عبر الفيديو كونفرانس.. الرئيس السيسي ونظيره الروسي يشهدان حدثًا تاريخيًا بمشروع الضبعة النووى اليوم    نادي القضاة: انتخابات النواب 2025 لم يشرف عليها القضاة وأعضاء النيابة العامة    بعد انسحاب "قنديل" بالثالثة.. انسحاب "مهدي" من السباق الانتخابي في قوص بقنا    أخبار مصر: حدث عالمي يشهده السيسي وبوتين اليوم، حفل جوائز الكاف، "مجلس دولي" غير مسبوق لغزة، هل يهدد "ماربورج" مصر    جبران يلتقي مدير «العمل الدولية» بجنيف ويؤكد التزام مصر بالتعاون    أسعار الفاكهة اليوم الاربعاء 19-11-2025 في قنا    طن عز بكام.... اسعار الحديد اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025 فى المنيا    وزير الزراعة: حماية الرقعة الزراعية أولوية قصوى.. ولا تهاون في مواجهة التعديات    مع جورجينا وإيلون ماسك.. رونالدو يلتقط سيلفى فى البيت الأبيض    الضفة.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يعتقل 100 فلسطيني شمالي الخليل    المنتخبات المتأهلة إلى كأس العالم 2026 بعد صعود ثلاثي أمريكا الشمالية    أبرزها دولة فازت باللقب 4 مرات، المنتخبات المتأهلة إلى الملحق الأوروبي لكأس العالم 2026    طقس مستقر ومشمس في المنيا اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025 وارتفاع تدريجي في درجات الحرارة    محكمة الاتحاد الأوروبي تعتزم إصدار حكمها بشأن وضع أمازون كمنصة كبيرة جدا    اليوم.. العرض الأول لفيلم "اليعسوب" بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    خبراء: الأغذية فائقة المعالجة تعزز جائحة الأمراض المزمنة    طريقة عمل كيكة البرتقال الهشة بدون مضرب، وصفة سهلة ونتيجة مضمونة    زيلينسكي يزور تركيا لإحياء مساعي السلام في أوكرانيا    برنامج فعاليات وعروض أفلام مهرجان القاهرة السينمائي الدولي اليوم    الاتصالات: الأكاديمية العسكرية توفر سبل الإقامة ل 30095 طالب بمبادرة الرواد الرقمين    شهر جمادي الثاني وسر تسميته بهذا الاسم.. تعرف عليه    أسعار الذهب اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025    أكثر من 30 إصابة في هجوم روسي بطائرات مسيرة على مدينة خاركيف شرق أوكرانيا    ارتفاع أسعار الذهب في بداية تعاملات البورصة.. الأربعاء 19 نوفمبر    إسعاد يونس ومحمد إمام ومى عز الدين يوجهون رسائل دعم لتامر حسنى: الله يشفيك ويعافيك    بشري سارة للمعلمين والمديرين| 2000 جنيه حافز تدريس من أكتوبر 2026 وفق شروط    البيت الأبيض: اتفاقية المعادن مع السعودية مماثلة لما أبرمناه مع الشركاء التجاريين الآخرين    حقيقة ظهور فيروس ماربورج في مصر وهل الوضع أمن؟ متحدث الصحة يكشف    ترتيب الدوري الإيطالي قبل انطلاق الجولة القادمة    شبانة: الأهلي أغلق باب العودة أمام كهربا نهائيًا    أوكرانيا تطالب روسيا بتعويضات مناخية بقيمة 43 مليار دولار في كوب 30    "النواب" و"الشيوخ" الأمريكي يصوتان لصالح الإفراج عن ملفات إبستين    النيابة العامة تُحوِّل المضبوطات الذهبية إلى احتياطي إستراتيجي للدولة    نشأت الديهي: لا تختاروا مرشحي الانتخابات على أساس المال    