المتحف الكبير ذلك الصرح الذى ينتظر العالم افتتاحه جزئيا العام المقبل سيضم بين جنباته 100 ألف قطعة أثرية من جميع أنحاء الجمهورية، يعرض منها 50 ألفا، بعضها سوف يراها زواره لأول مرة، منها 5 آلاف من مقتنيات الفرعون الذهبى توت عنخ آمون. المتحف يضم مركزا مجهزا بمعامل على أعلى المستويات وبأحدث الأجهزة المتخصصة فى مجال فحص وترميم الآثار، وهو مركز ترميم وصيانة الآثار التابع للمتحف. «الأهرام» تجولت داخل جنبات هذا الصرح العلمى المختص بترميم و صيانة كنوزنا، والذى يضم إمكانات وخبرات مصرية أصبحت تنافس الخبرات الأجنبية بشهادة كل الخبراء فى مجال الترميم، لتكون «الأهرام» أول صحيفة تزور هذه المعامل. د. طارق توفيق المشرف العام على مشروع المتحف الكبير قال إن المركز تم افتتاحه فى يونيو 2010، و يضم 7 معامل علمية متخصصة فى فحص وتحليل العينات الأثرية، و7 معامل ترميم، ودوره فى الوقت الحالى هو إعداد وترميم وتجهيز القطع الأثرية التى ستكون ضمن سيناريو العرض المتحفى. وأضاف أنه حتى الآن تم نقل 40 ألف قطعة أثرية للمركز، منها 3 آلاف قطعة خاصة بالملك توت، وتم ترميم وصيانة 30 ألف قطعة أثرية،2700 منها من مقتنيات الفرعون الذهبى، وأكد أن المركز قادر على الانتهاء من جميع أعمال الترميم وتجهيز القطع الأثرية قبل الافتتاح الجزئى للمتحف فى بداية 2018. وأضاف أن المرحلة التالية ستشهد دورا بحثيا أكبر لمعامل المركز لتكون المعامل الرئيسية فى مصر، وأن يخدم المركز الوطن العربى وإفريقيا فى مجال ترميم وصيانة الآثار، وأن يكون له دور أكبر مع البعثات الأجنبية العاملة فى مصر، بحيث يتم الاستعانة بمعامله لإجراء التحاليل المطلوبة لأى عينات تخرج من الحفائر التى تقوم بها هذه البعثات فى مصر. وأوضح توفيق أن عمليات الترميم فى القرن ال 21 تتم بطريقة علمية، بمعنى أننا نقوم بدراسة مبدئية لحالة الأثر، ونرى مكوناته والمواد المصنوع منها عن طريق تحليل عينات من الأثر بطريقة ليس فيها أى نوع من الإتلاف للأثر باستخدام أجهزة حديثة، ثم بعد ذلك يتم اختيار المواد التى سوف تستخدم فى الترميم بطريقة دقيقة جداً بحيث تكون استرجاعية حتى يمكن إزالة هذه المواد إذا ظهر فى المستقبل مواد أحدث أو أفضل، وفى بعض الآثار نحتاج إلى إزالة ترميمات سابقة لأنها أجريت باستخدام مواد غير مناسبة للأثر، وهى المواد التى كان متعارفا عليها فى مجال الترميم عالميا وقت إجراء الترميم، لكن ثبت مع الوقت أنها قد تؤثر سلبيا على الاثر، كأن تحتوى على مواد عضوية قد تؤدى إلى إصابات ميكروبيولوجية، أو أنها تتفاعل مع مادة صنع الأثر نفسها. تعاون بين العلماء والأثريين د. أسامة أبو الخير مدير المركز والذى صاحب «الأهرام» فى جولتها قال إن هناك منظومة عمل متكاملة ما بين المعامل العلمية ومعامل الترميم للوصول إلى أفضل الطرق فى ترميم الأثر وعلاجه والحفاظ عليه بالإضافة إلى توثيق المعلومات الأثرية والعلمية. وأوضح أن