رئيس جامعة المنيا يشهد مهرجان حصاد كلية التربية النوعية 2025| صور    المجلس القومي للمرأة ينظم لقاء رفيع المستوى بعنوان "النساء يستطعن التغيير"    هل تتغير أسعار الفائدة على الشهادات الادخارية في البنوك بعد قرار البنك المركزي ؟    الشباب وتحديات اكتساب المهارات الخضراء لمواجهة تغير المناخ| تقرير    الأمم المتحدة: تهجير واسع ومقتل مئات المدنيين في غزة    الإمارات تدين إطلاق القوات الإسرائيلية النار على وفد دبلوماسي في جنين    3 شهداء في قصف إسرائيلي على منزل في دير البلح بغزة    عبد الله السعيد يؤدي برنامجاً تأهيلياً في الزمالك    وزير الرياضة ومحافظ الدقهلية يفتتحان المرحلة الأولى من تطوير استاد المنصورة    اضطراب الملاحة وأجواء حارة.. الأرصاد تعلن طقس الجمعة بدرجات الحرارة    جهات التحقيق تعاين مقر شركة دار التربية بجامعة أكتوبر للعلوم الحديثة والفنون    أول تعليق من مايان السيد بعد تكريمها من السيدة انتصار السيسي    إشادات نقدية للفيلم المصري عائشة لا تستطيع الطيران في نظرة ما بمهرجان كان السينمائي الدولي    محمد مصطفى أبو شامة: يوم أمريكى ساخن يكشف خللًا أمنيًا في قلب واشنطن    المسجد الحرام.. تعرف على سر تسميته ومكانته    رئيس الوزراء يلتقي وفد جامعة أكسفورد (تفاصيل)    عائلات الأسرى الإسرائيليين: وقف المفاوضات يسبب لنا ألما    ماغي فرح تفاجئ متابعيها.. قفزة مالية ل 5 أبراج في نهاية مايو    تعمل في الأهلي.. استبعاد حكم نهائي كأس مصر للسيدات    40 ألف جنيه تخفيضًا بأسعار بستيون B70S الجديدة عند الشراء نقدًا.. التفاصيل    نماذج امتحانات الثانوية العامة خلال الأعوام السابقة.. بالإجابات    طلاب الصف الخامس بالقاهرة: امتحان الرياضيات في مستوى الطالب المتوسط    الحكومة تتجه لطرح المطارات بعد عروض غير مرضية للشركات    «الأعلى للمعاهد العليا» يناقش التخصصات الأكاديمية المطلوبة    تفاصيل مران الزمالك اليوم استعدادًا للقاء بتروجت    المبعوث الأمريكى يتوجه لروما غدا لعقد جولة خامسة من المحادثات مع إيران    بوتين: القوات المسلحة الروسية تعمل حاليًا على إنشاء منطقة عازلة مع أوكرانيا    الأعلى للإعلام يصدر توجيهات فورية خاصة بالمحتوى المتعلق بأمراض الأورام    وزير الرياضة: تطوير مراكز الشباب لتكون مراكز خدمة مجتمعية    البابا تواضروس يستقبل وزير الشباب ووفدًا من شباب منحة الرئيس جمال عبدالناصر    وزير الصحة ونظيره السوداني تبحثان في جنيف تعزيز التعاون الصحي ومكافحة الملاريا وتدريب الكوادر    تعرف على قناة عرض مسلسل «مملكة الحرير» ل كريم محمود عبدالعزيز    بعد ارتباطه بالأهلي.. كوتيسا ينضم إلى أيك أثينا اليوناني بصفقة انتقال حر    محافظ البحيرة تلتقي ب50 مواطنا في اللقاء الدوري لخدمة المواطنين لتلبية مطالبهم    وزير الخارجية يؤكد أمام «الناتو» ضرورة توقف اسرائيل عن انتهاكاتها بحق المدنيين في غزة    بروتوكول تعاون بين جامعة بنها وجهاز تنمية البحيرات والثروة السمكية (تفاصيل)    محافظ أسوان يلتقى بوفد من هيئة التأمين الصحى الشامل    «العالمية لتصنيع مهمات الحفر» تضيف تعاقدات جديدة ب215 مليون دولار خلال 2024    أسرار متحف محمد عبد الوهاب