انقلاب جرار صيانة في محطة التوفيقية بالبحيرة.. وتوقف حركة القطارات    مصرع شاب وإصابة اثنين آخرين في انقلاب سيارتي تريلا بصحراوي الأقصر    ما هي أكثر الأمراض النفسية انتشارًا بين الأطفال في مصر؟.. التفاصيل الكاملة عن الاضطرابات النفسية داخل مستشفيات الصحة النفسية    مصرع شاب وإصابة اثنين في انقلاب سيارتي تريلا بالأقصر    النائب العام يؤكد قدرة مؤسسات الدولة على تحويل الأصول الراكدة لقيمة اقتصادية فاعلة.. فيديو    أبرزهم أحمد مجدي ومريم الخشت.. نجوم الفن يتألقون في العرض العالمي لفيلم «بنات الباشا»    في ذكرى رحيله.. أبرز أعمال مارسيل بروست التي استكشفت الزمن والذاكرة والهوية وطبيعة الإنسان    أحمد الشناوي: الفار أنقذ الحكام    سويسرا تلحق بركب المتأهلين لكأس العالم 2026    حبس المتهمين في واقعة إصابة طبيب بطلق ناري في قنا    آسر نجل الراحل محمد صبري: أعشق الزمالك.. وأتمنى أن أرى شقيقتي رولا أفضل مذيعة    أسامة كمال: الجلوس دون تطوير لم يعد مقبولًا في زمن التكنولوجيا المتسارعة    دينا محمد صبري: كنت أريد لعب كرة القدم منذ صغري.. وكان حلم والدي أن أكون مهندسة    أحمد فؤاد ل مصطفى محمد: عُد للدورى المصرى قبل أن يتجاوزك الزمن    جامعة طيبة التكنولوجية بالأقصر تطلق مؤتمرها الرابع لشباب التكنولوجيين منتصف ديسمبر    تحريات لكشف ملابسات العثور على جثة شخص في الطالبية    زيورخ السويسري يرد على المفاوضات مع لاعب الزمالك    مشروبات طبيعية تساعد على النوم العميق للأطفال    فيلم وهم ل سميرة غزال وفرح طارق ضمن قائمة أفلام الطلبة فى مهرجان الفيوم    طيران الإمارات يطلب 65 طائرة إضافية من بوينغ 777X بقيمة 38 مليار دولار خلال معرض دبي للطيران 2025    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    هل يجوز أداء العشاء قبل الفجر لمن ينام مبكرًا؟.. أمين الفتوى يجيب    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المؤرخ الكبير د. عاصم الدسوقى ل «الأهرام»: شعارات «يناير» عبرت عن 99% من الشعب.. وتنمية قدراتنا الذاتية ضرورة لنملك قرارنا وتحقيق أهداف الثورة
نشر في الأهرام اليومي يوم 24 - 01 - 2017

وسط حالة التراشق والانقسام حول مشهد الخامس والعشرين من يناير 2011.. وجدل الآراء وتباين الرؤي. يصبح من الضرورى أن نستمع إلى أصوات العقل والعلم والهدوء.. التى تسعى إلى تحليل المشهد بلا انحياز.. وتقديم رؤية شاملة تكشف كل أبعاده وزواياه المختلفة.المؤرخ الكبير الدكتور عاصم الدسوقى واحد من أبرز هذه الأصوات بلا شك.
فى صباح شتوى دافئ برغم الغيوم، تخلله من آن لآخر رذاذ حبات المطر، كنت أقف وزميلى المصور فى الموعد المحدد على باب شقة المؤرخ الكبير الدكتور عاصم الدسوقي، بحى العجوزة.. سرعان ما انفتح الباب ليستقبلنا «الأستاذ» بابتسامة مرحبة، وملامح مشرقة، تعكس وقار العلماء وهدوئهم.. وداخل غرفة مكتبه، أطلت المكتبة الضخمة التى تحوى عشرات - بل مئات- الكتب، خلف مكتب خشبى أنيق، فى مشهد أوحى لى بأننى قد دخلت إلى «الخلوة العلمية» الخاصة بالمؤرخ الكبير، وأننى بصدد حوار مهم ومثير.
