ما ان انتهت زيارة دميترى روجوزين نائب رئيس الحكومة الروسية للقاهرة هذا الاسبوع، حتى استعدت العاصمة المصرية لاستقبال فالنتينا ماتفيينكو رئيسة مجلس الاتحاد - المجلس الاعلى للفيدرالية الروسية على رأس وفد برلمانى رفيع المستوى، فى توقيت مواكب لوصول النائب الاول لوزير التجارة والصناعة الروسية فى زيارة عمل لتفقد المنطقة الروسية الحرة فى محور قناة السويس. وكانت القاهرة تستعد ايضا لاستقبال وزيرى الخارجية والدفاع سيرجى لافروف وسرجى شويجو فى اطار احياء آلية «2+2» التى كان العمل بها توقف لما يزيد على الثلاث سنوات منذ آخر زيارة قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسى عندما كان نائبا لرئيس الحكومة ووزير للدفاع والانتاج الحربى مع زميله آنذاك وزير الخارجية لموسكو فى فبراير 2014، الا ان الظروف حالت دون اتمامها وتقرر تأجيلها الى موعد لاحق. اشارات مكثفة تبدو كمحاولة جادة لدحض ما قيل ويقال حول «جمود» او «برود» يعترى العلاقات المصرية الروسية منذ اعلان الرئيس فلاديمير بوتين عن قراره حول وقف حركة الطيران والسياحة مع مصر فى نوفمبر 2015 عقب سقوط طائرة الركاب الروسية فوق سيناء ما اسفر عن مصرع كل ركابها وافراد طاقمها والذين بلغ عددهم 224 فى اكبر كارثة جوية لحقت بروسيا فى العصر الحديث. وعلى الرغم مما علق بسماء هذه العلاقات من غيوم، بسبب طول امد انقطاع حركتى السياحة والطيران مع روسيا لاكثر مما ينبغي، فان ما حققته القيادتان المصرية والروسية من تقارب وتنسيق خلال السنوات القليلة الماضية، ساهم فى تحقيق التوازن المطلوب فى مثل هذه الحالات، فى توقيت استغلته «بعض الاقلام» لتشويه الصورة العامة وتأليب الشارع، وإن كان ذلك عن غير قصد، ضد استمرار التعاون والصداقة بين البلدين والشعبين. وقد وصل الامر ببعض المعلقين والمراقبين إلى حد التشكيك فى جدوى وسلامة واهمية بناء محطة الضبعة النووية بما فى ذلك الحديث عن غير علم، وبما يتجاوز الحقائق حول ان بناء «محطة الضبعة» سوف يثقل ميزانية الدولة باعباء ديون تزيد على 24 مليار دولار، على الرغم من ان الاتفاق الموقع بين البلدين يشير الى ان قيمة المحطة سوف يسددها الجانب المصرى من انتاج المحطة من الطاقة وبعد فترة سماح تبلغ عشر سنوات من تاريخ بدء عمل المحطة. وكان الزعيمان السيسى وبوتين التقيا أكثر من مرة على مدى السنوات الثلاث الاخيرة، فى موسكووالقاهرة وسوتشي، إضافة إلى لقاءاتهما على هامش عدد من المحافل والمنتديات الدولية التى كان آخرها قمة مجموعة العشرين التى عقدت فى الصين فى نهاية العام الما ضي. واذكر بهذا الصدد ما سبق أن قاله ميخائيل بوجدانوف المبعوث الشخصى للرئيس الروسى فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ل «الاهرام» حول «ان نقاط الالتقاء بين البلدين كثيرة، والاهم وجود الإرادة السياسية من الطرفين، ومن القيادتين السياسية والعسكرية حول تكثيف التعاون فى شتى المجالات». ومن منطلق هذه الارادة السياسية، واستنادا الى ما جرى التوصل اليه من اتفاقات، يواصل