محمود عرفات: مقتنيات نادرة تكشف شخصية موسيقار الأجيال    الأمن يضبط 8 أطنان أسمدة زراعية مجهولة المصدر في المنوفية    أدعية دخول الامتحان.. أفضل الأدعية لتسهيل الحفظ والفهم    أمين الفتوى: هذا سبب زيادة حدوث الزلازل    الأزهر للفتوى يوضح أحكام المرأة في الحج    "سائق بوشكاش ووفاة والده".. حكاية أنجي بوستيكوجلو مدرب توتنهام    كرة يد - إنجاز تاريخي.. سيدات الأهلي إلى نهائي كأس الكؤوس للمرة الأولى    "آيس وهيدرو".. أمن بورسعيد يضبط 19 متهمًا بترويج المواد المخدرة    ضبط 9 آلاف قطعة شيكولاته ولوليتا مجهولة المصدر بالأقصر    عاجل.. غياب عبد الله السعيد عن الزمالك في نهائي كأس مصر يثير الجدل    مشاجرة بين طالبين ووالد أحدهما داخل مدرسة في الوراق    وزير الداخلية الفرنسي يأمر بتعزيز المراقبة الأمنية في المواقع المرتبطة باليهود بالبلاد    كامل الوزير: نستهدف وصول صادرات مصر الصناعية إلى 118 مليار دولار خلال 2030    الكشف عن اسم وألقاب صاحب مقبرة Kampp23 بمنطقة العساسيف بالبر الغربي بالأقصر    الزراعة : تعزيز الاستقرار الوبائي في المحافظات وتحصين أكثر من 4.5 مليون طائر منذ 2025    راتب 28 ألف جنيه شهريًا.. بدء اختبارات المُتقدمين لوظيفة عمال زراعة بالأردن    محافظ القاهرة يُسلّم تأشيرات ل179 حاجًا (تفاصيل)    سعر الريال القطرى اليوم الخميس 22-5-2025 فى منتصف التعاملات    هبة مجدي بعد تكريمها من السيدة انتصار السيسي: فرحت من قلبي    حكم من يحج وتارك للصلاة.. دار الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. سامح إسماعيل للأهرام: لا يمكن استبعاد الواقع والجماهير فى تجديد الخطاب الدينى
نشر في الأهرام اليومي يوم 18 - 02 - 2017

هل يمكن تجديد الخطاب الدينى من دون التفات واضح وصريح إلى الواقع والقوى الفاعلة فيه؟ وهل يمكن استبعاد الجماهير من هذا الحديث استنادا إلى أن نظرية «إلجام العوام عن علم الكلام» وهى نظرية انتهى وقت صلاحيتها التاريخية والحضارية مع اتساع فرص التعليم عن غير الطرق التقليدية التى كانت تحبس العلم فى عقول محدودة العدد.
الآن مع ثورة الاتصالات والمعرفة صار الجمهور فاعلا فى تشكيل الوعى حتى ولو بصور مشوهة. وعلينا أن نجدد الوعى بالحوار معه، لا بالتعالى عليه واستبعاده مما يمارسه فعليا على الأرض، ونريد منه أن يغيره.
فالخطاب الدينى ليس مجرد كلام نريد إرساله إلى جمهور بل رؤية تخرج من الواقع وتعود إليه عبر عملية دائمة من الحوار الخلاق، الذى يقوم على أن العقل أعدل الأشياء قسمة فى العالم، كما تقول المقولات القديمة.. ويقوم أيضا على أن الحوار هو الحل لإنتاج خطاب جديد يواكب عصرنا، ولا نكتفى بتجديد القديم.
وفى حوار مع «الأهرام» يدعو الدكتور د. سامح محمد إسماعيل، الباحث والمحاضر فى العلوم السياسية وفلسفة التاريخ، ومدير الأبحاث بمركز دال للأبحاث إلى أن ينفتح المثقف على الجمهور وأن يتوقف حديث الدوائر المغلقة، فالدين معطى أساسى وجوهرى فى حياتنا، ويلعب أدواراً بالغة الأهمية فى المجتمع، لا سيما فى مصر، ولا يصح أن يترك الحديث عن تجديده لنخبة ضيقة واستبعاد الجماهير .
و إلى تفاصيل الحوار مع الدكتور سامح حول ملف الخطاب الدينى الجديد ...
