الشاعر أمين حداد هو أحد الأسماء اللامعة فى شعر العامية المصرية، ومن أبرز الأصوات الشعرية فى جيله، يتميز شعره بالتحليق فوق أرض الواقع دون الانفصال عنها، ويرسم بكلماته لوحات فنية يكاد القارئ يراها رأى العين.. وقد فاز أخيرا بجائزة معرض القاهرة الدولى للكتاب لأفضل ديوان فى شعر العامية عن ديوانه «الوقت سرقنا»، وكان لنا معه هذا الحوار. ماذا يعنى الفوز بجائزة معرض القاهرة الدولى للكتاب بالنسبة لك؟ يعنى بعضًا من الفرح، خاصة بعد الاستقبال الجميل للخبر من الأصدقاء، ويعنى بعضًا من الخوف, لوضعى فى دائرة أوسع أمام قراء جدد سوف يتعرفون على شعرى، وخجلًا أمام شعراء آخرين لم يفوزوا بها ويستحقونها عن جدارة، ويعنى شكرًا لكل من أحب شعرى وردده وغناه. فى الديوان الفائز «الوقت سرقنا» ركزت على فكرة ضياع العمر ورحيل الأحباب، لكنك حافظت فى الوقت نفسه على فكرة انتصار الحياة والجمال.. كيف جمعت بين النقيضين بهذا الشكل الفنى؟ لا أراهما نقيضين، فالزمن والموت حقيقتان أتعامل معهما وأتأملهما، وفقد الأحباب والأهل حزن وألم بالغ، أما استمرار الحياة فحقيقة أخرى وغريزة خلقها الله فينا؛ فنحن نحب ونتزوج وننجب أبناءنا ونترك آثارنا نقوشا وأعمالا وشعرًا، وهذه الحقائق البسيطة فيها كل معانى الشعر والفن، فأنا أخاف الموت وأحمد الله أنه منحنى حياة أنتجت فيها هذا الشعر. لماذا لجأت فى ديوانك «بدل فاقد» إلى خلط النثر بالشعر الموزون؟ خلط النثر بالشعر موجود من قبل، وأنا كنت أبحث عن صوتى الخاص، وعن موسيقى الكلام، فكنت أحاول أن أقول الشعر وكأننى أتكلم مع صديق، وبدأت الديوان هكذا: أنا باكتب شعر عجيب الشكل/ يشبه للأكل/ يشبه لفطار المحتجزين فى القسم/ يشبه للعيش والجبنة واللكمات والركل/ شعر ماهوش فنى/ لا بيتغنَّى ولا بيغنِّى/ ولا موزون ولا نثر/ لكن باكتبه غصبٍ عنى. تقول دائما إن شِعرك هو نفسك، فإلى أى مدى استطعت أن تعبر عن نفسك من خلال الشعر؟ فى أحيان كثيرة تنتهى قصيدتى وأجدها لا تشبه ما نويت كتابته، وأحيانا أحس بأنها قريبة منى جدا وأندهش كيف كتبتها، وأنا أحاول دائما بقدر ما يسمح لى الشعر أن أكون صادقا، متمنيا أن يجد القارئ مساحة مشتركة بينى وبينه سواء فى المشاعر أو الصور أو الكلام. من يقرأ شعرك يشعر كأنه يراه، فقصائدك تبدو مرئية كلوحات الرسام.. هل يرجع هذا لتأثرك بالفن التشكيلى؟ أنا أحب الفن التشكيلى جدا، وكانت لى فى صغرى بعض المحاولات فى الرسم، لكن المشترك موجود بين الفنون، موجود بين الموسيقى والفن التشكيلى والحكايات والدراما والشعر. لقد تأثرت مثلا بالحكايات الشعبية التى حكتها لى جدتى فى الصغر، وهى مبنية على التصوير والأصوات، ولا أنسى مشهد «أم الحجول» وهى تقف فوق صديقها التمساح جاسر وينقلها من مكان لآخر فى النيل، فهل من يسمع هذه الحكاية يمكن أن يكتب شعرا خاليا من الصور؟ لم تكتف بالأمسيات والندوات، بل أكدت رغبتك فى وصول الشعر للمواطن العادى عن طريق فرقة «الشارع».. هل نجحت هذه الفكرة؟ نجحت جدا. لقد علمنا فؤاد حداد قبل وفاته هذه الأمسيات التى تخلط الشعر بالموسيقى والغناء وترددها أصوات مختلفة، فهى شيء أشبه بالسامر الشعبى. كيف تأثرت بوالدك الشاعر الكبير الراحل فؤاد حداد؟ كل الشعراء تأثروا بفؤاد حداد، فهو جزء أساسى من التراث الشعرى المصرى والعربى والإنسانى، وأنا تأثرت به من خلال حفظ الكثير جدا من شعره، ومن خلال شعراء كثيرين فى مثل سنى كانوا يزورونه ويقرأون له شعرهم، أما هو فقد منحنى اعترافًا بأنى شاعر بعد أن سمع قصائدى الأولى، وكان سعيدًا بها جدًا، وهذا الاعتراف أعاننى كثيرًا بعد ذلك فى الإيمان بما أكتبه، والاستمرار فى الشعر وقت أن كان النشر نادرا. لماذا لم تفكر فى استكمال قصائده الشهيرة «المسحراتى»؟ هكذا يقتل الشاعر نفسه عندما يُدخل نفسه فى مقارنة مع شاعر عظيم، ويضيف إضافة غير مطلوبة. ماذا عن الشعراء الذين تأثرت بهم غير والدك؟ كان اول كتاب قرأته هو قصاقيص ورق لصلاح جاهين، وتعلمت منه الكثير جدا، وتأثرت بحجازى وأمل دنقل ومحمود درويش وعفيفى مطر وبهاء جاهين ومحمد كشيك ورجب الصاوى والأبنودى وكثيرين غيرهم. والتأثر فى البدايات الأولى يكون مباشرا؛ بمعنى أن أكتب شعرا به تراكيب لغوية وبناء مشابه لشاعر ما، ومع الزمن أصبح مخزونا لتجارب العظماء يعطينى جرأة أكبر فى اقتحام مناطق فنية جديدة وأشكال مختلفة ومقدرة أكبر على نقد نفسى. ما رأيك فى الجيل الجديد من شعراء العامية؟ هناك أصوات جميلة ومضبوطة مع ايقاع الزمن، أحب شعر أحمد حداد ومحمود عزت ومصطفى إبراهيم وسعيد شحاتة وأحمد أسامة ومحمد السيد سمير ومايكل عادل والطحان وعمر سامح وغيرهم. لكن بعض الشعراء الجدد الآخرين يكتبون شعرا ضيقا يخاطبون به شريحة من المجتمع ويحققون نجاحا محدودا، أعتقد أنه فى أغلبه شعر ليس ذا قيمة كبيرة. ذكرت الآن نجلك الشاعر أحمد حداد.. ما رأيك فى تجربته الشعرية؟ أحمد موهبته الفطرية عظيمة جدا وتعامله مع اللغة وقوافيها جميل، وإحساسه بالزمن وتغير السنين فى شعره مبهر، ويمكن أن يكون ذلك نتيجة لغرامه بالسينما والأغانى ومن خلال ممارسته التمثيل والإخراج والغناء، كل هذا أعطاه مقدرة كبيرة على التجول فى أشكال مختلفة للشعر.