«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«شايلوك العقارات» يحرك الأحداث الدراما من خلف ستار فى تجسيد الملامح المأساة
..التراجيديا الإنسانية لعلاقة المالك بالمستأجر فى المساكن القديمة
نشر في الأهرام اليومي يوم 03 - 03 - 2017

ثمة رياح غير نظيفة تلوح في الأفق القريب، تلقي بظلال درامية غير مريحة على مجمل مشاهد الحياة المصرية المثقلة بسحابات من الحزن والهم والنكد، وهى بالأساس مثخنة بنار الأسعار التي تلتهم الأخضر واليابس بلا هوادة أو رحمة، وتحت سماء ملبدة بغيوم الاقتصاد العاصف بحياة الفقراء والبسطاء من أبناء هذا الوطن،
يأتي الخوف ك «طائر الرخ الأسطوري» حاملا بين طياته كل أسباب الرعب والجبروت على جناح التراجيديا الإنسانية، وفي أوج هذا الصراع الدرامي المقيت تتجسد تفاصيل المأساة كاملة في قلب الواقع المؤلم، مخلفة كل أسباب المرارة واليأس لدى المواطن والوطن، مستغلة حالة الاستسلام اللذيذ لسحر الصورة على الشاشة الفضائية في غيها نحو زرع كل أسباب التمزق والكراهية، وبفعلها الرجيم تمضي بسرعة البرق في قلب الحقائق، وفي تصعيد غير مبرر تنجح في تزييف صورة التعايش السلمي بالتعدي على القانون والدستور لضرب اللحمة الوطنية على هذه الأرض الطيبة، وصولا لتنفيذ مآرب ومخططات شيطان التفاصيل في التهام ثروة مصر العقارية، بعد أن نجحت تلك الشاشات الممولة في كثير منها ببث بذور الفتنة لتقسيم المصريين إلى شعبين من «الملاك» والمستأجرين على خشبة ما يسمى بمسرح العبث.
...........................................................................
قبل أن يفتح الستار
لابد لى أولا أن أعرف «التراجيديا» عموماً بأنها عمل فني مسرحي يتعلق باستعراض أحداث من الحزن الذي يفضي إلى نتيجة مؤسفة في النهاية، والمأساة ضمن هذا اللون الفني تهدف إلى تصوير حكاية حزينة قد تكون مبنية على قصة تاريخية، وتعني حرفيا «أغنية الماعز» نسبة إلى طقوس مسرحية ودينية كان يتم فيها غناء الكورس مع التضحية بالماعز في اليونان القديمة - في إشارة رمزية هنا إلى أن المستأجرين يلقون مصير الماعز - وهى طبقا ل «أرسطو» شكل من أشكال الدراما التي تبنى على جانب من الجدية والشهامة، والتي تنطوي على شخص عظيم يمر بظروف تعسة - الشعب المصري الآن - والشيطان هنا يعمل بمبدأ أرسطو الذي يقول «إن التغير من الجيد إلى السيىء هو الأفضل، لأن هذا يؤدي إلى إثارة الشفقة والخوف داخل المتفرج، وهكذا أراد الملاك ومن يحركهم من خلف الستار على خشبة مسرح العبث بمقدرات أمة في خطر.
ووفقاً لأرسطو أيضاً فإن «هيكل العمل التراجيدي لا ينبغي أن يكون بسيطا بل معقدا، وأن يمثل الحوادث التي تثير الخوف والشفقة « كما يرى أرسطو أيضا « إن التغير في الحال نحو التعاسة والمأساة لا يعود إلى أي خلل أو عيب أخلاقي، ولكن إلى خطأ من نوع ما». كما أنه عكس الاعتقاد الخاطئ بأن هذه المأساة يمكن أن تنتج من قبل سلطة عليا على سبيل المثال ( القانون، الآلهة، المصير، أو المجتمع )، بينما إذا كان سقوط شخصية ما في هذه المحنة ناجما عن سبب خارجي ، فإن أرسطو يصف ذلك بأنه «بلية» وليس مأساة.