أولا.. ما المقصود بمصطلح الخطاب، وهل يمكن تطبيقه على النص الدينى المقدس أو أنه ينسحب فقط على النصوص الشارحة والتفاسير باعتبارها نتاجا بشريا؟
إن جاز لنا القول إن الخطاب هو ذلك المعنى المتجلى كلاميا، والناتج عن وعى حر من قبل مُخاطِب، للتعبير عن جملة من الأفكار والأنساق المعرفية التى تمثله وتعبر عنه، فإن الطرف الآخر فى الخطاب وهو المُخاطَب، لا يقل دوره أهمية، ففى وجوده تحدث عملية التلقي، وتتمظهر بنية الخطاب، فتبدو أكثر وضوحا، فخطاب بلا مُخاطب كبحر بلا ماء.
وبحسب ميشيل فوكو فإن الخطاب هو جملة من المنطوقات أو الملفوظات التى تكون بدورها مجموعة من التشكيلات الخطابية المحكومة بقواعد التكوين والتحويل، وعليه فإن الحمولة المعرفية للنص الدينى تحتمل وبشدة أن ينطبق عليها مفهوم الخطاب ودلالاته، من حيث وجود طرفى المعادلة، وهو ما يسمح بهذا الجدل البناء بينهما فى ضوء بيئة النص بتعدد أبعادها.
ليس هناك خطاب دينى واحد شامل جامع يمكن التعامل معه، بل هناك خطابات دينية حتى فى الدين الواحد، تنطلق من منطلقات التاريخ والتأويل.. فلماذا نتكلم عن تجديد خطاب واحد؟
لا يمكن الحديث عن خطاب دينى واحد يكون جامعا مانعا، فثبات النص لا يعنى بالضرورة سكونية الدلالة، التى تشكل كثافة إيحائية لا يمكن حصرها فى خطاب واحد، فالانفتاح الدلالى للنص يبقى بلا حدود، يتحرك فى التاريخ الإنسانى مشحونا ببنى ذهنية وتمثلات معرفية لها سمة الديمومة والتطور، نحن بصدد خطاب فاعل فى التاريخ، ومتأثر به فى الوقت نفسه.
فالخطاب الدينى الجبرى الذى ظهر فى العصر الأموى مثلا، يختلف تماما عن ذلك الخطاب النقدى العقلى الذى ظهر على يد المعتزلة وانتشر فى العصر العباسى الأول، قبل أن يغلق الخطاب الفقهى القروسيطى أبواب الاجتهاد فى العصر العباسى المتأخر، وهناك الخطاب الدينى الشعبى بكل طروحاته التى تمزج بين النص والتراث والواقع، وتتمظهر فيها وبكثافة رمزية كل منطلقات الوعى الشعبى وسماته المعرفية.
كيف تقرأ محاولات تجديد الفكر الإسلامى منذ محمد عبده حتى الآن، ولماذا لم تصبح تيارا سائدا فى الثقافة المصرية مع أن الفرصة كانت مناسبة خاصة بعد ثورة 1919 الشعبية فى مصر؟
فى لحظة محمد عبده بالتحديد كان الأزهر -وهو المدرسة الفكرية الأكبر آنذاك- يتسم ببنية تقليدية كلاسيكية، حيث كان التراث هو الينبوع الرئيس الذى نهل منه دعاة الإصلاح، فجاء المنتج المعرفى انعكاسا لهذا الموروث الفكري/ العقائدي، من خلال آراء كانت بنيتها الفكرية ثيولوجية بامتياز، حاول الإصلاحيون تطويعها وإعادة تقديمها فى قالب حداثي. ويمكن القول إن الإصلاح هنا كان محاولة لتقديم مقاربة معرفية بين واقعين بينهما مسافة زمنية طويلة، من خلال إحياء نوع من الفهم المعاصر للموروث الديني، ومد الجسور المعرفية بين الواقع والتراث.
وعليه تمركز الإصلاح الدينى حول النصوص، بحيث أصبح من الصعب فصل نتاجاته المعرفية عن معطياته الممتدة إلى جذور التراث، وهى معطيات أحاطت نفسها بغلاف عازل من التأويلات القديمة التى أخذت تحيل دوما على نص مقدس أو حامل مقدس يكتسب بدوره درجة ما من التقديس، فاقتصر تجديد الخطاب الدينى على إعادة غربلة التراث فهما وتفسيرا، ثم تقديمه من جديد فى صورة شديدة الحذر فيما يتعلق بالاستبعاد والنقد.