رئيس معمل الترميم المختص هو الذى يقوم بطلب عمل الفحص للعينة، فيتم إرسال العينة المراد فحصها وتحليلها إلى المعمل المختص، ويقوم المسئول فى المعمل بإجراء الفحوصات والتحليلات المطلوبة كعمل تحليل لأنواع الفطريات المتراكمة ويكتب تقرير حالة ويحدد نوع المشكلة، وبناء عليه يضع فريق الترميم خطة الترميم والعلاج، وتحديد سبل المكافحة الحيوية للاثار العضوية المصنع من القماش والقطع الخشبية وفى بعض الأحيان قد تحتاج الحالة للجوء إلى أكثر من معمل، وأكد أنه تم إجراء دورات تدريبية للمرممين لتعريفهم بدور كل معمل. وقال أبو الخير إن المركز يقوم بنشر الأبحاث التى تجرى داخله بصورة دورية محليا ودوليا، وخلال العامين الماضيين قام المتحف الكبير بنشر 22 بحثا فى المؤتمرات العالمية فى مجال الترميم، وأضاف أن المركز الآن بصدد الإعداد لمجلة علمية خاصة به، وأنه قام بعمل 103 دورات تدريبية للعاملين به من إخصائيى ترميم وعلميين وأثريين خلال 5 سنوات من 2010 حتى 2015، وأشار إلى أن المركز يتعاون مع العديد من الجهات داخل مصر وخارجها. وحدة الميكروسكوب الإلكتروني بدأت الجولة بمعمل الميكروسكوب الإلكترونى الماسح، وهو أحد المعامل التى تفحص العينات الأثرية، والوحدة الإلكترونية بها نوعان من الميكروسكوبات، الميكروسكوب الالكترونى الماسح، والميكروسكوب الالكترونى النافذ، التى تقوم بتكبير العينات400 ضعف وأحيانا 600 ضعف للوصول إلى خلايا الأثر وتحليل عناصر العينة ودراسة التركيب الطبقى لها وسمكها. محمد أنور مسئول المعمل قال إن تحليل هذه الطبقات يساعد فى معرفة مكونات الأثر وكيفية صنعه، وبناء على هذه التحليلات يضع المرمم خطة العلاج والترميم، فقد يكون لكل طبقة طرق علاج وترميم مختلفة، وأضاف أن المعمل به واحد من أحدث 4 أجهزة للميكروسكوب الالكترونى الماسح الموجودة فى الشرق الأوسط، وأشار إلى أن هذا الجهاز يعطى نتائج دقيقة بنسبة 100% ، وأضاف أن هناك نوعين من الأشعات التى تستخدم، أشعة الأيون، والأشعة الإلكترونية، وهى من نوع الأشعات المفرغة من الهواء، موضحا أنها قد يكون لها تأثير فقط على العينات الرطبة، ويتم معالجة ذلك بوضع العينة فى جهاز تبريد أثناء العمل، مشيرا إلى أنه فى نهاية كل عام يقوم مسئول المعمل بعمل وعرض تقرير كامل لجميع العينات التى تم التعامل معها، وأكد أنه إذا كانت هناك حاجة لتحليل أجزاء من أثر ليس به أجزاء متساقطة يتم اللجوء لاستخدام ميكروسكوب متنقل. تحليل للفطريات وسبل المكافحة البيولوجية أما معمل الميكروبيولوجى فيعتبر واحدا من أهم المعامل الموجودة فى المركز، لانه يختص بعلاج الأثر والحفاظ على حالته وحالة من يتعامل معه، هذا ما قاله د. على عمر رئيس المعمل، موضحا أن الأثر يحدث به أحيانا بعض الإصابات أو العدوى التى قد تفتك بالأثر بمرور الزمن. وأشار إلى أن دور المعمل القضاء على الإصابة أو وقفها حتى لاتتطور. وأوضح أن البداية بفحص الأثر وأخذ مسحات