الفصل الأولى
يبدو واضحا أن شيئا من هذا كله سوف نراه مجسدا على أرض الواقع المؤلم في السطور القادمة، فالبلية أو الترجيديا التي نحن بصددها هنا عبارة عن عرض مسرحي عبثي من نوع التراجيديا السوداء في فصلها الأول، بحكم أن العرض يحمل بين طياته كل جوانب المأساة التي تفضي إلى طرد مايزيد على 30 مليونا من مساكنهم، من خلال الصراع المتصاعد في طي الأحداث التي امتدت فترة ثماني سنوات ( منذ عام 2009) على خشبة مسرح عبثي على امتداد أقاليم مصر بمدنها وحضرها، بعدما انخرطت الشخصيات الفاعلة في رواية هزلية بعنوان «تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر في قانون المساكن القديمة»، وفي خضم الصراع بين «المستأجر» - الذي لاحول له ولا قوة - وبين عدة شخصيات يحركها مخرج محترف تشبه ملامحه الشخصية الخيالية الشهيرة للمرابي اليهودي «شايلوك» في مسرحية «تاجر البندقية» لوليم شكسبير، وهو الذي يلعب دور المحرك الرئيسي - طبقا لنص الرواية - في سير الأحداث واختيار الشخصيات الثانوية، بحسب الدور المرسوم في خدمة أغراض الدراما من خلال « دول - منظمات - جمعيات مجتمع مدني - رجال أعمال وغيرهم، إضافة إلى نواب تحت قبة البرلمان»، عبر أجندة محكمة تستهدف الأمن القومي لمصر، وبسعي حثيث في سياق الأحداث تتبدل الأدوار، وربما تتحور ملامح الشخصيات في أدائها التمثيلي بأسلوب إعلامي مباغت من خلال حملة إعلامية عنيفة رصد لها أكثر من 120 مليون جنيه في شكل « لقاءات تليفزيونية - سيل من الأخبار على المواقع الإلكتروني - ندوات ومؤتمرات تستبق مناقشات البرلمان»، لتقوم في النهاية بدفع حزمة مقترحات شيطانية ترسخ لمبدأ تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر، وصولا إلى «نقطة الذروة» بفسخ العقود القديمة التي يبتلعها بعض نواب البرلمان - بقصد أو بغير قصد - لبلورة القانون المريب داخل لجنة الإسكان، ومن خلف الستار يوحى «شايلوك» بضعف الدولة، وهى تشهد ولادة متعثرة على طريق النمو، جراء الظرف الاقتصادي الضاغط.
الحقيقة المرة أن «شايلوك» هنا برع طوال الأسابيع القليلة الماضية في ابتكار حيل وألاعيب شيطانية صنعت «الملهاة» بعناية فائقة، ووضعتنا أمام حالة البلبلة والسوداوية التي أصبحت شبحا مخيفا لجمهور «المستأجرين» الآمنين في شققهم ومحالهم التجارية، بعد أن هدأت العاصفة قليلا قبل شهرين، فما معنى تصريحات رئيس البرلمان الموقر الدكتور على عبد العال - الذي نثق في وطنيته الخالصة بلا حدود - والمنشورة يوم 16 يناير الماضي؟، حيث يقول نصها: « أكد الدكتور على عبد العال، رئيس مجلس النواب، أن قانون الإيجار القديم لم تتم مناقشته داخل أى لجنة أو المجلس، وليس له أى وجود من الناحية القانونية، مشددا على أن المجلس لا يمكنه تمرير أى قانون يضر بالمواطنين بصورة أو بأخرى».
وأضاف عبد العال، خلال الجلسة العامة لمجلس النواب، أنه من حق أى نائب التقدم بمشروع قانون، لافتا إلى أنه لم يتم مناقشته فى لجنة الإسكان أو المجلس، مشيرا إلى أن مشروع القانون يتصل بشريحة كبيرة من المواطنين، كما أن الدستور نص على العدالة الاجتماعية، ولا يمكن أن يمرر المجلس أى قانون يضر بالمواطنين. جاء ذلك ردا على ما أثاره عدد من النواب بشأن ما تردد من أنباء عن إقرار البرلمان قانون الإيجارات القديمة.