الإشكال الرئيس هنا أن طروحات التجديد فى تلك اللحظة ارتكزت على معطيات توفيقية قيدت عملية الانطلاق فى اللحظة التى كان العالم الإسلامى فيها على هامش الحضارة الإنسانية. فكان خيار التحصن بالتراث الدينى والفكر الفقهى الموروث، ومحاولة استحضاره فى ثوب جديد، وبعبارة أخرى محاولة وضع التراث أمام متغيرات العصر من علم وتكنولوجيا وفلسفة ونظريات اقتصادية وسياسية، وكان الرهان هو التوفيق بينهما والبحث بين طيات الماضى عن معطيات لطروحات الحاضر، فى محاولة لإثبات قدرة الماضى على الحياة فى غير عالمه.
محاولات الإصلاح هنا لم تستوعب القطيعة التى بلورتها الحداثة مع الثقافات الوسيطية والثقافات القديمة، وهو ما أنتج نصوصاً حاول أصحابها إحياء جوانب من منظومة التراث، كوسيلة لمواجهة التحديات المعاصرة.
أورد لك مثالا للتدليل على ذلك، نجد محمد عبده وقد تأثر بمنهج علماء الكلام فى مبحث العقيدة، واعتنق مذهب الأشاعرة فى التوحيد، ثم اعتنق مذهب المعتزلة فى العدل، وجاراهم فى عدم الأخذ بأحاديث الآحاد، لكنه ظل مخلصا للتراث الأشعرى بشكل عام. والشيخ حافظ وهبة - تلميذ محمد عبده- يذكر أن أستاذه كان يثنى على الشيخ محمد بن عبد الوهاب ويلقبه بالمصلح العظيم، ويرى دعوته إصلاحية تهدف إلى إحياء الإسلام، حتى فكرة الفصل بين الدين والدولة لم تكن حاضرة فى رؤيته، مؤكدا أن الإسلام جاء نظاما للملك.
وعلى الرغم من هذا الارتباك بين التجديد والعودة إلى التراث فإن محمد عبده -كما يقول نصر حامد أبو زيد- وضع اللبنة الأولى لملاحظة العلاقة بين ما هو اجتماعى وما هو ديني، وهو ما تلقفه فيما بعد على عبد الرازق لإيجاد علاقة ما بين النص وآليات تأويله.
هل يمكن أن نكرر تجربة التقريب بين المذاهب، كما فعلت لجنة الأزهر برئاسة الشيخ شلتوت فى ستينيات القرن الماضي، ونقدم مشروعا للتقريب بين الخطابات الدينية المنطلقة من أسس مذهبية؟
فى عام 1958 صدرت فتوى عن شيخ الأزهر الإمام محمود شلتوت بجواز التعبد على مذهب الشيعة الإمامية، حيث أكد فى فتواه: «أن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الإمامية الاثنى عشرية، مذهب يجوز التعبد به شرعًا كسائر مذاهب أهل السنة، فينبغى للمسلمين أن يعرفوا ذلك، وأن يتخلصوا من العصبية بغير حقّ لمذاهب معينة». سبق الفتوى جهد كبير من مفكرين سنة وشيعة، حيث كانت دار التقريب هى البداية لجهد اتسم وقتها بنوع من التسامح والرقي.
ولكن أرى أن دعوات التقريب والفتاوى بعدم كفر فئة أو أتباع مذهب من المذاهب هى فكرة تجاوزها الزمن.
ففكرة توحيد المذاهب نفسها باتت فكرة تاريخية تنتمى للماضي. المشترك الإسلامى هنا ينبغى أن يكون إنسانيا فى المقام الأول، الطريق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، والعلاقة الذاتية بين الله والإنسان لابد أن تبقى ذاتية. لن ينتهى الصراع الطائفى بمحاولات التقريب، فالفتوى سالفة الذكر واجهت منذ اليوم الأول معارضة أصولية شرسة من داخل الأزهر نفسه، من الشيخ السبكى ومحب الدين الخطيب والشيخ محمد عرفة وغيرهم، إلى أن أصدر الشيخ عبد الرحمن بيصار شيخ الأزهر فتوى تُبطل فتوى الشيخ شلتوت فى أواخر السبعينيات عقب قطع العلاقات المصرية الإيرانية. لابد من الحوار المتجاوز للمذهبية، والمرتكز على قبول الآخر والاعتراف بوجوده وحقه فى التعبد كيفما شاء.