وفى الحوار، الذى دار حول ذكرى ثورة 25 يناير، والتى أصبحت تمثل «أيقونة الانقسام» فى المجتمع.. بدا الأستاذ عصيا على التصنيف، بعيدا عن الانحياز الكامل لأى فريق، إذ كيف يصنف أو ينحاز عالم حقيقى يعبر عن قناعته ويقول كلمته ثم يمضي؟.. ولعل أكثر لحظات الحوار إثارة، والتى قد تربك القارئ الذى اعتاد على الانحياز بجهل أو هوي، كانت عندما أجاب الرجل بكلمة «طبعا» عن سؤالين متتاليين هما: هل ترى أن ما جرى كان مؤامرة؟ وهل ترى أنه كان هناك صادقون كثر فى يناير؟.. بل إنه زاد ليقول إن الشعارات التى أطلقتها الثورة كانت تعبر عن مطالب 99% من الشعب.. كم يبدو هذا مربكا للمنحازين يا سيدي.. إلا القادرين على الفهم والتعلم والتوازن والمراجعة.
فى البداية.. قلت للدكتور عاصم الدسوقي: مع حلول ذكرى ثورة يناير فى كل عام، يحدث ما يمكن أن نسميه «نوة يناير»، والتى تتمثل فى حالة من الجدل السياسى والمجتمعى بين من يؤيدون الثورة ومن يعتبرونها مؤامرة كاملة، خصوصا أننا على مدى السنوات تزداد المعرفة لدينا ويتكشف المزيد من المعلومات، وإن كانت المعلومات الكاملة حول ما جرى لم تظهر حتى الآن.. كيف تنظر إلى ما جرى فى يناير.. وألا يقلقك هذا الانقسام الحالي؟
قال: هذا صحيح.. فالأحداث التى تلت يناير حتى الآن تلقى ظلالا من التساؤل والشك والريبة حول ما حدث فى يناير 2011، وإلا فلو كان ما حدث فى يناير هو ثورة بالمعنى العلمى والتاريخى وفقا للثورات التى قامت فى تاريخ الشعوب ما حدث هذا الجدل. إذن فهو جدل مرتبط بطبيعة ما حدث. وحتى نفهم هذا لا بد أن يكون فى بالنا الموقف الدولى وتطوره بعد انتهاء الحرب الباردة بين المعسكر الرأسمالى الغربى بقيادة أمريكا ومعسكر الاتحاد السوفيتي، والتى كانت قد بدأت عام 1947 بعد الحرب العالمية الثانية، واستمرت حتى أعلن الرئيس الروسى ميخائيل جورباتشوف سياسة المكاشفة والمصارحة وإعادة النظر «البيروستريكا»، وهو ما أدى فى النهاية إلى تفكك الاتحاد السوفيتى عام 91، وأظهرت بعض الوثائق والمذكرات أن أمريكا كانت قد نجحت فى استقطاب جورباتشوف، وحصل بعد إعلان سياسة «البيروستريكا» على جائزة نوبل. ثم ظهر بعد ذلك مصطلح النظام العالمى الجديد لأول مرة على لسان الرئيس الأمريكى جورج بوش الأب فى 91 وهو يسعى إلى تجييش العالم لإخراج العراق من الكويت بعد احتلالها، قائلا إن ذلك للدفاع عما سماه النظام العالمى الجديد، دون توضيح معناه. وظهرت بوادر هذا النظام بتفكيك الكيانات الكبرى والقضاء على أفكار الروابط القومية، وتفكيك أى وطن حتى إلى وحدات على أسس طائفية، عرقية أو دينية أو مذهبية. وبعد بوش الأب جاء الرئيس الأمريكى بيل كلينتون الذى ساعد إقليم تيمور الشرقية على التحول إلى دولة، بدعوى أنه يسكنه ثلاثة أرباع مسيحى وأنهم يخضعون لحكم إسلامى فى إندونيسيا. وهكذا عندما تدخل أمريكا أى منطقة فإنها ترفع شعارات حرية الإنسان وحقوق الإنسان وحق تقرير المصيرلتنفذ تحتها ما تريد.