كان المهندس علاء والى، رئيس لجنة الإسكان بالبرلمان، قد أعلن يوم 8 يناير 2017عن وجود 10 مشاريع قوانين خاصة ب»الإيجار القديم» مقدمة من عدد من النواب ومن بعض الجهات المختلفة، جميعها تضرب إسفينا في صلب العلاقة بين المالك والمستأجر، وأكد والى فى تصريح آخر بأنه لن يسمح بوجود قانون خاص بالإيجار القديم، يأتى على طرف لحساب الطرف الآخر، موضحا أن هذه المشكلة تخص قطاعا عريضا من المجتمع المصرى سواء مالكا أو مستأجرا، ولهذا لابد من العمل بقاعدة لا ضرر ولا ضرار التى تفتقدها جميع مشاريع القوانين الموجودة فى اللجنة حاليا، مضيفا: أن اللجنة تسعى للحفاظ على حق المستأجر والمالك فى وقت واحد، وإرساء قاعدة لا ضرر ولا ضرار شرطا لمناقشة مشاريع القوانين، موضحا عقد لجان استماع موسعة لمعرفة جميع المقترحات والرؤى والأفكار بشأن الإيجار القديم قبل اتخاذ أى خطوة تحسب على البرلمان بشكل عام.
الفصل الثاني
قبل بداية وقائع الفصل الثاني لابد من ملاحظة أن تصريحات «عبد العال» جاءت بعد «والي» بأسبوع تقريبا لتثلج صدور«الغلابة» من المستأجرين الذين لقوا ويلات الملاك سفراء «شايوك» على خشبة مسرح العبث، ومع ذلك خرج علينا النائبان علاء والي وإسماعيل نصر الدين، مؤخرا بتصريحات - تدشن بداية الفصل الثاني من الرواية - حيث تفيد بوجود لجان استماع تعكف حاليا على مناقشة أفكار حول القانون في صمت من النائب «معتز محمود» الذي كان صاحب فكرة تقديم المشروع للمجلس، المهم أن تصريحات النائبين جاءت بمنطوق يخالف تصريحاتهم السابقة، ما حرك أصحاب المصالح لتحرير العلاقة بين المالك والمستأجر من جديد، وبدوا كأفعى تزحف من جديد نحو الخراب، وعلى الشاشات الفضائية ذاتها بدأوا ينفثون سمومهم من جديد لتعكير صفو الأجواء بين «عبد العال» النائب الأول عن الشعب في انحيازه للفقراء والمستضعفين، في محاولة انتشالهم من بين فكي أسنان ذلك الوحش المفترس، لكن سيل الأخبار واللقاءات المريبة بدأ يزيد ويتصدر المشهد من جديد ليوحى مرة أخرى بقرب الانتهاء من تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر تحت قبة البرلمان، وذلك بفتح الستار على وقائع الفصل الثاني كي يلقي لوبي العقارات بظلال كثيفة على خشبة المسرح مسلطين أضواء كاشفة عن اسكتشات ومشاهد تراجيدية جديدة، الأمر الذي مهد الطريق لكثير من الملاك للجوء إلى العنف والضغط بوسائل غير مشروعة وممارسات شيطانية لتهديد السكان الآمنين، وقطع أرزاق أصحاب المحال القديمة، وهو ما كان قد أودى بحياة 13 مستأجرا - حتى تصريحات عبد العال - عقب رفضهم إخلاء منازلهم.
تتشابك خيوط الدراما يوما تلو الآخر مصدرة «العقدة» - أو يسمى ب «العلة الغائية» بلغة المسرح - لإحكام الصراع تارة بوضع كلاب جائعة على عتبات أبواب المستأجرين، أو الاعتداء على المستأجرين بالضرب، أوخلع ملابسهم عنوة وتصويرهم عرايا وتهديدهم بفضحهم على الإنترنت « لدينا حالة من القليوبية ظهرت على شاشة إحدى الفضائيات منذ أيام»، وتارة أخرى بإرسال إنذارات بيع العمارة لملاك جدد «سفراء شايلوك» بدعوى قرب إقرار القانون تحت جنح الظلام، في إيحاء إلى أنه سيخرج فجأة وعن قريب وسيفرض واقعا جديدا تتجسد على أثره ملامح مأساة البسطاء والضعفاء من أبناء هذا الشعب، في إطار سلسلة من المشاهد العبثية المحملة بتراجيديا سوداء.