هل نحن بحاجة إلى تجديد خطاب راسخ بالمعنى الإصلاحى الذى شهدته مصر منذ القرن التاسع عشر أم أننا بحاجة إلى خطاب جديد أو خطابات جديدة تنطلق من الواقع لا من الماضي؟ وكيف يمكننا ذلك: هل بإعادة قراءة النص أم بجعله ساحة للحوار؟
دوما نتحدث عن ثبات النص وحركة المحتوي.. المحتوى بمعنى الدلالة والمضمون المعرفى فى صيرورة دائمة، يخضع لحركة التاريخ ومتغيرات البيئة وعوامل الزمن، الواقع هو نقطة الانطلاق بعيدا عن المنهج الصورى وآليات العصور القديمة، تفكيك المعنى لغة وتركيبا وتاريخا، ثم إعادة البناء فى ضوء الراهن ومتغيراته هو المعيار الذى يمنح الخطاب تأثيرا وجدية ومصداقية، الأمر يقاس هنا بمدى ملاءمة الخطاب لاحتياجات المتلقي، ومدى معالجته لإشكاليات واقعه المعيش.
لا تستطيع أن تنزل إلى نفس النهر مرتين، وبالتالى لا يمكن أن تستدعى الماضى كنقطة انطلاق لحاضر مغاير تماما، ليست دعوة للقطيعة، وإنما للتأمل والنقد والتفكر، ومن ثم الانطلاق نحو أرضنه وأنسنة المطلق، الذى جاء بالأساس لهذا الغرض. لنجعل النص ساحة للحوار والجدل والاختلاف ونمنح المتلقى كل هذه الدروب الجديدة، وله الحرية فى أن يسلك أحدها، أو يشق لنفسه دربا جديدا.
هل من المنطقى أن تنطلق الدعوة لتجديد الخطاب الدينى من السلطة السياسية، وهل هذا من مصلحة الدعوة للتجديد، أم أن ذلك يلقى بضغط عليها يجعلها أسيرة تصورات الدولة أو السلطة السياسية لمنطق الدين وتفسيره ؟
تجديد الخطاب لا يأتى بقرار سياسي، ولنا فيما حدث فى مسألة التقريب عظة، فالتقريب لم يأت وفقا لبنية تحتية معرفية حقيقية، جاء قرارا فوقيا، ثم حدثت الوقيعة بين مصر وإيران عقب ثورة الخوميني، فألغيت الفتوى بأخري. التنوير عملية تحتية بامتياز، ينبغى أن ينطلق سيل الأفكار، ومن ثم الصراع، ومع الوقت تنتشر الفكرة ويزداد الوعي، وتتمفصل فى البناء التحتى كل المعطيات التى تمكن من اتخاذ خطوات إجرائية جادة نحو مزيد من التنوير والإصلاح.
فى تونس حدثنى أحدهم عن رفضه الشديد لمجلة الأحوال الشخصية وقوانينها التى تمنح المطلقة مميزات شتى وتمنع تعدد الزوجات، تلك القوانين التى وضعت بقرار فوقى من عقود طويلة، لم تخضع لهذا الجدل وآليات التنوير المعرفي، فظلت مرفوضة رغم إقرارها، تجديد الخطاب يأتى وفقط من خلال الوعى والمعرفة.
ملامح الخطاب
ما هى الملامح الأساسية فى الخطاب الدينى السائد سلبيا وايجابيا؟ وما هى الخطوات الأولية للتجديد إن اتفقنا على تجديد الخطاب كحل مرحلي؟
الخطاب الدينى الحالى، خطاب مرتبك وملتبس، وحتى كثير من دعوات التنوير يفتقد أصحابها للأسس المعرفية والقدرة على تحليل النصوص والإلمام بمنهاجيات البحث الصارمة. ما يحدث هو تلاسن وطعن وصراع يفتقد لأبسط قواعد المنهج العلمي. وربما لم نجد بعد محاولات جادة عقب رحيل نصر حامد أبوزيد، ومشروع على مبروك لم يكتمل أيضا، والمؤسسة الدينية تحكمها البيروقراطية الإدارية، والعقليات الكلاسيكية، لنضبط المفاهيم أولا، ونحدد ماذا نقصد بالتجديد، ثم نتجاوز الخلافات المهترئة، وما يحدث فى الإعلام من مناظرات تفتقد الموضوعية، وتتسم بالصوت العالي.