باستخدام قطن معقم من على سطح الجزء المصاب، بعدها تتم عملية عمل مزرعة لهذه المسحات، ويتم وضعها فى المحضن تحت درجة حرارة محددة لفترة تتراوح ما بين 3 أيام و 21 يوما، لتحديد نوع الكائن الدقيق الذى أصاب الأثر، بعدها يتم تحديد نوع العلاج باختبار أكثر من مادة. ثم تأتى خطوة العلاج نفسه بوضع المادة التى وقع الاختيار عليها على الجزء المصاب باستخدام فرشاة أو عن طريق الحقن أو التبخير حسب نوع الأثر، وبعد العلاج يقدم المعمل توصيات لكيفية حماية هذا الأثر من التعرض لإصابات أخرى مماثلة فى المستقبل، وتتم متابعته بصورة دورية، وأوضح أن هذه العملية تستغرق من شهر إلى أربعين يوما. أما معمل حيود الأشعة السينية فمن وظائفه تعريف المواد التى لها تركيب بلورى بمعنى أن لها شكلا فى الفراغ، هذا ما شرحته د. دينا ربوة رئيس المعمل، وأوضحت أن لكل مادة تركيبا فراغيا مميزا، حيث يتم استخدام طاقة عالية وهى أشعة إكس، وعند وقوع الأشعة على المادة ترتد الأشعة من على أطرافها بزاوية معينة تكون مميزة للمادة مثل البصمة، ومن هنا نستطيع تحديد نوع المادة المصنوع منها الاثر، وهذا يعطي للمرمم فكرة عن تركيب الأثر نفسه وبالتالى يمكنه أن يحدد نوعية المواد التى سيستخدمها فى تنظيف الأثر أو ترميمه، وقد يقدم معلومات تعطى أدلة أثرية جديدة. وعن معمل الميكروسكوبات الضوئية المتخصصة قالت حنان مصطفى مسئولة المعمل إنه يضم مجموعة من أحدث أجهزة الميكروسكوبات الضوئية، وأن فحص العينات فى هذا المعمل تعد المرحلة الأولى من مراحل التحليل، وأضافت أن نوعية العينات التى سيتم فحصها، سواء أخشابا أو فيبر أو أحجارا أو معادن، هى التى تحدد نوع الميكروسكوب الذى سيتم استخدامه، كما أشارت إلى أن هناك نوعين من العينات تدخل أجهزة المعمل، العينات التى يتم تحضيرها والعينات الخام. ترميم الآثار الخشبية ومن المعامل العلمية انتقلنا إلى معامل الترميم وفى معمل ترميم وصيانة الآثار الخشبية التقينا د.مدحت عبد الله رئيس المعمل الذى قال إن المعمل مسئول عن صيانة وترميم الآثار المصنوعة من الخشب، وأوضح أن المعمل مقسم إلى ثلاثة أقسام، الأول لترميم وصيانة الآثار، والثانى لإعداد المواد التى ستستخدم فى الترميم، وإذا كان هناك حاجة لإجراء مزيد من الدراسة فيتم التعاون مع المعامل العلمية، أما القسم الأخير فهو خاص بالتوثيق العلمى وأرشفة الصور وإعداد خطة العمل والتقارير النهائية. وأشار إلى أنه فى بعض الأحيان أثناء إجراء أعمال الصيانة والترميم يتم الوصول إلى اكتشافات ومعلومات أثرية جديدة، كما يشارك المعمل بالرأى والنصيحة فى إعداد الأماكن التى سيتم عرض الآثار الخشبية بها، والمشاركة فى تحديد أنسب الوسائل للتخزين، وقال إن هناك قواعد ومواثيق دولية تحكم عمليات الترميم، مؤكدا أن الترميم هدفه الأساسى هو الحفاظ على الأثر فى المقام الاول وبالتالى يكون التدخل لعلاج تلف أو للتدعيم، وليس لإضافة أى شيء على الأثر.