جراء تلك الممارسات الجديدة حتما سيصبح المستأجرون هنا - في جانب من المسرح - هائمين على وجوههم تتلاطمهم أمواج الخيبة والأسى، بعد أن وقعوا بين أنياب المشترين الجدد وعرابيهم في إحكام المؤامرة تحت غطاء «المستثمرين من حيتان العقارات الممولين من داخل مصر وخارجها» لفرض سياسة الأمر الواقع، ويصبح المستأجرون غرباء في بلدهم، أو لاجئين في أوطانهم، في ظل تصدير سفراء «شايلوك» لفكرة أن الحكومة تعجز عن توفيرمساكن بديلة تحميهم من برد هذا الشتاء القارس، بينما نحن سنوفر لكم 100 مليار جنيه لبناء مساكن في الصحراء فور تحرير العلاقة مباشرة.
الفصل الثالث
الشخصيات الثانوية في الرواية والتي يحركها «شايلوك» من خلف الستار يسعون جاهدين الآن في عمل حبكة درامية بأسلوب «المأساة الملهاة» للالتفاف على القانون، بعدما بدأوا حملة تروج لفكرة الجدولة بفترة زمنية لا تزيد عن ثلاث سنوات مع زيادة قيمة الإيجارات بأرقام فلكية من شأنها فض العقود خلال شهور قليلة، ومن هنا تبدأ وقائع تراجيديا الفصل الثالث التي يؤكد أن المستأجرين لن يتمكنوا من الوفاء بالتزاماتهم جراء ارتفاع الإيجارت، ومن ثم لايمكلون أيضا القدرة في حال طردهم من مساكنهم حتى بعد مهله السنوات الثلاث التي يلوح بها القانون لن يجدوا سوى العراء ، فليس من المنطق أن تملك الدولة في ظل ظروفها الحالية إمكانية بناء 5 ملايين و700 ألف شقة بتكلفة ما بين « 300 - 400 مليار جنيه»، ناهيك عما يتعلق بطرد مليون و200 ألف من أصحاب المحال المستأجرة سينتج عنها تسريح ملايين العمال وتجويع أسرهم.
فلاش باك
ما سبق من وقائع على مسرح العبث يخالف صراحة حكم المحكمة الدستورية في 3 نوفمبر 2002 برئاسة المستشار محمد فتحي نجيب، وعضوية كل من المستشارين «ماهر بحيري، محمد على سيف الدين، عدلي محمود منصور، محمد عبد القادر عبدالله، على عوض محمد صالح، أنور رشاد العاصي «ونشر في الجريدة الرسمية العدد 46 في 14 نوفمبر 2002، والذي ينص علي «استمرار العلاقة الإيجارية بعد وفاة المستأجر، أو تركه العين المؤجرة إذا بقيت فيها زوجته أو أولاده أو أي من والديه، مما يعني انحيازاً مطلقاً للمستأجر الذي أصبح مالكاً، فيما أصبح المالك لا يجد سكناً لأولاده»، وهو على العكس تماما مما تركز عليه حملة الطرد التي يقودها أصحاب المصالح على حساب البسطاء، كما سيلغي مشروع «قانون تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر» أيضا حزمة من القوانين التي أقرت في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، منها القانون رقم 7 لسنة 1965 الذي قرر تخفيض القيمة الإيجارية بواقع 35 ٪ ، والقانون رقم 49 لسنة 1977، فضلا عن القانون رقم 49 لسنة 1979.
