من غير المتوقع أن ينجح اتفاق دول الاتحاد الأوروبي الأخير مع حكومة فايز السَّراج الليبية في كبح تدفق المهاجرين الأفارقة بصورة غير مشروعة علي إيطاليا ومنها إلي بقية دول الإتحاد،فليبيا هي نقطة الانطلاق الرئيسية للأفارقة وتعيش في حالة فوضي سياسية وأمنية ويصعب العثور فيها علي شركاء يُعتمد عليهم للتعاون في مكافحة تهريب البشر وإذا تم إغلاق مسار سيتم فتح أكثر من مسار بديل.ويبدو أنه لا بديل عن مساعدة الدول الإفريقية الطاردة للشباب مادياً وفنياً بسخاء وبسرعة لإيجاد فرص عمل لهم وتحسين أحوالهم المعيشية ووقف مطاردات قوات الأمن لمعارضي نظم الحكم منهم لوقف تدفقهم من المنبع. الاتفاق الذي أبرمته الحكومة الإيطالية مع السراج وباركته القمة الأوروبية التي انعقدت في مالطا منذ أيام لبحث وقف المهاجرين قبل أن يستقلوا القوارب من الساحل الليبي إلي أوروبا عبر البحر المتوسط ينص علي تمويل الدول الأوروبية إنشاء مخيمات علي التراب الليبي لحجز هؤلاء المهاجرين فيها حتي يعودوا طواعيةً إلي بلادهم، أو يتم ترحيلهم، وأن تقوم إيطاليا بتدريب العاملين فيها وتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية للمهاجرين، وكذلك التدريب والتمويل للحكومة الليبية لتمكينها من مكافحة تهريب البشر وسط توقعات بموجة هجرة جديدة في الربيع المقبل ومخاوف أوروبية حقيقية من أن يندس بينهم إرهابيون من تنظيم داعش أوالقاعدة أوجماعات إرهابية ومتطرفة تموالية لهما من التي ابتُليت بها دول إفريقية عديدة. لكن المشكلة تتمثل في أن حكومة السراج ليست لديها القوة اللازمة لتنفيذ الاتفاق لأنها لا تسيطر سوي علي جزء من طرابلس العاصمة ومدينة سرت التي قضت قواتها شهوراً حتي تمكنت بمساعدة الطائرات الحربية الأمريكية من طرد عناصر داعش منها، بينما تهيمن قوات خليفة حفتر علي شرق البلاد وتضع عشرات الميليشيات القبلية والدينية أيديها علي أجزاء واسعة منها، ويتمركز عناصر داعش والقاعدة وأتباعهما في مناطق بجنوبها ووسطها وغربها، وهناك حكومة منتهية ولايتها برئاسة عبدالله الثني في الشرق يدعمها برلمان شرعي رفض منح الثقة لحكومة السراج المعترف بها دولياً علي مدي نحو 14 شهراً، ووصف الاتفاق بأنه باطل وحكومة سابقة أخري برئاسة خليفة الغويل تنازعها السلطة بالعاصمة وتستولي ميليشياتها من وقت لآخر علي مقار حكومية فيها، وقد رفضتا الاتفاق قائلتين إن معظم أراضي ليبيا خارج سيطرة حكومة الوفاق خاصةً الحدود الجنوبية المنفذ الرئيسي للمهاجرين والساحل الليبي الطويل الذي تعمل فيه شبكات التهريب بحرية ودون خوف من عقاب مستغلةً الفراغ الأمني القائم، كما أن تجميع مثل تلك الأعداد الهائلة من الأفارقة يشكل خطراً في حد ذاته إذا أغرتهم كثرتهم علي اجتياح الحواجز الأمنية كما حدث مراراً في سبتة ومليلة بالمغرب، والانطلاق في مراكب بأعداد كبيرة قد لا تستطيع السفن الأوروبية منعهم إلاَّ بعد إغراق أعداد كبيرة منهم. إقامة المخيمات تثير مخاوف الليبيين من أن ينتهي الأمر بتوطين الأفارقة في بلدهم بحكم الأمر الواقع وتَلقي أيضاً معارضة شديدة من جماعات حقوق الإنسان وأعلنت مفوضية الأممالمتحدة لشئون اللاجئين أن إنشاءها في ليبيا يعني إبقاء المهاجرين في ظروف غير إنسانية وتعريض حياتهم للخطر،وذكر تقرير للأمم المتحدة في ديسمبر الماضي أنهم يعانون انتهاكات واسعة ومتواصلة من بينها الإحتجاز التعسفي والعمالة القسرية والتعذيب والاغتصاب.كما كشف تقرير رسمي ألماني عن أن المهاجرين في مخيمات يديرها مهربون في ليبيا يواجهون الإعدام والتعذيب والاغتصاب وانتهاكات ممنهجة أخري مثل الطرد إلي العراء في الصحراء حيث الموت الحتمي لإفساح مكان لمهاجرين جدد يدفعون لهم مزيداً من المال، مؤكداً بالوثائق أن ذلك يحدث يومياً. المحاولة الأوروبية ليست جديدة حيث سبق أن أنشأ القادة الأوروبيون في نوفمبر 2015 صندوقاً بمبلغ 1,9مليار دولار لمساعدة الدول الإفريقية علي تنمية نفسها لمكافحة الهجرة غير المشروعة وتحدثت المفوضية الأوروبية في يونيو 2016 عن مشروع مساعدات لتسع دول إفريقية وشرق أوسطية من بينها إريتريا وإثيوبيا والسودان والصومال وليبيا ونيجيريا والأردن للحد من تدفق اللاجئين الذين تتوقع أن يزداد عددهم في السنوات المقبلة يتضمن تزويدها بمعدات لمراقبة الحدود وتدريب الشرطة وتقديم الدعم الفني اللازم لمنع تدفق المهاجرين مشيراً إلي أن الأردن يؤوي أعداداً هائلة منهم وأن عواقب وخيمة متوقع حدوثها بعد أن تغلق كينيا مخيم داداب الذي يؤوي مئات الآلاف من اللاجئين الصوماليين وغيرهم.ورغم ذلك لم يتوقف تدفق المهاجرين الأفارقة كما حدث مع المهاجرين عبر تركيا التي نجح الاتفاق معها في مارس الماضي في خفض عددهم بنسبة الثلثين خلال عام 2016 بينما وصل 181 ألف إفريقي إلي أوروبا العام الماضي ولم تتمكن حكوماتهم من منعهم إما لأن المساعدات الأوروبية لم تتم كما ينبغي أو لأن الحكومات الإفريقية لم تقتنع بها وابتلع الفساد المستشري في دولها القدر الأكبر منها. لمزيد من مقالات عطية عيسوى