البلدان مصر وروسيا علاقات التعاون التى تتنوع مساراتها، ومن اللافت أن العلاقات المصرية الروسية تتخذ منحى مغايرا لما كانت عليه بالامس القريب بسبب ما يداهم المنطقة والعالم من تحديات تفرض على البلدين تنسيق جهودهما وتوجهاتهما فى اطار توازن القوى فى الشرق الاوسط، وانطلاقا مما قاله الرئيس الروسى فلاديمير بوتين حول الدور المحورى لمصر على الصعيدين الاقليمى والدولي، وما أكده وزير دفاعه سيرجى شويجو لدى استقباله لنظيره المصرى صدقى صبحى فى موسكو. وكان شويجو اشار الى «ان مصر تعد من أهم شركاء روسيا فى الشرق الأوسط، باعتبارها من أهم دول المنطقة فى الحفاظ على الأمن والسلم العالميين، وأن مصر من الدول التى كانت ولا تزال تحارب الإرهاب». ومن هذا المنظور توصل الجانبان الى العديد من التفاهمات والاتفاقات حول تكثيف التعاون فى المجالات العسكرية بما فى ذلك اجراء المناورات العسكرية المشتركة سواء على الاراضى الروسية، او فى شرق وجنوب البحر المتوسط والصحراء الغربية، الى جانب التدريبات الخاصة بمكافحة الارهاب لقوات الرد السريع. ولعله لم يعد سرا اليوم ايضا ما تشتريه مصر من روسيا من اسلحة حديثة تكفل لها ضمان امنها القومى والذود عن مصالحها فى المنطقة، الى جانب ما توصلت اليه من اتفاقات حول تدريب الكوادر التقنية والعسكرية، والتعاون فى مجال الصناعات العسكرية المشتركة على الارض المصرية، على غرار ما تفعله موسكو مع الهندوالصين وجنوب افريقيا. وبهذا الصدد كان ميخائيل بوجدانوف المبعوث الشخصى للرئيس بوتين اشار ايضا فى حديثه الى «الاهرام» الى ان «الصداقة بين مصر وروسيا ليست ضد احد، بل من اجل تحقيق المنفعة المتبادلة للشعبين والبلدين فى اطار جديد». وفى ذات الاطار يحرص البلدان على الارتقاء بمستوى علاقاتهما الاقتصادية والتجارية الى ما يليق ويتناسب وقدرات البلدين ودورهما فى الساحتين الاقليمية والدولية. ومن هنا كانت الرغبة التى اعربت عنها مصر بشأن الانضمام الى مجموعة التكامل الاورواسيوى التى تضم روسيا وبلدان الفضاء السوفيتى السابق الى جانب التنظيمات الاقليمية الاخرى، فى نفس الوقت الذى اعلنتا فيه عن المنطقة الروسية الحرة فى محور قناة السويس، فيما تتواصل اجتماعات اللجنة الحكومية المشتركة للتعاون التجارى الاقتصادى والعلمى التقني، والتى من المرتقب ان تعقد دورتها المقبلة هذا العام فى روسيا. اما عن الزيارة المرتقبة لوفد مجلس الاتحاد الروسى برئاسة فالنتينا ماتفيينكو الذى يصل غدا الى القاهرة، فتقول المصادر انه سوف يلتقى مع الرئيس عبد الفتاح السيسى وقيادات مجلس النواب المصرى لبحث مختلف جوانب القضايا الاقليمية والدولية وعلى رأسها التعاون فى مكافحة الارهاب الدولى الى جانب الاوضاع فى سوريا واليمن وليبيا، الى جانب المسائل المتعلقة بالتنسيق بين البلدين فى الساحة السياسية الدولية، وكذلك العلاقات الثنائية، وبما قد يكون نقطة للانطلاق نحو حل القضايا العالقة بين البلدين، وفى مقدمتها استئناف حركة الطيران والسياحة بعد طول غياب طال لاكثر مما ينبغى!.