كان الإسلاميون في الجزائر أمة واحدة, يجمعهم نقد النظام, مختصرا في نظام الحزب الوحيد الحاكم حزب جبهة التحرير الوطني قائد الثورة أثناء حرب التحرير, وحاكم الدولة بعد الاستقلال بما لا يرقي إلي المواجهة العلنية, إلي أن جاءت أحداث أكتوبر1988. , عاصفة, وتبدي فريق منهم كقوة فاعلة, ظاهر فعله مطالب اجتماعية واقتصادية بعد هبوط أسعارالنفط ودخول الجزائر في بداية أزمة عطلت مشاريعها الإقتصادية, وباطنه رفض الدولة الوطنية. لقد انتهت تلك الأحداث بتغيير نهج الدولة الجزائرية وابعاد بعض المؤثرين في عملية صنع القرار, كما تم الاستفتاء علي دستور معدل في23 فبراير1989, أقر التعددية الحزبية, وسمح باعتماد أحزاب إسلامية, وفي هذا السياق ظهرت الجبهة الإسلامية للإنقاذ, يقودها تيار الجزأرة الذي يفضل الاتكاء علي ما يعرف لديه بالإسلام الجزائري, بما في ذلك اسقاط النظام بالقوة, إن لم تحقق بالديمقراطية أهدافها. ظهور جبهة الإنقاذ أثار مخاوف الجماعات الدينية الأخري, خاصة أولئك الذين يتخوفون من بطش النظام مستقبلا, أو تتحكم في مسار فعلهم السياسي مخاوف ومحن تجارب الإسلاميين في الدول العربية الأخري, أوالذين لهم امتداد خارج الجزائر, منهمالإخوان المسلمون, الذين سيختبئون تحت جماعة إصلاحية وخيرية, تحسبا وترقبا إلي ما سينتهي إليه المشهد في الجزائر. التغير في الجزائر تردد صداه في ذلك الوقت في أكثر من مكان علي المستويين العربي والدولي, وسيكون لذلك تأثير حين تشتعل الحرب الأهلية ولا تضع بعضا من أوزارها إلا بعد عقد من الزمان, وانتهت بنتيجة200 ألف قتيل حسب الإحصائيات الرسمية, وانهيار دولة بالكامل ورهنها للبنك الدولي ولصندوق النقد الدولي, والأكثر من هذا انهيار منظومة القيم واستشراء الفساد. وتم الترحيب من طرف الأحزاب والجماعات في معظم الدول العربية, واعتبر بعض الأنظمة انشاء أحزاب دينية أو حتي الاعتراف بشرعية وجودها, ظاهرة غير مريحة, بل هناك من قدم النصيحة إلي الرئيس الشاذلي بن جديد برفض قيامها من ذلك الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك,وقدأعلن ذلك في احدي تصريحاته بعد أن دخلت الجزائرالعشرية الدموية الحمراء,وبالمقابل هناك من القيادات الإسلامية من اعتبر إنشاء أحزاب إسلامية بالجزائر عملا جليلا, حتي أن راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية قال للإسلاميين في الجزائر لو كان الرئيس الشاذلي عندنا لقدرنا عمله ولقبلنا رأسه كل يوم. وبالعودة لذلك التاريخ بهدف التأسيس لما هو في الحاضر يمكن القول:أن قوي سياسية كثيرة,حاكمة ومحكومة, في الدول العربية تابعت ما يحدث في الجزائر خاصة بعد أن اشتد العنف, و كل منها كان ينتظر ما ستؤول إليه الأمور, فالأنظمة اعتبرت الجيش الجزائري يقاتل من أجل بقائها رؤاها السياسية في دولها, و الإسلاميون انتظروا النصر المبين للجماعات في الجزائر علي الجيش, علي اعتبار أن ذلك يمنحهم مواصلة الحرب أو القيام بها في دولهم, لكن ماذا عن موقف الإسلاميين المصريين, وأقصد هنا الإخوان المسلمين, تجاه أحداث الجزائر؟ في مصر انقسمت حركة الإخوان بخصوص الأزمة الجزائرية إلي فريقين, أولهما يمثل العلماء والقادة الفاعلين, وهؤلاء كانوا ينددون في السر و العلن بما يقوم به النظام الجزائري, ممثلا في الجيش, والفريق الثاني هوالحركي الذي يؤثر في عمل الإخوان ليس في الجزائر فقط بل في كل الدول العربية الأخري, فهذا الأخير مد جسورا و أيد مشروع حركة المجتمع الإسلامي بقيادة الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله التي قبلت بالمشاركة في جلسات الحوار الوطني بقيادة وزير الدفاع الجنرال اليمين زروال,وشاركت أيضا, في انتخابات الرئاسة,وفي كل ذلك أيدت خطوات الجيش, ناصبت الجبهة الإسلامية للانقاذ العداء, فقط لأنها المعارضة الإسلامية الحقيقية وتم استبعادها بعد فوزها الكاسح, وتبنيها العنف لإسقاط النظام.. المهم أن حركة حماس قبلت بوراثة الانقاذ وهي حية ترزق, في إطار صفقة مع النظام أنذاك. لقد سارت جماعة الإخوان المسلمون في الجزائر بخطوات مدروسة, ففي البداية ظهرت من خلال النشاط الخيري في جمعيتها المعروفة باسم الارشاد والاصلاح, خرجت إلي الشرعية خائفة تترقب, وحين تأكدت من أن السلطات الجزائرية صادقة في مسعاها وجادة في التعددية أنشأت حزبا هو حركة المجتمع الإسلامي اختصاره حماس, تيمنا بحماس في فلسطين. وحين رفض النظام الجزائري بقيادة اليمين زروال, إقامة أحزاب علي ما عرف وقتها بالثوابت الوطنية, أبدت جماعة الإخوان المسلمين هناك استجابة كرها لا طوعا لقرارات النظام الجديدة لجهة ألا يحمل أي حزب في الجزائر اسما مشتقا من الدين أو العرق, وبذلك تحول الاسم إلي حركة مجتمع السلم حمس.. ياله من تلاعب مفضوح و مكشوف!, لكنه أوصلها إلي السلطة في مرحلة عبد العزيز بوتفليقة, وبذلك شكلت تحالفا ثلاثيا مع جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي لتنفيذ برنامج بوتفليقة ودعمه, وقد تمكنت من دخول البرلمان بسبعين نائبا, وأصبحت جزءا من الشرعية ومن منظومة الفساد, وبعد أن زاد الانفسام بين أعضائها من أجل مكاسب سياسية واكتشف غالبية الشعب أمرها, تراجعت بشكل ملحوظ, والدليل ما حصلت عليه في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت في مايو الماضي. تلك هي مسيرة الإخوان المسلمين في الجزائر عبر تجربة ديقراطية وليدة, قضت عقدا في الفتنة والدماء, وهي هنا في دولة مصب بالنسبة لحركة الإخوان المسلمين في بعدها العالمي, فماذا عنها في مصر دولة المنبع؟ منذ أيام قليلة أجريت انتخابات رئاسية في مصر بنجاح, كما أجريت انتخابات برلمانية منذ شهور فقط, وفي الحالتين فازت حركة الإخوان المسلمين, ما يعني أن الذاكرة القومية في شقها المصري و العربي تري أن الفعل السياسي لتلك الحركة متواصل, وقياسا علي تجربة الجزائر فإنها تنطلق من خطاب واحد رغم الاختلافات الجوهرية بين الدولتين, وبالتالي فهي تقوم علي استراتيجية طويلة المدي, أهم بنودها التواجد في المعارضة و السلطة في آن معا.. فما النقاشات الدائرة في البرلمان الجزائري غائبة ولا الفعل السياسي هناك أيضا مستتر, فالأمور هناك تتم بوضوح و بشكل براجماتي يطوع الديني لصالح السياسي, وفي مصر اليوم من ذلك كثير, ذروته التجمع في ميدان التحرير, حيث يرجح أن يتسع دور الإخوان للجمع بين تواجدهم في المعارضة وفي السلطة معا, وقتهاسيحمل الإخوان المسلمون, وعلي غرار الجزائر, غيرهم وزر الحكم, ويجنون هم مكاسبه الحاضرة والمستقبلية. كاتب وصحفي جزائري