كلما وقفت أمام بوابة عشتار البابلية تتراءى فى خاطرى الأهرامات المصرية فما بينهما تاريح سحيق ينبض بالحضارة.. بهذه الكلمات النابضة بعاطفة جياشة تحمل حبا لمصر وشعبها تحدث السفير العراقى بالقاهرة حبيب هادى الصدر ل «الأهرام». وأكد الصدر حرص بلاده على تأمين احتياجات مصر البترولية، وأن يكون التعاون البترولى بوابة للتعاون فى جميع المجالات، لافتا إلى أن العراق بدأ التجهيز لمرحلة ما بعد «داعش» من خلال مشروع للتسوية السياسية الشاملة لجميع مكونات الشعب العراقى. وقال السفير حبيب الصدر الذى تسلم عمله سفيرا للعراق بالقاهرة منذ شهرين إنه كان يعمل خلال الفترة الماضية ومنذ مجيئه خلف الكواليس من أجل التعجيل بوصول أول شحنة من النفط العراقى إلى مصر، لحيوية الموضوع لكل من العراق ومصر. وأوضح أن مؤسسة تسويق النفط العراقى «سومو» وقعت عقد التوريد، وهو ما يعنى أن الجانبين قد انتهيا من الإجراءات الفنية المدرجة بالعقد والمتعلقة بنقل النفط بعد أخذ الضوء الأخضر من القيادة السياسية فى البلدين، وتوقع وصول الشحنة الأولى المقدرة بمليون برميل كل شهر من النفط العراقى إلى مصر فى الثلث الأخير من شهر مارس المقبل، وهو ما سيعمل على سد الفجوة الحادثة فى مصر بين الإنتاج والاستهلاك. وأضاف أن هناك مشروعا استراتيجيا كبيرا وشريانا اقتصاديا مهما يجمع بين دول عربية ثلاث العراق ومصر والأردن، يتمثل فى مدّ خطى أنابيب النفط والغاز القادمين من حقول البصرة عبر الأردن ثم إلى ميناء العقبة ومنه إلى مصر، وسوف تنشئ خزانات عملاقة لتخزين النفط العراقى، وهذا المشروع يراد منه سد حاجة مصر والأردن من المنتجات البترولية ويصدر المتبقى إلى الأسواق العالمية، وسيستغرق العمل فى هذا المشروع بين عامين وثلاثة أعوام للانتهاء منه وبدء التشغيل و إلى نص الحوار: ما هو المردود الاقتصادى لهذا المشروع على البلدين؟ العراق يأمل أن تكون مصر منفذا جديدا وأحد المنافذ المهمة لتصدير النفط العراقى على الأمد المتوسط، وأوضح أن الجانب العراقى أيضا مهتم بتنويع منافذ تصدير النفط العراقى، وأوضح أن الخط المزمع مده إلى مصر يعد إضافة جديدة لنقل النفط العراقى عبرها إلى الأسواق الأوروبية والعالمية. وأشار إلى وجود مشروع ثالث بين البلدين من خلال منح مصر النفط الخام لتقوم بتكريره نظرا للخبرات والقدرات المصرية فى مجال تكرير النفط وإعادته للعراق فى صورة مشتقات نفطية، وتم توقيع مذكرة تفاهم فى هذا الإطار. وما هى برأيك نقاط القوة فى العلاقات المصرية - العراقية؟ أهم نقاط القوة تتمثل فى وجود إرادة سياسية حقيقية لدى الجانبين، والرئيس السيسى لديه توجيهات واضحة وقوية للمسئولين بفتح قنوات التواصل مع نظرائهم العراقيين وتذليل العقبات أمام التعاون المشترك، والشىء نفسه موجود لدى الجانب العراقى، فالبلدان لهما ظهير وثقل حضارى كبير.