هذا هو المشهد العالمى إذن؟
نعم كان هذا هو المشهد. وسنجد أنهم سيبدأون الخطوات التنفيذية لتوجهاتهم بعد ذلك. ففى 2004 كتب شمعون بيريز مقالا عن الشرق الأوسط الكبير. والحقيقة أن الترجمة الصحيحة للمصطلح وفقا للسياق هى «الشرق الأوسط العظيم». فهو كان يريد أن يقول إن الشرق الأوسط سيصبح عظيما إذا ما تم تقسيمه إلى وحدات، هى 73 دولة. (كررها: 73 دولة). ومصر فى هذا المشروع مقسمة إلى خمس دول، هى سيوة والنوبة وسيناء ودولة مسيحية ودولة إسلامية. وقد تمت ترجمة هذا المقال للغة العربية ونشر فى الصحافة العربية. وفى العام التالى فى 2005 بدأت كوندوليزا رايس بعد أن أصبحت وزير الخارجية الأمريكية تتحدث عن «الفوضى الخلاقة»، أى كيفية تنفيذ هذا المشروع، عبر هدم الأنظمة الموجودة وإعادة البناء من جديد على أسس طائفية. وفى ذلك الوقت كان كل رؤساء الدول فى المنطقة مع أمريكا، لكن فى نفس الوقت فإن أى رئيس لم يكن ليسمح بتفكيك بلاده، وعندئذ يصبح الحل بالنسبة للأمريكان هو أنه «يمشي». ومن هنا جاءت 2011. وقد بدا أنه سيناريو مرسوم، لأنه لا يمكن أن تحدث ثورة فى بلد ثم تنتقل بعد اسبوعين إلى بلد آخر وهكذا.
هذا التتالى كان غريبا؟!
فى التاريخ هذا لا يحدث. بعد الثورة الفرنسية فى 1789 لم تقم ثورة فى هولندا أو بلجيكا. وبعد ثورة روسيا عام 1917 لم تقم ثورات فى بلدان مجاورة. إلا الشرق الأوسط وما حدث لدينا. على طول كده، يناير وفبراير ومارس، وجدنا الأمور ماشية، فى مصر وليبيا وسوريا ثم اليمن. إذن فالهدف هو إسقاط الأنظمة ثم الإتيان ببدائل من القوى الإسلامية، التى ستقول بالطبع إنها تريد أن تحكم بالشريعة، فتتم استعادة مصطلحات مثل أهل الذمة والجزية عن المسيحيين، فتثور الفتنة وتشتعل الحرب الأهلية، فتتدخل أمريكا نفسها لفض النزاع، وتعمل وقتها بالمثل الشعبى عندنا «شيل ده من ده يرتاح ده عن ده»، وأن يذهب كل واحد لحاله.
أى التقسيم ؟!
نعم.. وهذا هو السيناريو الذى كان مرسوما لهذا الربيع، سواء فى تونس أو مصر أو اليمن أو سوريا. ولكن الأمور لم تتجه إلى هذا الغرض.
بهذا الشكل أنت تدعم وجهة النظر التى ترى أن ما جرى كان مؤامرة؟
طبعا.. لتحقيق هذا الهدف البعيد، المتمثل فى الفوضى الخلاقة، ومعنى النظام العالمى الجديد. صحيح أن الناس خرجت متحمسة يحركها الشعور بالظلم والإهانة.....
