازى، اكتشفت فوسفات أبو طرطور عام 1959 وحديد الواحات عام 1962 وكاولين كلابشة عام 1964 وفحم المغارة نتيجة الجهد المكثف والرؤية الثاقبة والهدف الواضح. واكتشفنا أيضا خام التنتالم ، وهو معدن ذو خاصية مميزة إذا رفعت درجت حرارته إلى ثلاثة آلاف درجة مئوية ثم خفضته فجأة إلى درجة حرارة الجو العادية فلا ينشطر ولا يتشقق ، لذلك فهو الأصلح بدلا من شمعات الاحتراق فى الطائرات النفاثة والتلفزيونات وأجهزة الكمبيوتر وبوجيهات السيارات وغيرها. وما تقدير كمياته ومساحة وجوده، وبماذا أسهم فى اقتصاد مصر؟ للآسف لم يسهم ولا بمليم واحد ، لأن الشركة الوحيدة التى تحتكر تصنيع هذا المعدن ألمانية أمريكية مشتركة »هيرمان شتارك«، ولم يكن احتكارها هو سبب تعطيل استخراجه فى مصر، بل تمثل السبب فى أحد وكلاء وزارة الصناعة الذى ترأس لجنة مفاوضات مع هذه الشركة عام 1980 عندما تقدمت بطلب استغلال الخام، وكنت أحد أعضاء الوفد المصرى وجرت المفاوضات بيننا وبين وفدهم الذى رأسته السيدة سعاد الصواف لأسابيع لبحث كراسة الشروط التى تقدمت بها الشركة، وكانت من 25 صفحة، وقد دعيت فى زيارة علمية لأيام إلى ألمانيا والتقيت وكيل وزارة الاقتصاد الألمانى الذى نصح بالمسارعة فى التوقيع على الاتفاقية، لأن للشركة منجما فى أستراليا تنميه وإذا حدث سيستغنون عن الخام المصري، وهو ما حدث حيث استمر العبث وضياع الوقت حتى وصلتنا برقية من الشركة بالاعتذار لقطع المفاوضات لعدم جديتنا. ولم يستغل إلى الآن؟ طبعا لأنها الشركة الوحيدة لتصنيعه فى العالم. وهل لم تتقدم مرة أخري؟ لا، لم تتقدم، وقد سئلت منذ فترة عن مستثمر تقدم لاستغلاله فسألت من سألني: هل هو من »كارتل هيرمان شتارك«، فقيل لا، فحذرتهم من النصب لأن المعدن محتكر عالميا حتى لا نقع فى عملية نصب مثل التى تعرضنا لها فى المشروع الوهمى لحديد جنوب شرق أسوان. ولكن هناك دعوات حالية لإعادة هذا المشروع؟ إذن هناك عملية نصب جديدة على الحكومة، لأن خام الحديد فى جنوب شرق أسوان غير كاف وجودته ضعيفة وغير مجد فى العمل لاستخراج الخام من هذا الموقع ، وقد عملنا مع شركة حديد حلوان فى أسوان إلى أن تأكدنا أن كميات الخام منه هناك غير كافية وسمكه لا يتعدى مترا واحدا وموجود تحت صخور يجب إزالتها حتى نستخرجه وأقل جودة فبحثنا عن مواقع جديدة واكتشفنا منجم الواحات البحرية ويتميز بجودة عالية وسمك من 12 إلى 18 متر وموجود على سطح الأرض وبكميات إستراتيجية ومازلنا منذ عام 1964 نستخرج منه وسنستمر لسنوات طويلة. وماذا عن الذهب .. وهل مصر بالفعل غنية به؟ بالفعل وما كميات الذهب المهولة فى آثار الفراعنة إلا مما استخرجوه من مواقعه فى الصحراء الشرقية ولدينا 95 موقعا عمل فيها الفراعنة واستخرجوه منها وأى موقع مقترح إذا لم يكن الفراعنة عملوا فيه ، فلا تعمل فيه على الأقل الآن. لأن هذه المواقع غنية بالذهب الذى قد يوفر لمصر أطناناً هائلة منه ، خصوصاً إذا عرفنا أن الفراعنة كانوا يحصلون من كل طن من حجر الكوارتز الحامل للذهب على 4 جرامات فقط بطرق بدائية بطحن الحجر واستخدام المياه وحتى الرمال التى كان يقل فيها عدد الجرامات عن 4 فى الطن كان يترك هذا أولاً، أما ثانياً فإنهم كانوا يركزون على العروق البيضاء فى الكوارتز التى يظهر فيها الذهب، ثالثا كانوا يتوقفون عندما ينقص الهواء داخل الأنفاق التى حفروها لتتبع الذهب ، ونحن نمتلك الآن من التقنيات والأجهزة الحديثة التى تمكننا من تتبع عروق الذهب حتى أعماق أبعد كثيراً مما وصلوا إليها وكذلك إمكان التقاطه واستخلاصه حتى من المناطق السطحية وحتى من مخلفات طحنهم لأحجار الكوارتز من المواقع التى عملوا فيها. وأين هذه المواقع؟ فى البرَّامية 90 كم شرق ادفو أم الرسوسى شمال مرسى علم والفواخير بين قنا والقصير وغيرها وهى محددة وموقعة على الخرائط. ولماذا لم يستخرج من قبل؟ حاولت بعثة بلجيكية منذ عقود بالتعاون مع علماء مصر فى هيئة المساحة الجيولوجية استخراجه من موقع البرامية ولكنهم توقفوا لأن تكلفة استخراجه كانت أكثر من قيمة وسعر المستخرج وقتها كان الجرام لا يتعدى جنيها أو أقل كثيراً الآن بعد أن تخطى الخمسمائة جنيه أصبحت اقتصاديات استخراجه مناسبة. وماذا عن المعادن الأخرى المهمة والجيدة؟ توجد كميات من النحاس فى أبو سويد جنوبأسوان فى العلاقى وأم ساميوكى جنوب مرسى علم بين مرسى علم وادفو وآخر فى سيناء تمناع وإن كانت كمياته غير معروفة وبالتالى يحتاج للعمل والإنفاق باستثمارات كبيرة ولكنها حسب علمى ودراساتى ستؤتى ثمارها. ولدى دراسات عن عملى فى منطقة ساميوكى وتأكدنا من وجوده ولكن إذ أردنا استخراجه بكميات اقتصادية فعلينا العمل الجاد والاعتماد على البحث العلمى والإنفاق كما فعلت كندا التى أنفقت لسنوات ونمت منجمها فأصبح الآن أكبر منجم نحاس فى العالم ويدر عليها عائدات عالية جداً وهذه منطقة مهمة وأيضا منطقة بوسيد وغيرها فى الصحراء الشرقية غنية بالمعادن لوجود حركات أرضية وزلازل دائمة ومستمرة وهذه الحركات التى تؤدى إلى تحريك الأرض تعمل على تصعيد المعادن إلى الأعلي. أما الأهم فهناك مؤشرات لوجود يورانيوم فى مساحات كبيرة قد تصل إلى 15 كم و10 كم عرض فى أسوان ولكنها تحتاج إلى دراسات جدية لتحديد نوعية الخام المسمع ومعادن أخرى مهمة وأيضاً هناك ال بيحما تايت وهو من أرقى وأغلى أنواع الرخام فى العالم وبكميات هائلة تصل إلى 40 كم مربع وتزيد. وماذا عن الفوسفات وكيف يمكن إنقاذ منجم أبو طرطور لاستعادة المليارات التى صرفت عليه هباء؟ يمكن الاستفادة من الكميات الهائلة المتوافرة من خام الفوسفات فى أبى طرطور إذا تم استخراجه بطريقة مثالية غير مكلفة، فالمنجم الذى افتتح عام 1982 وعمل لفترة بسيطة رغم إنفاق مليارات عليه وإنشاء خط سكة حديد إليه من سفاجا تركت حتى سرقت قضبانها فأصبح ينقل الخام الآن بالسيارات وتلك تكلفة زائدة، والأهم أن الفشل مرده إلى صعوبة التنجيم. الإنفاق تحت الجبل وجربوا وضع الحديد كحامل للجبل والحديد المستخدم أكثر سعراً مما ينتج من الفسوفات وأخيراً قرر المسئول عنه إزالة صخور الجبل فوق الأنفاق فبدأوا إزالة 200 متر وكلما اتجهنا شمالاً يزيد الارتفاع وبالتالى يزداد ثقل الجبل وتلك طريقة غير اقتصادية لاستخراج الخام ومكلفة جداً لأنه يزيل 200 متر حتى يحصل على 4 أمتار فوسفات وبالتالى المشروع يخسر وعلميا المفترض ألا يزيد ارتفاع الصخر المطلوب إزالته عن 4 أضعاف سمك الخام حتى يكون استخراجه اقتصادياً. إذا كان الأمر بهذه الصعوبة وتم صرف مليارات كثيرة فكيف نستعيدها؟ الحل طلب خبرة الدول المنجمية والمنتجة لمثل هذه الخامات ولديها خبرات طويلة فى التعدين وذلك يجرنا إلى ضرورة مراجعة سياسات التعدين فى مصر لتعظيم فرص الاستفادة من ثرواتنا الموجودة فى باطن الأرض لأن هناك خامات لم نستفد منها حتى الآن رغم الكميات غير المتناهية منها.