بلغ المشروع الاستيطانى الاستعمارى لحكومة بنيامين نتنياهو الأسوأ فى يمينيتها وتطرفها فى تاريخ إسرائيل ذروته،بإقرارالكنيست لقانون «شرعنة «الاستيطان»، الذي يمنح البؤر الاستيطانية المقامة على أملاك الفلسطينيين الخاصة بأثر رجعي, ويبيح للمستوطنين اليهود الشروع في الاستيلاء على أراضي الضفة الغربيةوالقدسالمحتلة دون مساءلة وعقاب، أى بوضوح سلب الأراضي الفلسطينيةالمحتلة وإخضاعها للاحتلال. وتكمن خطورة هذا القانون -وفق رؤية أحمد أبو الغيط الأمين العام للجامعة العربية - فى أنه يعكس النيات الحقيقية لحكومة إسرائيل، ويُجسِّد موقفها المُعادي للسلام والخارج عن القانون، بحسبانه يشكل غطاء لسِرقة الأراضي والاستيلاء على الممتلكات الخاصة للفلسطينيين، فضلا عن كونه يُعد حلقةً في سلسلة متواصلة من السياسات الإسرائيلية التي ترمي إلى تدمير أي إمكانية لتطبيق حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المُستقلة، كما أنه لم يراع مطلقا موقف الإرادة الدولية الجماعية. وعقب إقرار القانون بأيام - تحديدا يوم الأربعاء الماضى -أقرت حكومة نتنياهو مشروعا لبناء 1162 وحدة استيطانية جديدة فى الضفة الغربيةوالقدسالمحتلة، وقبل ذلك أقرت مشروعا لبناء 500 وحدة أخرى، أى أن التنفيذ يتزامن مع التشريع، دون استجابة لأى مواقف إقليمية أو دولية , تندد بالمشروع الاستيطانى الاستعمارى لإسرائيل فى الاراضى المحتلة والذى تمدد على نحو خطي، حيث اقتربت أعداد المستوطنين من 800 ألف يهودى، موزعين على 128 مستوطنة فى مدن الضفة الغربية، وما يزيد علي 20 مستوطنة فى القدسالمحتلة، وهى أرقام ستأخذ فى الاتساع والتمدد الرأسى والأفقى خصما من رصيد الأراضى الفلسطينية وسكانها العرب، الذين جردوا وفق التشريع الأخير من أسلحة اللجوء الى القضاء، للحيلولة دون مصادرة أراضيهم، فهو ينص -الى جانب جواز مصادرة الأراضي الفلسطينية بملكية خاصة وتوظيفها للاستيطان -على منع التوجه للقضاء والمحاكم، من أجل الطعن وتقديم الوثائق التي تثبت ملكية الفلسطيني لأرضه. والمؤكد أن حكومة نتنياهو استغلت كما يقول جمال الشوبكى سفير دولة فلسطين بالقاهرة لمندوب «الأهرام» العزب الطيب الطاهر أن حالة التوتر السياسي بالمنطقة العربية والمرحلة الانتقالية الأمريكية بعد وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض لتمرير قانون شرعنة الاستيطان اليهودى على الأراضي الفلسطينية عبر تصويت الكنيست، وتعمد الحزب اليميني المتطرف اتباع سياسة تطبيق الأمر الواقع على الفلسطينيين عبر مصادرة أراضيهم وبيوتهم وتحويلها إلى مستوطنات إسرائيلية على نحو يخالف كل المواثيق والشرائع الدولية. ويضيف:أن فلسطين تتفهم أن الدول العربية أصيبت ببلاء سرطان الإرهاب ، وأن إسرائيل تنتهز انشغال الدول العربية، وتخطي حدود المنطق من خلال توسيع الاستيطان، وتعيش على دعم ومال اللوبي الصهيوني ، فضلا عن تفوقها عسكريا في المنطقة وحسب قناعته، فإن المحاولات الإسرائيلية في سرقة والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية تعد انتهاكات دولية جسيمة تدمر فرص حل الدولتين. وأمام هذه المعطيات الخطيرة، تبدو الخيارات الفلسطينية والعربية محدودة أمام سياسة