أقاطع قائلا:... هذا ما أسأل عنه.. هل ترى أنه كان هناك أيضا صادقون كثر فى يناير؟
طبعا.. الجماهير كلها لما وجدت الفرصة تحركت.. وسأحكى لك ما جرى معى يوم 25 يناير نفسه. يومها كنت مدعوا للحديث فى الإذاعة عن يوم الشرطة. ذهبت إلى مبنى التليفزيون ولكن فوجئت بأن المذيع نزل للتسجيل معى فى غرفة صغيرة فى الدور الأرضى وليس فى الاستديو كالمعتاد. تعجبت وقتها ولكن أجريت الحوار وخرجت من المبني. قررت أن أتمشى فى شارع بولاق أبو العلا حتى محطة مترو جمال عبدالناصر. وعندما وصلت وجدت تجمعا من الناس عند دار القضاء العادي. فلم أنزل إلى المحطة «وقلت أما أروح أشوف الحكاية دي»، فعرفت أنهم متظاهرون وأنهم سيذهبون إلى ميدان التحرير. فمشيت معهم قليلا، ونظرا لارتباطى بمواعيد رجعت إلى المترو.
أضحك وأقول: بهذا فأنت شاركت فى الثورة يا دكتور؟!
يضحك أيضا ويقول: بالمصادفة.. كان هذا ما جرى بالضبط.. أردت استطلاع أمر هذا التجمع عند دار القضاء على غير العادة.
لعلك أردت استكشاف الأمر بحس المؤرخ.. ماذا كانوا يقولون خلال فترة وجود معهم؟
كانوا يتحدثون عن سقوط الظلم ويقولون: «كفاية 30 سنة»، فى إشارة لحكم مبارك. وكلها كانت مطالب ثورة تعبر عن حاجات 99% من الناس. تتعلق بأزمة الأكل والمرتبات والعمل وغيرها.
نعم.. وربما اختناق الإطار العام فى المجتمع أيضا بالكامل ؟!
هذا هو التوظيف الذى تم للأمور. فالشعب المصرى بطبعه صبور تاريخيا. لكن الثورة تأتى فى نقطة معينة عند إحساسك بالإهانة أو المساس بالكرامة. والإهانات التى دفعت الناس للخروج فى يناير لها أكثر من صورة، مثلا: واحد تعلم ولم يجد وظيفة. أو وجد وظيفة لكنه عجز عن الزواج، أو واحد كفؤ فى عمله لكنه لا تتم ترقيته لأن الترقيات تذهب للمحاسيب.
هذه الأوضاع كلها، ماذا كانت البدائل الممكنة لتغييرها بدون ثورة؟. نحن نتفق على وجود ذلك الجانب من المؤامرة والخطط الخارجية، ونتفق أيضا على سوء الأوضاع الداخلية إلى درجة وصول الناس إلى حالة من الاختناق. فكيف كان يمكن أن يأتى التغيير بعد 30 عاما؟.
هنا كان لابد أن يستجيب الحكم القائم لأفكار وحاجات الناس.. ويتصرف.
تقصد قبل يناير؟
طبعا.
لكنه لم يستجب.. كانت الصحافة تكتب....
«خلاص يبقى هو دفع الثمن. أمال أنا رئيس ليه؟. المفروض أنه عنده أجهزة معينة للاستشعار. وياما اتعملت مؤتمرات. لو كان فيه حد قرأ مضمونها وعرض عليه مطالب الناس. أو تحليل مضمون للمقالات أو حتى النكت اللى كانت بتطلع».
كان يقال إن هناك أجهزة أمنية قوية تستطيع قراءة الشارع.. فلماذا لم ينعكس هذا فى الاستجابة؟
هو دفع الثمن لأنه لم يراع الجماهير التى يحكمها. فالمصرى صبور جدا (كررها مرتين)، وحبال الصبر عنده طويلة جدا. لكن فى ظل ضياع الكرامة قد تأتى شرارة تشعل الموقف.
حتى لو كانت الشرارة مفتعلة من الخارج؟
نعم.. حتى لو كانت مفتعلة.. فصاحب المشاكل والاحتياج سيجدها عندئذ فرصة للتعبير عن مشاكله كمتنفس أخير.. ولأن هذه الشرارة جاءت خارجية فهذا ما أدى إلى تلك «الشبهة والصنعة» لما جرى فى يناير.. «لكن الثورة مش كدة».