صف لنا الوضع الحالى فى العراق؟ العراق الآن أصبح فى المرحلة الأخيرة للقضاء على بؤر الإرهاب وتنظيم داعش، وأنتم تسمعون يوميا عن الانتصارات الباهرة التى تحققها القوات العراقية والانهيارات الكبيرة التى تصيب صفوف داعش، والقوات العراقية تسيطر حاليا على مطار الموصل، وتضيق الخناق يوما بعد يوم على هؤلاء الإرهابيين، وأيام داعش فى العراق أصبحت معدودة، وسنطوى بإذن الله هذه الصفحة الأليمة والمريرة فى تاريخ العراق. فيما يتعلق بمعركة الموصل هناك من يرى أن الحسم قد تأخر بعض الشىء فى مرحلتها الأولى فما الأسباب؟ تعلمون أن نهر دجلة يشطر مدينة الموصل إلى قسمين، والمرحلة الأولى انتهت بتحرير الساحل الأيسر وهو يمثل نسبة 60% من مساحة الموصل، أى أنه الجزء الأكبر، بينما الساحل الأيمن الذى يجرى تحريره الآن يمثل المساحة الأقل 40%، ولكن تقع فيه الدوائر الحكومية، والمعركة تسير بوتيرة ممتازة، وتم تحرير عشرات الكيلومترات المربعة والقوات العراقية تقف حاليا على مشارف مطار الموصل وأوشكت على السيطرة عليه، وفى اعتقادى أن المعركة لن تطول وستحسم قريبا، لكن التأخير مرده أن الإرهابيين يتخذون من السكان دروعا بشرية. وماذا عن دور العمالة المصرية خلال الفترة المقبلة؟ الشركات والعمالة المصرية، خاصة التى تعمل فى مجالات التشييد والبناء والكهرباء والمياه ستتاح لها فرصة مهمة فى إعادة تأهيل وإعمار الشبكات والبنية التحتية التى دمرت جراء العمليات العسكرية، وسيكون بإمكان العمال المصريين الدخول من خلال تلك الشركات، وسيحفر هذا الموقف فى ذاكرة كل العراقيين خاصة المحافظاتالغربية بأن أشقاءهم المصريين جاءوا من أجل إعمار مدنهم، وسيكون هذا مدخلا لعودة الشركات والعمالة المصرية إلى العراق مثلما كان الحال فى السبعينيات والثمانينيات. إلى أى مدى وصل التعاون المصرى - العراقى فى مجال مكافحة الإرهاب الذى يواجهه البلدان؟ مصر هى إحدى دول التحالف الدولى لمكافحة الإرهاب، ومصر الآن على أرض الواقع تخوض يوميا مواجهات مع الإرهابيين فى سيناء، وهم يمثلون الجناح الثانى لداعش، وهناك تعاون مصرى مع العراق فى مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية والأمنية وتبادل الخبرات، كذلك هناك تعاون فى المجال الطبى من خلال التجهيزات الطبية والأدوية التى تقدمها مصر للقوات المسلحة العراقية، وتم تدريب كوادر من ضباط وزارة الداخلية العراقية بأكاديمية الشرطة فى مصر. وعن التعاون العسكرى مستقبلا قال السفير العراقى إن مصر يمكن أن تساعد العراق فى إعادة تأهيل المصانع العسكرية التى كانت موجودة فى عهد النظام السابق، ودمرت بفعل الحرب التى شهدتها العراق، وقد زار وفد مصرى العراق منذ نحو ثلاثة أشهر لاستطلاع أوضاع تلك المصانع والوقوف على ما تحتاجه لإعادة التأهيل، كذلك يمكن لمصر توفير احتياجات العراق من الذخائر العسكرية من مصانعها بدلا من استيرادها من الخارج حتى الانتهاء من عملية التأهيل. هل بدأت القيادة السياسية فى التفكير بمستقبل العراق لمرحلة ما بعد زوال داعش؟ نعم فمصير داعش أصبح محتوما ووجوده صار مسألة وقت قصير وستطوى صفحته لا محالة، والقيادات السياسية خاصة السيد عمار الحكيم باعتباره رئيس التحالف الوطنى وهو أكبر كتلة برلمانية أخذ على عاتقه موضوع التسوية التاريخية، بمعنى أننا بعد داعش أمامنا مشكلة 3 ملايين نازح اقتلعوا قسرا من مدنهم بسبب داعش، وهؤلاء عانوا فى المخيمات، وهناك أيضا معاناة أبناء المحافظاتالغربية، وبعد الخروج منتصرين من معركتنا مع داعش يجب أن نعيد ترتيب أوراق البيت العراقى. وهل تبلورت ملامح لعملية التسوية الشاملة تلك؟ عملية التسوية الشاملة الآن فى طور الحوارات المعمقة والنقاشات المستفيضة، وقدمت ورقة التسوية إلى الأطراف السياسية من أجل إبداء ملاحظاتها عليها، وحدثت حوارات مع الأطراف الذين لم يدخلوا العملية السياسية بعد، ولقد لمسنا استعدادا لدى الجميع لتقديم تنازلات واتخاذ قرارات صعبة من أجل تقريب وجهات النظر. هل من المتوقع إنجاز التسوية السياسية تلك قبل الاستحقاقات الانتخابية المقبلة؟ بكل تأكيد سوف يسبق الانتخابات البرلمانية المقبلة الوصول إلى صيغة سياسية بين جميع الأطراف والمكونات العراقية، لنبدأ عملية بناء العراق المستقر.