فى ندوته باللقاء الفكري، ضمن نشاط ضيف الشرف بالقاعة الرئيسية فى معرض الكتاب، الذى أداره الإعلامى محمود شرف، استعرض الشاعر الكبير«قاسم حداد»،الأسئلة الملحة التى شكلت له هاجسًا حين حاول كتابة الشعر موضحًا أن جيله دخل الأدب، والشعر خصوصًا، من بوابة السياسة فى الستينيات، حيث النضال فى الوطن العربي. ومن تجارب شعراء ذلك الزمن، نكتشف أنهم انهمكوا مبكرًا فى العمل السياسي، وكان أحد أشكال التعبير عن هذا النضال، وكانت الفكرة مشروعة ومفهومة فى مرحلتها، لكن سرعان ما اكتشفنا الأهمية الجوهرية للتعبير الأدبى عند الكتابة، ألَّا نفرط فى أحلامنا من جهة، وألاَّ نُغلب الهاجس السياسي، على العملية الفنية، ومعظم شعراء جيلنا انتبهوا مبكرًا لفكرة التشبث بالشرط الإبداعى أكثر من الذهاب إلى الهاجس السياسي، دون دعوة للانعزال عن الهم السياسي، فلا يستطيع الشاعر والكاتب والمثقف أن ينعزل عن حياته بشكل عام، كونها محور تكوين المبدع. وعن صراع الأجيال، وسجالها الأدبي، رأى «حداد»، أنه فى البحرين، فى بداية الستينيات، لم يصادف هذا السجال بمعناه الواضح والمعروف، وإنما تعرض جيله لبعض الانتقادات المقبولة، فالبعض رأى أن تجارب جيله تخرج عن المألوف، لأننا كنا نكتب فى الأفق السياسى والثقافى العربي، ومعظمهم لم يكتب نصًا حاملًا ملامح خاصة بالبحرين، وأوصلنا كثيرا من مواهبنا الأدبية لأنها كانت تحمل هاجس المعرفة والثقافة. كما اتصلنا بالتجارب الأدبية من المغرب والشام وفلسطين، حتى تمتعت تجاربنا بنوع من الرحابة وعدم التقوقع فى العمل الأدبي، وتوقف «حداد» أمام هاجس آخر، هو«القطيعة مع التراث»، التى فُهمت خطأ، مع أن التراث من أهم مصادر المعرفة الفنية واللغوية، فالبعض يتصور أن الاتصال بالتراث يناقض تحديث اللغة والأشكال الأدبية، فتراثنا هو الجذر الذى نتكأ عليه، ولا نستطيع ان نحلق من دون الاتصال به. وتطرق إلى توصيفات الكتابة الشعرية الجديدة، ومنها قصيدة النثر، وهذا المصطلح بسبب تاريخه المربك فى الثقافة العربية، جعلنا نبلغ فى الانصراف عن العناصر الفنية والموسيقى التى هى أبعد من ما يكون عن بحور الأفعال والقوافى والوزن. فالكتابة لابد أن تمنح النص درجة من وعى الموسيقي، والموسيقى ليست الوزن، فأساس التفاعيل الأوزان، والبحور أساسها لغوي، وبالتالى الشاعر الجديد يتحرر من القيود، ويكون مسئولا أكثر، من جيل الرواد الذين خرجوا من الأوزان وشعر التفعيلة، عن إقناع القارئ أنه يكتب شعرا، وهى مسئولية تتضاعف عند من يكتبون الشعر، وتستعدى وعى جمالى نوعي، لذلك يعتقد أن الأجيال الجديدة عليها مسئوليات اكتشاف جماليات اللغة العربية الغنية جدا بالموسيقى ومن الخسارة التفريط فيها من قبل الشعر العربي.