كيف؟
أى ثورة لابد أن تكون لها قيادة، وناس يرتبون لها، ويختارون الوقت المناسب. هذا هو الحال فى التاريخ. ونحن فى مصر مثلا نطلق مجازا مسميات، مثل الثورة العرابية وثورة 1919 مسمى ثورة، مجازا، لكن علميا هما ليستا ثورتين، «شوف ازاى بقي»، برغم أن هذا الكلام يثير الناس ضدي.
لماذا هما ليستا ثورتين بالمعنى العلمي؟.. وما تطبيق ذلك على «يناير»؟
يتحدث الدكتور عاصم الدسوقى ببطء وهدوء، بأسلوب أقرب إلى الشرح العلمى فى قاعة محاضرات، فيقول: لأن الثورة تبدأ بقلب نظام الحكم القديم، وقلب الحاكم، وأن يجلس الثوار فى مقاعد السلطة، فتصبح السلطة فى أيديهم، فيبدأون فى إصدار القرارات واتخاذ الإجراءات التى تحقق الأهداف. وفى هذه الحالة يطلق عليها مسمى «ثورة». فمصطلح الثورة يعنى التغيير؛ التغيير الجذرى للمجتمع (يشدد على كلمة الجذري). أما فى ثورتى عرابى و1919 فإنهما لم تحققا أهدافهما والثوار لم يحكموا.
.. ويناير؟
قبل الحديث عن يناير دعنى أقول لك إن 23 يوليو 1952 فى المقابل مما سبق، ينطبق عليها مسمى «الثورة»، لأنها بدأت بالانقلاب على الملك، والثوار تسلموا الحكم. ثم أصدروا القرارات تباعا، حول الإصلاح الزراعى ومنع الفصل التعسفى وتخفيض الإيجارات وغيرها.
لكن بعض أساتذة علم السياسة يسمونها «حركة الجيش» وليس «الثورة» ؟!
هم أنفسهم (الضباط) قالوا فى البداية إنها «حركة الجيش المباركة». أتدرى من قال إنها ثورة؟. طه حسين. فقد كتب فى مقال له فى الأهرام: «قولوا ثورة». هذا رجل خريج فرنسا ويعلم ما تعنيه المصطلحات. لأنها قلبت الحكم. أما ما حدث فى 25 يناير فهو أنه تم قلب رأس الحكم، ولكن بقى النظام - أى نظام الحكم- كما هو. هذه الأمور إذا لم تذكر صراحة لن نفهم ما يحدث. فبعد قلب مبارك جاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ولم تحدث أى تغييرات لكن ظلت فلسفة الحكم كما هي. وبعد ذلك جاء محمد مرسى كحاكم جديد. فهل حدث تغيير فى فلسفة الحكم؟ لا أبدا. فليس هناك فرق بين الإخوان والحزب الوطنى فى الحكم. فالاثنان هما رجال أعمال. ورأسمالية تحكم وتريد المكسب ولا علاقة لها بالناس. هناك لجنة السياسات فى الحزب الوطنى وهناك مكتب الإرشاد فى الإخوان. هو نفس الحال. ستجد أن شعار الثورة حول العيش والحرية والكرامة باقيا على حاله.
بهذا الشكل كيف نسمى «25 يناير»؟ انتفاضة أم حركة إصلاح أم ماذا؟
سمها انتفاضة.. حالة ثورة.. غليان فى الشارع.. قام بتحديد الشعارات من المطالبة بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، التى هى حاجات الجماهير الحقيقية التى لم يشعر بها الحكم وقتها.. وعدم تحقق هذه الشعارات هو الذى يفسر لنا سبب التجمعات والتظاهرات المستمرة على مدى السنوات الماضية حتى الآن، فلو كانت الثورة حققت أهدافها لماذا أقوم بالمظاهرات؟.
