خلال أيام ثورة يناير وحتي يوم إرغام مبارك علي التخلي عن موقعه كرئيس لمصر بدا وكأن الرئيس الامريكي باراك أوباما وفريقه الرئاسي ونائبه بايدن ووزيرة خارجيته وكل المتحدثين الرسميين قد تفرغوا لمصر وما يحدث فيها وتركوا خلفهم كل مسئولياتهم. كانت زياراتهم لمصر ولقاءاتهم بالمسئولين بها وغير المسئولين وتصريحاتهم التي يطلقونها علي مدي الساعة هي الزاد اليومي لكل وسائل الاعلام وكان الهدف الذي سعي وراءه كل هؤلاء هو خلع الرئيس مبارك وإقناعه بترك منصبه بقوة الضغوط الداخلية والأمريكية. وجرت اتصالات مباشرة وغير مباشرة بين اوباما ومبارك وبين نائبه بايدن ونائب الرئيس المصري عمر سليمان وزار الرجل مصر والتقي بكثيرين وطلب بوضوح وبدون أي قدر من الدبلوماسية تخلي مبارك عن منصبه ومغادرة القاهرة هو وأسرته. وضغطت قوي كثيرة لاثناء الادارة الأمريكية عن موقفها وأمام هذه الضغوط اضطر اوباما الي اجراء عملية تصويت بالبيت الأبيض حول بقاء أو عدم بقاء مبارك في منصبه ورجحت هيلاري كلينتون جانب من صوتوا لمصلحة عدم بقاء مبارك. وبعدها سمع العالم المسئولين الامريكيين وهم يطالبون مبارك بترك منصبه الآن ولما سئلوا ماذا يعنون بالآن؟ قالوا بوجه جامد وبصوت ثلجي: الآن تعني الآن. وعرفت مصر ان مبارك سوف يرحل بعدما سمعوا هذا التصريح الأمريكي. وفعلا واصل الثوار ضغوطهم وتصاعدوا بها علي ضوء عاملين الأول موقف القوات المسلحة التي أكدت مساندتها لهم وأنها لن تطلق النيران عليهم أبدا بل ستعمل علي حماية الثورة وحمايتهم, والثاني الموقف الأمريكي. وفي ذلك الوقت رحبت الأغلبية المصرية بالموقف الأمريكي واعتبرته إيجابيا, أما النخبة فلم يكن رد فعلها مساويا أبدا لحجم هذا التدخل الأمريكي في شئون مصر الداخلية. ولكن انفجار ميدان التحرير في وجه المجلس الأعلي للقوات المسلحة والحكومة ككل والولايات المتحدة حدث عقب قضية المنظمات المدنية التي اتهمت بتلقي أموال امريكية واوروبية وإلقاء القبض علي عدد من المتهمين المصريين والأجانب الذين يحملون جنسيات امريكية وألمانية. واستمرت التحقيقات الي أن قررت سلطات التحقيق الافراج عن معظم المتهمين الأجانب بكفالة ووصول طائرة خاصة حملتهم من مصر الي الخارج. وخلال هذه الأسابيع اشتعلت الحملة المعادية للامريكيين ولكن نيرانها كانت تستهدف أساسا السلطات المصرية. وسرعان ماهدأت الحملة وإن لم ينس الجميع تقريبا ماجري. وكان الدرس الرئيسي صعوبة الصدام مع الدولة التي تقدم المساعدات وتتولي تقديم السلاح والمعدات والذخائر وقطع الغيار مجانا لمصر منذ عام1979 وحتي الآن مع صعوبة توفير البديل أو التمويل المطلوب لشراء السلاح من مصادر أخري. وبدأت قوي من الثوار والنخبة تضغط من اجل رفض المعونات الأمريكية المدنية والعسكرية ولكن الاستجابة للطلب كانت من الصعوبة بمكان, فالذين يضغطون لم يكونوا علي علم بالحقائق أو بالآثار التي يمكن ان تترتب علي ذلك. ونامت القضية مؤقتا ولكن حجم الكراهية للولايات المتحدة لم ينم والاسباب كثيرة. وفيما بين