نظم اتحاد الكتاب الجزائريين دورة الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب برعاية من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة خلال 12 14 فبراير الحالى، وفى الافتتاح ألقى عز الدين ميهوبى وزير الثقافة الجزائرى كلمة أشار فيها إلى أهمية الاتحاد فى مسيرة الثقافة العربية، معترفا ومبجلا ومعيدا التذكير بالدور الذى قام به الأوائل وعلى رأسهم الكاتب يوسف السباعي، أول أمين عام لاتحاد الكتاب العرب. لقد أحسست لحظتها وأنا أصغى لكلمة ميهوبى أن السباعى حاضر بنفس قوته الإبداعية فى أزمنة الحديث عن العزة العربية، وأن حضوره الروحى معنا ليس حالة عابرة نؤسس عليها فقط لإعادة التذكير بدور الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، وأهمية العمل العربى المشترك على صعيد الفكر والإبداع، وإنما يشكل عودة للثقافة العربية فى عطائها المتنوع والمتراكم، وأيضا عودة للوعى بأهميتها، نظرا للنهاية الأليمة التى تعرّض إليها يوسف السباعى على خلفيّة العمل السياسى العربى فى ذلك الوقت. وحين نتحدث اليوم عن يوسف السباعى وصحبه ورفاق دربه فى الاتحاد العام للكتاب العرب منذ انشائه فى 1964 فإننا لا نقع أسرى الماضى مؤسساتيا وفكريا، وإنما نبحث على كيفية تطوير مؤسساتنا الثقافية بما يواكب التطورات الراهنة، وأيضا بما يخدم الأهداف االعربية المشتركة، كما نعمل على تصحيح أو افتكاك أو استعادة ما سلبته منا جماعات التطرف والإرهاب سواء أكانت إرهابية بشكل صريح أم مختبئة تحت مسميات مختلفة، وربما ذاك ما أراد المشرفون على دورة الأمانة العامة الاتحاد الكتاب العرب فى الجزائر تحقيقه من خلال الندوة التى رفقت اجتماعات الدورة، وحملت اسم" تجليّات ثقافة المقاومة فى الأدب العربى المعاصر دورة شاعر الثورة الجزائرية مفدى زكريا". النّدوة فى طرحها الشمولى من جهة أولي، والتفكيكى من جهة ثانية، لم يَسْحبها الماضى إليه، ولم يجعل رهان النقاش ماضياً، إنما سحب حاضرُها ماضِيها ووضعه أمام مجهر التحليل، كما شمل النقاش عبر عدد من الجلسات أبعاد المقاومة على صعيدى التنظير والممارسة، وانتهت معظمها إلى سؤال جوهري: كيف نقاوم فى الحاضر؟، أتبعت برؤى متعددة قدم أصحابها صيغا مختلفة، فى محاولات جادّة منهم للخروج من أزمتنا الراهنة، المدهش فيها أنها جاءت من أوراق طرحها كتاب وباحثون من دول عربية مختلفة فى مواقفها السياسية. الأبحاث والمداخلات، التى قدمها كتاب وباحثون من: الجزائر، مصر، العراق، سوريا، السودان، الكويت، عُمان، البحرين، موريتانيا، فلسطين، لبنان، الأردن، وتونس، أثبتت أن الثقافة تجمع العرب حتى لو فرقتهم السياسة، والدليل على ذلك، هو الموافقة على انضمام مجلس النوادى الأدبية السعودية إلى الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، حيث نظر إليه باعتباره حلما يتحقق بعد طول انتظار، ناهيك عن أنه يقطع دابر الشك باليقين لجهة القول أن السعودية مرفوضة ثقافيا فى الساحات العربية، أو أنها ليست مهتمة بالثقافة العربية. من الناحية الواقعية يُعدّ انضمام مجلس النوادى الأدبية السعودية إلى الاتحاد العام للكتاب العرب، نصرا مؤزرا للثقافة العربية ليس على صعيد العمل الوحدوى العربى فحسب، ولكن لأن المنجز الثقافى السعودى بكل تنوعاته واختلافاته وتفاصيله يمثل رافدا مُهَماًّ للثقافة العربية، إضافة إلى أن النخبة المثقفة السعودية تُعَدُّ شريكاً فاعلاً مع باقى النخب العربية فى مواجهة التطرف والإرهاب، الأمر الذى يجعلها ضمن فريق المقاومة قومياًّ، بعد أن ظلت لسنوات تقاوم محليا جماعات التخلف والظلامية هذا أولا، وثانيا: يُعوّل عليها من ناحية احداث تقارب بين السعودية وباقى الدول العربية الأخري، وثالثا: يمد جسور بين المثقفين السعوديين وإخوانهم من الدول العربية الأخري. لقد تناولت ندوة الجزائر تجلياّت المقاومة، لكنها لم تكتف كما أشار عنوانها - بثقافة المقاومة فى الأدب المعاصر، إنما تخطتها إلى مجالات أخرى مختلفة تهم العرب فى حاضرهم، ويمكن أن نعيد هنا التذكير بالقضايا الثلاث التى ميزت هذه الندوة، مقارنة بمثيلاتها فى الدول العربية الأخري، أولاها:الحضور التاريخى للاتحاد العام للكتاب العرب من خلال التذكير بدوريوسف السباعى ورفاقه من الكتاب العرب لجهة التأسيس والمرجعية، وثانيتها: طرح المقاومة وتجلياتها عبر نقاش صريح من باحثين عرب ذوى توجهات فكرية وأيديولوجية وسياسية مختلفة، مركزا على الحاضر من جهة، وتحويلها إلى عمل يومى ومن ثم افتكاكها من الجماعات المتطرفة من جهة ثانية، وثالثتها: انضمام السعودية، وهذا يحقق جملة من الأهداف، من أهمها: تحقق نوعا من الاتحاد فى ظل التشرذم والصراع والاختلاف العربي، وحضور السعودية ضمن فريق المقاومة على الصعيد الثقافي، وتعزيز الاتحاد العربى بنخبة فاعلة على الصعيد العربي. دورة الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب فى الجزائر بحضور حبيب الصايغ، الأمين العام وما تبعها من عمل متواصل بين الاتحادات العربية، وجلسات الندوة، والحوار حول انضمام الأندية الأدبية السعودية، تثبت أن العمل الثقافى العربى بصيغته الجماعية مهما كانت نقائصه - سيظل المدخل الرئيس للتقارب والتعايش واثبات الوجود، ومن خلاله يمكن تثوير الإرث التاريخى المعرفى، ورغم أننا نُضيّع الحاضر أحيانا فى قضايا آنية تتحكم فيها السياسة من جهة والمصالح الفردية من جهة ثانية، إلا أنه حين تصفو الضمائر، وتبصر القلوب، وتتدبّر العقول، ندرك أن الثقافة العربية تخرجنا من الغى إلى الرشاد،وهذا ليس تفاعلاً عاطفيًّا تفرضه طبيعة المرحلة، وإنما هو مشروع قومى وإن ظل يتراوح بين التكتيك والاستراتيجية. لمزيد من مقالات خالد عمر بن ققه;