إذن نحن على أبواب الدخول في الفصل الرابع من أحداث الرواية، ولكن هذه المرة يستخدم «شايلوك» أسلوب المسرحي الفرنسي «أرتو» الذي أنشأ مسرح القسوة، والذي يتم فيه التعبير عن المشاعر والانفعالات ليس فقط من خلال اللغة وإنما مادياً, مما يخلق رؤية أسطورية وأصيلة مرتبطةً ارتباطاً وثيقاً بعالم الأحلام، في ظل فرض طوق جديد على رقبة الغلابة تعيد علينا أجواء ذلك القانون الجائر، الذي صدر فى 24 يونيو 1992 والمعروف بقانون 96/1992 بتعديل بعض أحكام قانون 178/1952، والذي عرف وقتها ب «قانون تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر فى الأراضى الزراعية» وعرف لدى الفلاحين بقانون طرد المستأجرين، فقد أعطى هذا القانون في حينه مهلة خمس سنوات انقضت فى الأول من أكتوبر 1997 ، وهو اليوم الذى فقد فيه ما يقرب من مليون عائلة أراضى كانوا حتى صدور القانون يتمتعون فيها بحيازة آمنة، وكانت الغالبية الساحقة منهم من صغار المزارعين الفقراء، وبفقدانهم الأرض فقدوا مصدرا رئيسيا لرزقهم ولأمانهم الغذائى أيضا.
العربة أمام الحصان
ومن هنا أنبه إلى خطورة أفعال «شايلوك» في تحريك شخصياته بحرفية الفعل الدرامي الرجيم لتتسع جوانب المأساة في تراجيديا تسريع إصدار قانون المساكن القديمة الذي يعنى تصدير الأزمة بكاملها للحكومة، وخلق معضلة أمام النظام بشكل يضع العربة أمام الحصان في محاولة التهام مساكن المستأجرين عنوة ودون مراعاة البعد الاجتماعي، مستغلا حالة الانشغال في حرب الإرهاب الضروس، وهو ما يتجلى في أن إحدى شركات الاستثمار العقاري المملوكة لرجل أعمال شهير دخلت بقوة علي خط الأزمة، تدعمه حفنة من النواب من بين ال 54 عضوا في لجنة الإسكان، في ظل امتلاك شركته ل 30% من عقارات منطقة وسط البلد، وبعض الأحياء الراقية في «الزمالك ومصر الجديدة وجاردن يستي وروكسي» وغيرها، وهذه الشركة تسعى بجميع الوسائل الممكنة وغير الممكنة لتمرير القانون، حيث قامت بشراء ساعات جديدة من الهواء في عدد من الفضائيات بأسلوب الضغط، من خلال بعض الإعلاميين لتمرير القانون، وإيجاد رأي عام داعم لرفع الضرر المزعوم، أو ما يسمى ب «رفع المظالم عن الملاك»، على جناح الدفع بعجلة تسريع القانون الجديد، وذلك تفاديا لما أخفقت فيه الجهود المكثفة داخل مجلس الشعب عام 2010 لتمرير القانون، إلا أن قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير حال دون ذلك، وهو ما تكرر في برلمان الإخوان المنحل غير أن حكم الدستورية بحل البرلمان أفشل المخطط .
مساكن في الصحراء
كنت قد لفت النظر قبل ثلاثة أسابيع، وناشدت الرئيس السيسي بالتدخل، تأكيدا لتصريحاته بعدم ترك الشعب للجشعين، وذلك بتوجيه ضباط الرقابة فورا ودون تأخير لبحث ملفات مافيا الفساد من المستفيدين جراء تمرير قانون الإيجارات القديم، خاصة بعد أن صرح أحد من يدعون دعم حقوق الملاك بأن لديه 100 مليار جنيه جاهزة تحت تصرف الدولة في اليوم التالي لتمرير القانون، لبناء مساكن بديلة للمستأجرين في الصحراء، ولأن هذا الرقم يبدو ضخما ومريبا نبهت وقتها أيضا لإصدار توجيهات الرئيس بتدخل الرقابة الإدارية فورا للبحث في مصدر هذا المبلغ، حيث تشير المعلومات إلى تنامي دور خطير لرجل أعمال ومقاول قطري يعمل لحساب وزارة دفاع بلده لشراء عقارات وسط البلد التاريخية «من خلف الستار» عبر مكتب شركته بالقاهرة، بالتعاون مع بعض رجال الكبار ممن يرغبون في تحويل «وسط البلد» إلى مايسمى ب «مانهاتن جديدة» على حد خيالهم الطامح نحو ابتلاع عقارات مصر التاريخية، عن طريق هدم التراث المعماري الفاطمي العريق وتحويله إلى ركام، تمهيدا لتحقيق حلمهم المزعوم على حساب الفقراء والبسطاء من أبناء هذا البلد ليكون مصيرهم الصحراء أو العراء.