الموقف الامريكي الأول المساند للثورة والموقف الثاني الخاص ببسط الحماية علي المتهمين من منظمات المجتمع المدني بتلقي أموال من الخارج وصلت الي مصر عناصر مصرية من الذين عاشوا وتلقوا تعليمهم بالخارج وتمكنت هذه العناصر في معظمها من الانخراط في النشاط الثوري والحياة السياسية. وبكل خفة الظل المصرية جري إطلاق وصف المارينز عليهم. ومن جديد وبدون أي قدر من المداراة تتدخل هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية في الشأن الداخلي المصري وتصرح مرة وراء أخري مطالبة المجلس الأعلي للقوات المسلحة بتسليم السلطة للرئيس المنتخب وبسرعة. وترد النخبة المصرية بقوة منددة بهذا التدخل ويعبر الثوار عن غضبهم ويرفع الجميع أصواتهم للتنديد بالموقف الامريكي. ولكن الغضب والصراخ والهتاف بأعلي الأصوات لم يتمكن من التأثير علي المسئولين الأمريكيين, ربما لأنهم تعودوا علي مثل هذا التعبير عن الغضب كثيرا ربما لأنهم علي بينة من أن أصحاب القرار يكونون أكثر حكمة وهدوءا ولن يتورطون في الانفعال أو في الاقدام علي ردود فعل وربما لأن هناك من يري أن التدخل بقوة الآن لتسليم السلطة الي عناصر مدنية سيكون له عائد سياسي يصب في المصالح الأمريكية. وعلينا ألا ننسي أن السيدة كلينتون سبق أن أعلنت أن أمريكا انفقت عدة مليارات من الدولارات من أجل دعم الديمقراطية في مصر. هكذا وبدون مواربة أكدت المسئولة أن نشر الديمقراطية في مصر كلف الخزانة الأمريكية عدة مليارات من الدولارات. ولو وضعنا الخطوات الأمريكية كما وردت في تصريحات المسئولين الأمريكيين ومواقفهم الخاصة بمصر فإننا سنكون في موقف أفضل لفهم بعض من أبعاد ما يجري في اطار العلاقات المصرية الأمريكية وسنجد اجابة علي السيدة كلينتون وتطاولها, حيث قالت: جنرالات مصر الذين يحكمون يقولون في العلن ما يتراجعون عنه سرا. وقبل أن تنطق بهذا الاتهام قالت وكأنها تصدر أمرا للمسئولين في مصر بضرورة تسليم المجلس العسكري السلطة للفائز في أول انتخابات رئاسية. ثم أصدرت توجيها حاسما بضرورة احترام العملية الديمقراطية. أما السيدة فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية فقالت إن واشنطن تراقب عن كثب ما يحدث في مصر وإن الاجراءات الأخيرة للمجلس العسكري تشير الي أنه يريد التمسك بالسلطة لما بعد الفترة التي تعهد فيها بتسليم السلطة. ويبقي لنا ان نتساءل ببراءة. لماذا اختارت السيدة كلينتون والمتحدثة باسمها أن تعالج هذه القضية بهذا الاسلوب وعلنا؟ لماذا لم تلجأ الي الخطوات الدبلوماسية وهي كثيرة؟ هل استهدفت الوصول الي الرأي العام المصري مباشرة؟ أم أنها أرادت إبلاغ الرسالة لقوي معينة داخل مصر؟ أم ان هناك أهدافا أخري؟ ايا كان الأمر فقد اختارت كلينتون ان تتدخل علنا وبشكل سافر يخلو من الحياء وبهذه الصورة الجارحة وهنا لا يكفي الصمت أو التجاهل أو الصراخ. ويبقي سؤال أكثر براءة: هل هناك علاقة بين توقيت تصريحات كلينتون ووجود وفد من البرلمان المنحل في أمريكا؟!!. المزيد من مقالات عبده مباشر