الآن.. كيف نحتفل بذكرى 25 يناير؟.. ما نراه هو أن أهل يناير عندما يحتفلون فإنهم يدعون إلى ثورة جديدة باعتبار أنه لا شيء تغير.. والآخرون يلعنون كل ما جرى فى يناير.. فكيف نتعامل مع الأمر الآن ولأجل الغد؟
لأجل الغد، هناك مطلب سلمى يمكن أن تتبناه الصحافة، وهو أنه كى يتوقف الحديث عن عمليات التخريب وغيرها لا بد من تحقيق شعارات الثورة. وأن نقوم بتجميعها مرة خري، وهى العدالة والعيش والحرية. أين مصر منها الآن؟ الأمور تأخذ مسارا آخر. «بجد والله». فأى ثورة لها أسباب، وإذا كنا نريد منعها لا بد من معالجة أسبابها. والثورة من البداية قامت على شعارات وجدت استجابة عند الجماهير، حتى لو لم يكن هذا هو هدفها الحقيقي. لذلك لابد الآن من تحقيق هذه الأهداف. وقناعتى هى أن الرئيس عبدالفتاح السيسى بداخله قضية العدالة الاجتماعية، منذ أن كان وزيرا للدفاع وقام وقتها بدفع أموال الغارمات من ميزانية الجيش، برغم أن هذا لم يكن مطلوبا منه. لكن أتمنى أن يخرج الرئيس الآن فى خطاب جماهيرى ويوضح كل العقبات والمعوقات والمحددات وأن يطالب الناس بالوقوف معه. لأن الأوضاع لم تتغير، والضيق يزداد على الناس.
الدولة تقول إن سوء الأوضاع الاقتصادية هو محصلة تراكمات على مدى السنوات الست بعد 25 يناير، وإنه كانت تتم زيادة الأجور مثلا لمواجهة أى احتجاجات فئوية، وبالتالى فهى تعمل الآن على مواجهة آثار كل ذلك بالتدريج.
نعم تحاول بالتدريج، لكن أين الخطوة المبشرة؟. وحتى عندما تم تعويم الجنيه ومنع الاستيراد فى البداية قلنا إن هذا حل جيد. ولكن سرعان ما وجدنا أن الاستيراد عاد مرة أخري. وهو ما يعنى أن الأزمة ستظل مستمرة وسيظل سعر الدولار مرتفعا. لأننا نستورد به. وفى الماضى محمد على حتى يكون مطلق اليد قرر أنه لابد ان يكون هناك إنتاج وألا يكون هناك استيراد إلا لمستلزمات الإنتاج حتى يتم توفيرها ذاتيا. ولذلك فقد كان يقوم بالتصدير ولا يستورد. ووفقا لشهادة أساتذة المالية العامة الذين درسوا الأحوال فى عصره بشكل تخصصي. فإن محمد على عندما انتهى حكمه كان ميزان المدفوعات لصالح مصر لأول وآخر مرة. أى أن الصادرات أكثر من الواردات. لأننى عندما أصدر آخذ وعندما أستورد أدفع.. المسألة بسيطة.
ربما يكون هذا ما جعل العالم يتآمر على محمد على ويهزمه، وبالتالى فإن التجربة الحالية تحتاج إلى شيء من التدرج وعدم المواجهة مع العالم ؟!
أنا معك.. لكن الغرب حارب كوبا وهى استطاعت أن تقف كما هى حتى اليوم.. الأمر يحتاج إلى إرادة ومكاشفة مع الناس بحجم المؤامرات من الخارج.. ومن الداخل أيضا من المحتكرين وكبار التجار الذين يخفون السلع فترتفع الأسعار.. كما يحتاج إلى أن تكون لدينا إرادة وفلسفة للاتجاه إلى الصناعة عبر تشجيع فتح المصانع حتى نبدأ الإنتاج وننمى قدراتنا الذاتية فنملك قرارنا.. لا أن تقتصر التنمية على الاستثمار عبر جذب الشركات الأجنبية فقط.
أخيرا.. قلت للمؤرخ الكبير الدكتور عاصم الدسوقي.. شكرا يا أستاذنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.