فرض الأمر الواقع، التى توظفها سلطات الاحتلال بكفاءة عالية منذ الإعلان عن نكبة 1948 وحتى اليوم، فى مقابل انتهاج الجانب العربى والفلسطينى سياسة اللجوء الى القانون الدولى والشرعية الدولية، والتى لايعيرها الاحتلال أى اهتمام بدليل صدور العشرات من قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، بما فى ذلك قرار حل الدولتين، دون أن تقدم أى حكومة إسرائيلية على تطبيق واحد منها، استنادا الى منهجية القوة العسكرية المفرطة، التى تمثل عنوان مشروعها للوجود فى المنطقة، بداية من نكبة 1948 مرورا بعدوان 1965 ثم عدوان 1967 وفى حرب 1973، ثم اعتداءاتها وحروبها المتكررة على الفلسطينيين، سواء فى الضفة الغربية أو قطاع غزة والتى ما زالت متواصلة، بالإضافة الى الإسناد الأمريكى الواضح للغاية، وهو إسناد ليس مرهونا بإدارة معينة فكل الإدارات تتشارك فى هدف حماية أمن اسرائيل، وتوفير أقصى الجاهزية لشن حروبها على العرب والفلسطينيين، وكان آخر تجليات ذلك صفقة الأسلحة التى قدمتها إدارة باراك أوباما قبل رحيلها بأشهر ب 38 مليار دولار، ثم جاءت إدارة ترامب لتأخذ فيها العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، منحى أكثر حيوية ودفئا وانحيازا لمخططات نتنياهو ، والذى سيكون ضيفا على البيت الأبيض فى منتصف الشهر الجارى . بيد أن ذلك لاينطوى أو يشكل عوامل تثبيط أمام تحرك فلسطينى وعربى بقو ة ,للوقوف أمام المشروع الاستيطانى الاستعمارى لإسرائيل، فثمة إمكانية للجوء الى المحكمة الجنائية الدولية ، لتقديم شكوى ضد حكومة نتنياهو، وسحب الاعتراف بدولة إسرائيل ووقف التنسيق الأمنى معها، وهناك من يطرح فى هذا السياق خيار تفكيك السلطة الوطنية تدريجيا ,وصولا لتسليم كل مقاليد الضفة وغزة لدولة الاحتلال بما يضعها أمام مسئولياتها، وهناك من يدعو الى انتفاضة شعبية شاملة تكون سلمية الطابع بعيدا عن عسكرتها حتى يكون بمقدورها كسب التعاطف الدولى، وهى خيارات صعبة تقوم القيادة الفلسطينية بدراستها فى المرحلة الراهنة، ولكن الخطوة الأهم المطلوبة هى تحقيق وحدة وطنية حقيقية وإنهاء ملف الانقسام الذى لم يعد يمتلك أى ذريعة أو مبررات لاستمراره على هذا النحو . والعرب مطالبون بالتحرك إقليميا ودوليا لتقديم الإسناد للفلسطينيين، حتى لايتركوا بمفردهم فى مواجهة عدوانية حكومة نتنياهو،خاصة مع الإدارة الأمريكية الجديدة حتى لاتتمادى فى خطوات قد تفضى الى تداعيات خطيرة على صعيد القضية الفلسطينية ,من قبيل منح الضوء الأخضر لإسرائيل فى المضى قدما فى مشروعها الاستيطانى، ولعل ما أعلنه الرئيس دونالد ترامب فى حديث لصحيفة (إسرائيل هيوم) الإسرائيلية- أمس الأول من «أنه يعتقد أن بناء المزيد من المنازل فى المستوطنات اليهودية بالضفة الغربية لايمثل أمرا «جيدا من أجل السلام»، يمكن أن يشكل أرضية تنطلق منها الدبلوماسية العربية، سواء على مستوى القمة أو على مستوى وزراء الخارجية، خاصة أنه أكد أى ترامب - أنه يريد من إسرائيل «التصرف بشكل معقول»، في الوقت الذي تستكشف إدارته مسارات للتوسط في محادثات السلام, ,بالإضافة الى إعلانه فى الحديث نفسه التريث فى اتخاذ قرار بشأن نقل السفارة الأمريكية إلى القدسالمحتلة.