وصلت إلى مطار القاهرة الدولى قبل ما يقرب من شهرين. و فى يوم الوصول، أمطرت السماء وهو بالنسبة لى دليل إيجابى لبداية مبشرة متميزة، لأن الشعب المصرى يعتبر الأمطار خيراً يجلب البركة والرزق. وخلال فترة إقامتى القصيرة فى القاهرة، شرفت بلقاء عدد من المصريين وعلى رأسهم فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي. ومن خلال مخالطتى مع مختلف الشرائح المهنية والاجتماعية، وجدت أن القاسم المشترك الذى يجمع المصريين هو الابتسامة الرقيقة والكرم والإخلاص، وهى الصفات التى حث عليها الإسلام. ورغم التعب الذى أعانيه فى بعض الأحيان بسبب الازدحام الدائم فى شوارع القاهرة، إلا أن نظرة واحدة على نهر النيل الخالد وأشعة الشمس المشرقة تجعلنى أنسى كل ما أعانيه من إرهاق فى حياتى اليومية. وأتذكر فى كل مرة أقف أمام نهر النيل مقولة المؤرخ الأغريقى «هيرودوت» الشهيرة بأن «مصر هبة النيل». ولذا أستطيع القول إن جمهورية مصر العربية لديها إمكانيات هائلة للنمو والتقدم وأنها الآن تستعد للانطلاق نحو المستقبل كدولة عظمى كانت مهداً لإحدى الحضارات الأربع العظمى وأقدم دولة فى العالم. لقد أسست جمهورية كوريا وجمهورية مصر العربية علاقاتهما الدبلوماسية فى عام 1995. وقام الرئيس الكورى السابق بزيارة رسمية إلى مصر فى عام 2006 وبعد عشر سنوات، زار فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى كوريا الجنوبية فى عام 2016. وخلال هذه الزيارة التاريخية فى شهر مارس الماضي، اتفق الجانبان على تدشين علاقات الشراكة التعاونية الشاملة لتبدأ صفحة جديدة من التعاون الوثيق بين البلدين فى جميع المجالات. كما وفرت زيارة فخامة الرئيس السيسى زخماً كبيراً للعلاقات الثنائية لتتوسع آفاق التعاون بين البلدين يوماً بعد يوم فى مختلف المجالات بما فيها التعاون بشأن القضايا الدولية والتجارة والاستثمار، فضلاً عن تبادل زيارات كبار الشخصيات وغيرها. وكم سعدت كسفير كوريا لدى مصر بمعرفة شغف الكثير من المصريين باقتناء الهواتف الذكية الكورية والسيارات الكورية، إلا أن ما يسعدنى دوماً هو انتشار الثقافة الكورية بين عدد كبير من الشباب المصرى الذين يمارسون رياضة «التايكوندو»، ويقبلون على الاستماع إلى الأغانى الكورية الحديثة حتى إن بعضهم يؤدى هذه الأغانى رغم عدم إتقانه اللغة الكورية. وما هو الدافع وراء النمو الاقتصادى الكوري؟ لكونى دبلوماسياً، يوجه هذا السؤال مرات عديدة، وإجابتى بمنتهى البساطة، أن كوريا الجنوبية وضعت نصب أعينها منذ زمن بعيد التعليم فى مقدمة أولوياتها، وبالطبع كان الاستثمار فى التعليم هو المحرك الأساسى لعجلة الإبداع التى مكنت كوريا من تحقيق معجزتها الاقتصادية غير المسبوقة. وجدير بالذكر فى هذا الصدد أن جمهورية كوريا احتلت المرتبة الأولى للعام الرابع على التوالى فى «مؤشر بلومبرج للابتكار(Innovation Index)» الذى يتم الإعلان عنه مطلع كل عام. كما أن كوريا هى الدولة الوحيدة فى العالم التى تحولت من دولة متلقية للمساعدات الخارجية إلى دولة مانحة، بل إنها تسعى جاهدة لرفع حجم مساعداتها التنموية ومشاركة تجربتها الاقتصادية مع دول العالم. قد يتصور البعض أن «كوريا الجنوبية» لا تتمثل إلا فى التكنولوجيا الحديثة والتنمية الاقتصادية والصناعية، ولكن كوريا الجنوبية أيضاً أمة تحظى بتقاليد ثقافية عريقة وفريدة من نوعها. فهى تضم 44 موقعاً تم تصنيفها من قبل منظمة اليونسكو كتراث عالمي، وهو ما يُجسد تاريخاً من الثقافة العظيمة التى تمتد لأكثر من 5 آلاف عام. وتسعى كوريا الجنوبية إلى مشاركة دول العالم ثقافتها القديمة والحديثة بما فيها هانسيك (الطعام الكوري) وهانبوك (الملابس التقليدية الكورية) والأفلام الكورية وموسيقى البوب الكورية (K-pop). وكان الإقبال الكبير من الشباب فى مصر على الثقافة الكورية هو الدافع وراء إقامة المركز الثقافى الكورى فى القاهرة والذى افتتح فى عام 2014، وهو بدون شك يلعب دوراً محورياً لتعميق التبادل الثقافى بين كوريا ومصر. ولقد أكد الكثير من الأصدقاء المصريين أن مصر كانت تُصنف الأكثر تقدما من كوريا الجنوبية فى الخمسينيات ولكن مع الأسف تغير هذا الوضع تماما فى العصر الراهن. ومن جانبى أقول إن كوريا الجنوبية مستعدة لمد يد العون لمصر ومشاركتها الخبرات التنموية، حيث تتعاون البلدان من أجل رفع قدرة وكفاءة الصناعة المصرية. ومن المتعارف عليه أن اللقاءات المتكررة بين الناس هى وسيلة سريعة لتوطيد علاقات الصداقة والتفاهم بين بعضهم البعض. ومن هذا المنطلق يحدونى الأمل فى أن تحقّق مصر معجزة «نهر النيل» من خلال استغلال إمكانياتها الهائلة وأن يتغلب الشعب المصرى على الصعوبات الاقتصادية الحالية، تماماً مثلما حققت كوريا الجنوبية معجزة «نهر الهان». وأتمنى أن تكون كوريا الجنوبية هى الصديق الوفى لمصر خلال هذه المسيرة. لمزيد من مقالات يوون سون- جو