الفصل الرابع
وفي إطار إحكام «العقدة» في الفصل الرابع من الرواية التي تبدو «علتها الغائبة» التهام ثروة مصر العقارية على جناح مايطلقون عليه «فتح آفاق جديدة للاسثمار العقاري» بأي طريقة - حتى لو كانت بالتحالف مع الشيطان على حد قول أحد الملاك - تزامنت وقائع الفصل الرابع مع بداية حملات مسعورة يقوم بها من يدعون حماية حقوق الملاك بعد فشل حملتهم الأولى في الوصول للهدف في تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر عبر عشرة قوانين تقدموا بها لمجلس النواب، وكلها عبارة عن نسخ كربونية من القانون الشائك في مواده وألاعيبه، وفي وقت تدعمهم فيه 27 جمعية حقوق إنسان تدعي الدفاع عن حقوق الملاك، بينما المستأجرون الغلابة لا تدافع عنهم واحدة من تلك الجمعيات، أو حتى الحكومة نفسها، رغم أن هؤلاء لايكفون عن ابتكار أساليب شيطانية، يلبسون فيها الحق بالباطل على جناح الفتاوي الدينية المبتورة والتي لا تجيز التوريث، وقد لاحظت أنهم نشطوا على غير العادة في ترسيخ مفهوم فتوى الشيخ «نصر فريد واصل» بتحريم توريث عقود الإيجار عبر العديد من برامج «التوك شو»، معولين كثيرا على إجابة «واصل» عن السؤال: هل من حق المستأجر أن يرث عن غيره؟ ، دون التطرق بالسؤال ذاته على نحو مختلف عن جواز تمديد العقود كما أوجب حكم المحكمة الدستورية العليا رقم (70) بتاريخ 14 نوفمبر لعام 2002.
وللعلم فإن الحكم يستمد قوته ووجاهته من أن الدستور في مادته الثانية يؤكد أن الإسلام دين الدولة، وهو بالأساس المصدر الرئيسي للتشريع، ومن ثم فكيف لهؤلاء أن يتمسكوا بالتفسير الديني الذي يخالف في جوهره حكم المحكمة الدستورية العليا الذي لا يقبل النقض ولا الطعن عليه كما هو متعارف عليه، خاصة أن المحكمة الدستورية المصرية العليا تعد واحدة من أرقى المحاكم الدستورية على مستوى العالم، بل إنها تحتل المرتبة الثالثة في الترتيب الدولي من حيث العراقة ورقي الأحكام ونفاذها، كما أن المادة 191 – 192 من الدستور حصنت مثل تلك الأحكام الدستورية من الطعن والنقض، ناهيك عن أن المادة 78 من الدستور تؤكد أن الدولة تكفل لكل مواطن السكن الاجتماعي المناسب حفاظا لكرامته.
جريمة السكوت
ظنى أن اختلاق مثل هذه القلاقل في هذا الوقت تحديدا يعد جريمة لاتغتفر ولاينبغي السكوت عليها، ففي قلب الأزمة المختلقة حاليا تبرز بعض الأسئلة التي ينبغي أن تجد إجابات شافية، قبل أن نقع في المحظور، وتتم الوقيعة بين شعبين «ملاك ومستأجرين» ومنها:
ما مغزى تصريح السيد رئيس مجلس النواب الدكتور على عبد العال، بأن القانون ليس له وجود تحت القبة من الناحية القانونية، وأنه لن يخرج إلا طبقا للدستور والعدالة الاجتماعية؟، وما الفرق بين وجوده ماديا ووجوده قانونيا؟.