لابد من دعم المؤسسات الأكاديمية، وتطوير عملها، والاهتمام بالبعثات للإلمام بالمنهاجيات المتطورة إلى حد مذهل فى العلوم الإنسانية، ما يجرى على الساحة استهلاك وابتذال لمعنى التجديد، وانتهاك لحق المتلقى فى الفهم والإدراك.
ما العناصر المفقودة أو الفريضة الغائبة فى الخطاب الدينى السائد فى مصر والتى ترى أنها جوهرية فى أى خطاب دينى معاصر ؟
الخطاب الدينى السائد يعتمد على دوجما العصور الوسطي، والنقل والقياس، ما زال الخطاب جامدا شديد السكونية حد التحوصل، البعض يعتلى المنابر ليتحدث فى فقه الرق وملك اليمين! إلى أى مدى يمكن أن يستمر هذا الخطاب؟ أعتقد أنه بات الآن يخضع للتساؤلات الصعبة التى تطرحها الحداثة، وإن لم يتمكن من التماهى مع الواقع فلن يجد له مكاناً فى المستقبل.
من يقوم بتجديد الخطاب وعلى أى أسس علمية وفكرية ودينية، هل المؤسسة الرسمية أم أن هذه مهمة النخب الفكرية المستقلة ؟
لابد للمثقف أن يخرج إلى الجمهور، الحوار الدائر فى الغرف المغلقة والدوريات الأكاديمية هو حوار جدب، محاصر فى عالمه الحقيقي. لابد من تبسيط اللغة والمعني، وطرح الحوار بكل أشكاله على الجميع.
مازلنا نحاول الخروج من براثن العصور الوسطى إلى الآن، وما زالت الخيارات محدودة.. على الدولة أن تدعم مشروعا تنويريا شاملا دون تدخل سياسي، ليبقى ملكا للجميع، لنصنع حالة من الحوار خارج الأسوار، فيتجلى مفهوم المثقف العضوى بكل دلالته كفكر وحركة.
هل تجديد الخطاب أمر نخبوى لا يصح للعامة الحديث فيه بمنطق إلجام العوام أم أنه حديث جماهير يقود إلى دمقرطة الخطاب الديني، أم أن ذلك خطر على الدين والتجديد معا؟
فى كل العصور كانت هناك النخبة.. التجديد الحقيقى هو تيسير كيفية وصول أفكار تلك النخبة إلى أكبر قدر من الناس. والجدل أمر مهم جدا.
كتب المعتزلة أحرقت ولم يبق غير ما كتب عنهم، ماذا لو لم يقرأ لهم أحد أو يسمع بهم؟
نفس الأمر مع ابن رشد، أهم ما فى التجديد هو طرح السؤال، والإنسان العادى هو من يطرح تلك التساؤلات بناء على احتياجاته، وعلى المثقف أن يجيب بشكل غير تقليدي، هنا يبدأ التنوير كفعل جماعى بين المثقف والإنسان العادي.
كيف ترى دور التصورات الشعبية للدين - التصوف تحديدا- فى عملية أنسنة الفكر الدينى وتجديد الخطاب ؟ وما هو السر وراء اهتمام الغرب بالتصورات الصوفية فى الاسلام ؟
لعل فكرة (الله) المطلق والمفارق، والتى ترتكز عليها منطلقات المعرفة الدوجمائية الأصولية كنسق مغلق لا يجوز الاقتراب منه، هى ما يفزع هؤلاء الذين اتخذوا موقفا عدائيا من الفن كمفهوم وتوجه إنساني. فالموسيقى بكل تجردها ومطلقاتها الروحية، والكلمة بحمولتها اللغوية والبلاغية أمور فى رأيهم قد تنافس فكرة المطلق الأوحد، وهو ما يجعلهم فى حالة عداء دائم مع الفنون بأشكالها.
فى قديم الأزمنة عبّر الإنسان البدائى عن توسلاته ومناجاته للآلهة، من خلال حركات إيقاعية راقصة تصاحبها أصوات الطبول، بهدف تخليص الروح من أسر الجسد واكراهات الواقع المادي، لتتمكن الروح من العبور اللحظى إلى حيث المطلق. هنا كان الإبداع الراقص والصاخب آداة من أدوات الطقس، ووسيلة من وسائل الوصول إلى الجوهر والكينونة الأبدية.
