ما الذى حدث فى مصر فى العقود الاربعة الأخيرة - فيما يتعلق بسلوك المصريين؟ وهل باتت اللامبالاة وتجاهل المخاطر سمة بالفعل من سمات المصريين؟ ولماذا تضاعفت حوادث السيارات ووسائل النقل بشكل كبير فى الآونة الاخيرة؟..هل السبب زيادة عدد السيارات وسوء احوال الشوارع فقط؟ وماذا عن الحوادث فى المناطق والمدن الجديدة التى تكون شوارعها واسعة وعريضة ولا يسير بها عدد كبير من السيارات؟..لاشك ان سلوك البشر فى الشوارع يلعب دوماً دوراً مهما فى القضية التى نحن بصددها..فدعونا نتعرف على الارقام. بلغت حوادث الطرق عام 2015 حوالى 14548 حادثه مقابل 14403 فى عام 2014 بزيادة 1% نتج عنها 6203 متوفين، 19325 مصاباً، و19116 مركبة تالفة. أما حوادث القطارات فقد بلغت 1235 حادثا فى عام 2015 مقابل 1044 فى عام 2014 ويعود السبب الى عدم الاهتمام بالمزلقانات، فارتفعت نسبة حوداث السيارات والقطارات حسب التقرير السنوى للجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء فى شهر يوليو بنسبة 9,6% واقل نسبة فى شهر فبراير بنسبة 7,4% من إجمالى الحوادث فى مصر كلها. الارقام كارثية ومروعة بالمقارنة بمثيلاتها فى شتى انحاء العالم.. خاصة أنها ارقام عامة فى مصر كلها، وليست منحصرة فى محافظة دون اخري. المحافظات التى شهدت اكبر عدد من الحوادث كانت وياللغرابة هى المحافظات التى تحوى اكبر عدد من المتعلمين - اى ان سلوك البشر هنا ليس له علاقة بمستوى التعليم ،ففى الجيزة مثلاً بلغت نسبة 13,7% نتج عنها 474 متوفياً، و1430 مصاباً. وتعد محافظة دمياط هى الأقل من حيث عدد الحوادث حيث سجلت 85 حادثا بنسبة 7,% نتج عنها 82 متوفيا و127 مصاب. الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء لفت الانتباه الى أن معدل خطورة الحوادث فى المحافظات بلغ 1.6 متوفى أو مصاب لكل حادثة وعلى الطرق السريعة 2.4 متوفى أو مصابا لكل حادثة، وكان أعلى معدل خطورة على الطرق السريعة 4 متوفين أو مصابين لكل حادثة على طريق مصر الاسكندرية الصحراوى وبلغ أقل معدل 1.7 على طريق القاهرة /السويس، القاهرة/طنطا. وبلغ معدل قسوة الحادث على مستوى المحافظات 35.3 متوفى لكل مصاب وعلى الطرق السريعة20.2 متوفى لكل 100 مصاب. وأما عن مسببات الحوادث فيأتى العنصر البشرى من أكثر الأسباب حتى بلغ 63.3% يليه الحالة الفنية للسيارة 22٫9%. نزيف الحوادث هذا يكلف مصر خسائر هائلة، ولا نعنى هنا الخسائر البشرية والمادية فقط، بل هى تداعيات تلك الخسائر، من حيث اعمار الضحايا والتى كانت ستتحول إلى ثروة بشرية متخصصة. فالفئة العمرية التى تقع ضحايا لهذه الحوادث تتراوح بين 25 44 سنة، وهو ما يعد كارثة بكل المقاييس فهى الفئة الشابة التى يعتمد عليها اى مجتمع فى مستقبله.. وبسبب ذلك بلغت الخسائر المادية فقط مليار جنيه. وتعد مصر هى الأولى عالمياً بنسبة 18.3% مسجلة 14 ألف ضحية و60 ألف مصاب. صور اللامبالاة وتجاهل المخاطر لدى المصريين ليست منحصرة فى سلوكياتهم داخل الوطن فقط، بل ان بعضهم يتعامل مع حياته باللامبالاة حتى حين يقرر السفر خارج الوطن. فضحايا الهجرة غير الشرعية او ما بات اصطلاحاً يُعرف باسم «التجارة بالموت» يؤكد رسوخ النسق ذاته بين المصريين.. وبحسب السلطات المعنية - وعلى سبيل المثال فقط وليس الحصر - ارتقع عدد ضحايا مركب رشيد فى سبتمبر 2016 الى 204 قتلى وهو آخر حادث للهجرة غير الشرعية المروعة عن طريق البحر! فكيف يمكن تغيير ذلك؟ هل يجب تغييره بسن المزيد من القوانين؟..هذا غير ممكن لانه امر يتعلق بالسلوك البشري..فالقوانين تمنع السرقة والقتل وغير ذلك من الجرائم ورغم ذلك فمعدلات تزايدها مستمرة البعض يرى أن أسباب ظاهرة الهجرة غير الشرعية فى مصر ترجع الى الحالة الاقتصادية..فقط - فماذا عن الصراعات المسلحة كما فى العراق وليبيا وسوريا - الاثنية والعرقية والممتدة فى منطقتنا حتى شمال افريقيا وافريقيا الوسطى فهل يمكننا التصدى لهذه الظاهرة بحل المشكلات الاقتصادية فقط كرفع مستوى المعيشة والقضاء على البطالة مثلاً؟ الوضع مركّب وشائك ويحتاج لتدخل حاسم..ليس من حيث التشريعات فقط.. بل من حيث التعليم والتوجيه والتربية لتغيير سلوكيات البشر. لقد قال المولى عز وجل فى كتابه الكريم «و لا تلقوا بأيديكم الى التهلكة».. لكن كثيرا من المصريين يفعلون ويلقون بأيديهم وأرجلهم وأنفسهم عمداً ومع سبق الاصرار والترصد الى طريق الموت دهساً تحت عجلات وسائل النقل وهم يعبرون شوارع المحروسة بلا مبالاة وعدم اكثراث بالاشارات وعجلات الموت السريع التى لا ترحم صغيراً أو كبيرا.. والتساؤل الذى يفرض نفسه: هل استوى عند المصريين معنى الموت والحياة؟ أم أنهم فقدوا الأمل فى الأفضل لمستقبلهم؟