أيضا بصفته رئيسا للسلطة التشريعية للبلاد، ما مدى حجية أحكام المحكمة الدستورية العليا الخاصة بقوانين الإيجار القديمة، ومدى التزام البرلمان بها عند تشريع القانون تحت القبة، وخصوصا ما نصت عليه المادة 195 من الدستور الحالي؟
ما مدى قانونية لجان الاستماع التي تحدث عنها «علاء والي» رئيس لجنة الإسكان بمجلس النواب، من حيث تمثيل للجهات المعنية فيها تجاه أزمة مجتمعية ؟، وهل ستفضي لجان الاستماع تلك في النهاية لمشروع قانون، رغم نفي رئيس مجلس النواب وجوده بالأساس في تصريحاته المنشورة من قبل في هذا الشأن؟.
لما هذا الصمت المريب لوزارة الإسكان في ظل كل تلك التداعيات الخطيرة التي تمس 9 ملايين من أصحاب المعاشات، فضلا عن أن أهم شروط الوزارة في الحصول على شقة من شقق الدولة ألا يزيد عمره عن 50 عاما، فقط كل ما صدر عن وزير الإسكان تصريحه في إحدى القنوات الفضائية قوله «هذا موضوع شائك لا أستطيع اتخاذ قرار فيه؟
على مدار أربعة عقود منذ (خمسينيات وستينيات وسبعينيات وثمانينيات) القرن الماضي، كان هنالك مايسمى بمبدأ «خلو الرجل»، حيث كان المستأجر يدفع في المناطق الشعبية - على سبيل المثال - مبلغ «200 و300 جنيه» لايتم تسجليها في العقد مقابل الحصول على شقة، وقد وصل هذا الخلو إلى 500 ألف ومليون جنيه في مناطق «وسط البلد – الزمالك – جاردن سيتي» .. كيف يمكن تعويض هؤلاء الآن مع مراعاة الفروق النسبية على أساس السعر القديم، في ظل جنون أسعار العقارات التي يتهددون بالطرد منها الآن؟
ماهى الحكمة من طرح القصة برمتها في هذه اللحظة الاقتصادية الضاغطة على فقراء الناس، وطردهم ليكونوا لاجئين داخل أوطانهم - رغم إقرارنا بحقوق بعض الملاك - جراء ضعف قيمة الإيجار، وانهيار قيمة الثروة العقارية في مصر بالضرورة بسبب القوانين التي عجزت حكومات (عبد الناصر – السادات – مبارك) عن حلها؟
قبل أن يغلق الستار
لاشك أن الإسكان في مصر قضية مزمنة، وهى تحتاج بالفعل خططا تتسم بالحكمة، نظرا لأنها معقدة للغاية بحيث تقف عند حل مزدوج يعطي للمالك جزء من حقه وليس كله، ومن ثم ينبغي أن يتوقف هذا الحوار المسرحي الملتبث، والذي يزيد من حدة التراجيديا يوميا، وتسحب كافة مشاريع القانون من تحت قبة البرلمان فورا، وقبل أن يغلق الستار، تمهيدا لحوار مجتمتعي بحضور» وزارة الإسكان - وزارة الداخلية - وزارة الدفاع - المجلس القومي لحقوق الإنسان - المجلس القومي للمرأة - المجلس القومي للطفولة والأمومة» على أن ترعى الجهات السيادية ذلك الحوار، وفي حدود الأحكام الدستورية يتم التوصل لحلول عادلة، لأن القضية تصب في خانة الأمن القومي المصري، في وقت يتهدد ملايين السكان من الطرد من مساكنهم في حال تحرير «العلاقة بين المالك والمستأجر في المساكن القديمة» خاصة أن «شايلوك» يلوح الآن بتدويل القضية، وهو الأمر الذي يفتح شهية اليهود للمطالبة بأملاكهم المزعومة في مصر.. تلك كارثة أخرى!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.