فعموم الناس لا ترتاح لفكرة المجرد المنعزل فى عوالمه المفارقة، وهنا ظهرت الأشعار والألحان لمناجاة المطلق، وتمهيد الدروب لترقى الروح إلى حيث خالقها، بعيدا عن منافيها الوجودية، ولعل الصوفية نجحت إلى حد كبير فى ابداع نوع من الفن الخلاّق. فانطلقت ملكات الإبداع، لتصالح الإنسان الفرد والحياة، وهو ما أدى إلى بروز ثقافة جديدة احتل فيها الإنسان دور الفاعل فى عالم يمثل بالنسبة له مجالا للتجربة والعمل، لا للتأمل والنظر المجردين، ليدرك مدى تمثل الله المطلق بكل تجلياته فى الذهنية الإبداعية، فيمضى حرّا يستكشف عوالم الإرادة الإنسانية، ويكوّن مفهومه عن الله بلا خوف.
ويمكن القول إن التصوف وسائر تجليات الروح أمور من شأنها تدعيم منطلقات فعل الإدراك الحسى وصولا إلى الإدراك العقلي، أو هو ذلك الفيض القادم من المطلق إلى المبدع، ثم ينطلق من المبدع لعموم الناس، ليدور حول جوهر الله والروح والكون والخلق، وهو ما نجحت فيه التصورات الصوفية، وتلقفها الغرب بالتحليل والدراسة، فى محاولة لتبين هذا النوع من الخطاب الدينى المتفرد.
هل يمكن للدين أن يكون أداة للتغيير الاجتماعى أم أنه بطبيعته التى تفرض إيقاعها يثبت الواقع؟ وهل ثمة تناقض فى دعوة الناس للتغيير بينما هو يسعى لتثبيت رؤاه عبر تثبيت عملية إنتاج الفتوى وتغيير شكلها الخارجى فقط لتبدو مواكبة للعصر؟
شئنا أم أبينا فالدين معطى رئيسي، وسوف يستمر فى لعب أدواره الاجتماعية. ما ينبغى التحذير منه هو أدلجة الدين، وتحويله إلى مشروع سياسي، الإسلام فى لحظة التأسيس لم يكن فيه رجال دين، ولا وكلاء عن السماء، كانت هناك حالة جماعية من الحوار بين المخاطب والمتلقي، لم تكن هناك أطلقة ولا وصاية الفقهاء التى صنعتها الدولة الإسلامية وهى تتحول إلى طور المُلك.
الدين هو منظومة من القيم والمثل تنظم العلاقة بين الإنسان وربه، وهو كذلك يحتوى هذا الزخم الثقافي، وعليه فإن التنوع الذى تحدثه الأديان فى المجتمعات ينبغى أن تحسن إدارته.
الجانب «الأبستمولوجي» فى ذاته يعنى القابلية للتطوير والتماهى مع الواقع وحاجاته، أما أطلقة النص، واحتكار الحديث باسم الله، وأدلجة الظاهرة الدينية فى قوالب معدة سلفا لتحقيق نوع من السيطرة، كل هذا يجعل من الدين حائط صد أمام التقدم الإنساني، والعكس هو الصحيح.
يرى الباحث السودانى عبد الله النعيم أن علمانية الدولة فريضة إسلامية تحرر الدين من تبعية تصور الدولة وتجعله وسيلة لتحرر الإنسان وصدقيته مع نفسه، كيف ترى العلمانية : هل هى حجر أساس فى مشروع التجديد أم عامل مكمل، وهل تراها تتعارض مع فكرة الدين؟
لا ينبغى أن تتحول العلمانية إلى فكرة مطلقة، كى لا نصطدم بنوع من الفاشية فى قالب عصري. الفصل التام بين الدين والدولة لا يعنى بالضرورة استبعاد الدين، حتى فى المجال العام، فقط يتم استبعاد مظاهر السيادة لدين على الآخر، لتتجاور دور العبادة، وتنتشر الرموز دون ادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة، أو محاولة السيطرة على المجال العام.
العلمانية هى الأخرى فكرة تتطور مع الزمن وتحتاج دوما إلى التجديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.